تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أمريكا وغياب المساءلة

مصدر الصورة
عن الانترنيت

كارين جيه جرينبيرج *

سواء كنت تفكر في عدد الوفيات المخيف، أو الأعداد المتزايدة للمصابين بفيروس «كورونا»، فإن الولايات المتحدة لديها أسوأ السجلات في جميع أنحاء العالم عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الوباء. ومع ذلك، استمر الرئيس دونالد ترامب بالتصرف بالطريقة نفسها في آذار الماضي، عندما كانت هناك 40 حالة وفاة فقط، بالفيروس، حيث قال وقتها «أنا لا أتحمل المسؤولية على الإطلاق».

وفي نيسان عندما توفي 50 ألف أمريكي، امتدح ترامب نفسه، وإدارته، وأصر بالقول «لقد قمنا بعمل رائع». وفي حزيران، ومع استمرار ارتفاع أعداد الوفيات على الصعيد الوطني، أدعى الرئيس أن استراتيجياته نجحت في الحد من تفشي وباء كورونا، ثم قال إن الفيروس على وشك الاختفاء، مناقضاً بذلك وجهات نظر وبيانات فريق مهام مكافحة الوباء.

وفي تموز، ألقى ترامب باللوم على حكام الولايات في انتشار الفوضى بالبلاد، قائلاً إنهم تعاملوا مع الجائحة بشكل سيئ، مؤكداً للشعب الأمريكي أنهم فشلوا في إدارة وتوزيع الإمدادات الرئيسية، بما في ذلك الكمامات، ولوازم الفحص.

وعلى العموم، كان دونالد ترامب نموذجاً مثالياً في تفادي جميع المسؤوليات، حتى مع ارتفاع عدد الوفيات جراء كورونا إلى أكثر من 150 ألفاً، وتسجيل حالات إصابة تزيد على 4 ملايين في جميع أنحاء البلاد، مع عدم وجود بارقة أمل في الأفق.

بعبارة أخرى، أعطى دونالد ترامب، وفريقه، غياب المساءلة معنى جديداً في أمريكا، وقد يبدو رفضهم لتحمل أدنى مسؤولية عن تفشي الفيروس مخيفاً، (أو ببساطة مثل واقعنا الجديد)، في أرض عرفت تقليدياً بأنها مكرسة للحكم الديمقراطي، وسيادة القانون. ولطالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها ملتزمة بالشفافية، والعدالة، عبر إجراء التحقيقات ووضع التقارير والضوابط القانونية، لا سيما من خلال المحاكم والكونجرس والتي وضعت لضمان تحميل السياسيين والقادة مسؤولية أفعالهم.

إن جوهر الديمقراطية، ألا وهي الانتخابات، كانت أيضاً أساس المساءلة، إلا أن دونالد ترامب حاول إثارة الشكوك حول انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني المقبل، حيث رفض الإعلان المسبق للالتزام بقبول نتائج الاستحقاق، إذا فاز منافسه الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، الأمر الذي يسلط الضوء على أهم المخاوف والاحتمالات المتعلقة بموقف ترامب.

ومع ذلك، فإن غياب المساءلة ليست مجرد ظاهرة خلال فترة حكم ترامب، حيث إن تآكلها نتاج لسنوات طويلة. وكما يقول المؤرخون والمحللون السياسيون المعاصرون، فإن قرار خوض الحرب في العراق في ربيع عام 2002، والتي حصدت أكثر من 8 آلاف قتيل أمريكي، وأكثر من 200 ألف عراقي عسكري ومدني، كان من الممكن تجنبه. لقد كان ذلك نتيجة أكاذيب ومعلومات مغلوطة، وضعت لإشراك الولايات المتحدة في ما سيعرف لاحقاً ب «حروبها الأبدية» في منطقة الشرق الأوسط، وإفريقيا.

وذكر الصحفي والمؤلف الأمريكي روبرت دريبر في مقال مؤخراً، أنه تم تجاهل، أو إسكات أولئك في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الذين اعترضوا على معلومات حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق. والأسوأ من ذلك، هو استخدام أساليب التعذيب لانتزاع اعتراف كاذب من عضو بارز في تنظيم القاعدة، ابن الشيخ الليبي، في ما يتعلق بالمحاولات المفترضة للتنظيم الإرهابي للحصول على مثل هذه الأسلحة هناك.

ولم تكن الحرب على العراق مجرد قرار خادع، بل كانت له نتائج كارثية، ويوصف اليوم بأنه أكبر خطأ في التاريخ العسكري الأمريكي، وأسوأ سياسة خارجية في تاريخ البلاد منذ حرب فيتنام.

وهنا نطرح سؤالاً واضحاً: من الذي يجب محاسبته على تلك الكارثة التي لم تنته حتى الآن؟ من الذي اتهم بجريمة جر الأمة عمداً إلى حرب فاشلة على أساس حقائق مصطنعة؟

* مؤرخة أمريكية ومديرة مركز الأمن القومي في كلية حقوق جامعة فوردهام (كاونتر بانش)

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.