تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ماذا بعد الـ «بريكست»؟

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. غسان العزي

بعد النجاح الهائل الذي حققه حزب المحافظين في الانتخابات التشريعية، الأهم منذ العام 1987 في عهد مارجريت تاتشر (364 مقعداً من أصل 650)، بات من المؤكد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يصبح حقيقة واقعة في نهاية الشهر المقبل. ومن اليوم إلى هذا التاريخ سوف يتمكن بوريس جونسون من دفع البرلمان الجديد إلى التصديق على الاتفاق الذي سبق ووقّعه مع الاتحاد الأوروبي.

أحد فصول هذا الاتفاق يتعلق بمستقبل البريطانيين الذين يقطنون في الدول الأوروبية كما المواطنين الأوروبيين (3,8 مليون) الذين يقطنون في بريطانيا، والذين لن يتم التعرض لحقوقهم ولكن سيكون عليهم الحصول على تصريح إقامة ابتداء من نهاية العام المقبل، وعلى الأرجح لن يكون هناك حاجة لتأشيرات دخول بين دول القارة والجزيرة التي لم تدخل أصلاً في اتفاقية شينجن.

فوز جونسون كان مدوياً في هذه الانتخابات التي قررها وراهن على نتائجها لإطلاق يديه في تنفيذ البريكست، كذلك كانت هزيمة الحزب العمالي الأسوأ منذ العام 1935. لكن المفارقة أن العدد الإجمالي للأصوات التي استحوذت عليها الأحزاب المؤيدة للبريكست (حزب المحافظين وحزب البريكست) تبلغ 47% من مجمل الأصوات في حين أن ال 53% من الأصوات المتبقية هي لأحزاب (العمال والحزب الديمقراطي الليبرالي وحزب سكوتلندا المستقلة والخضر) تدعو إلى إجراء استفتاء جديد حول البريكست. لكن النظام الانتخابي البريطاني الأغلبي لدورة واحدة يلغي الأحزاب الصغيرة ويناسب الأحزاب الكبرى. ولو أن مسألة البريكست عرضت على استفتاء جديد لكانت النتيجة مختلفة تماماً عما جاءت عليه. فالمعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي وقع ضحية انقساماته في حين فاز معسكر بريكست بفضل اتحاده.

وتكشف نتائج الانتخابات عن اندفاعة اسكوتلندية قوية نحو الاستقلال عن المملكة المتحدة. فقد فاز الحزب القومي الإسكوتلندي ب48 مقعداً من أصل 59 ( بزيادة 13 مقعداً عن انتخابات العام 2017). وبعد إعلان النتائج بوقت جدّ قصير أعلنت رئيسة وزراء اسكوتلندا بأن الاسكوتلنديين يطالبون بإجراء استفتاء جديد حول البقاء أو الاستقلال عن بريطانيا، وذلك بعد الاستفتاء الذي فشل فيه الانفصاليون في العام 2014.

لكن مثل هذا الاستفتاء يتطلب موافقة رئيس الوزراء في وقت أعلن فيه جونسون رفضه لذلك، ما يعني أنه سيكون عليه تحمل الضغوط والمواجهات في هذه المسألة. فإذا عاد الاسكوتلنديون ليؤكدوا بأنهم في غالبيتهم معارضون للبريكست فإن النزعة للاستقلال سوف تتأكد، ذلك أنهم يخشون من ظهور حدود جديدة مع إنجلترا التي ستكون خارج الاتحاد الأوروبي. هذه الحدود (حائط هادريان) تطرح مشاكل كثيرة مماثلة لتلك التي تطرحها الحدود ما بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا. في بلفاست بإيرلندا الشمالية فاز مرشح «الشين فين» والذي لن يلتحق ببرلمان وستمنستر لأنه جمهوري مع وحدة إيرلندا ولا يعترف بالملكية البريطانية، وهذا موقف تقليدي معروف يضرب جذوره في الحرب الأهلية الإيرلندية منذ عشرينات القرن المنصرم. وتقدم «الشين فين» وهو الحزب السياسي الوحيد الموجود في الوقت نفسه في جمهورية إيرلندا وفي إيرلندا الشمالية يمثل انتصاراً لمؤيدي توحيد الجزيرتين خارج بريطانيا.

على المقلب الآخر تمثل نتيجة الانتخابات هزيمة ماحقة شخصية لجيرمي كوربين والذي لم يستقل من زعامة الحزب العمالي لكنه كشف عن نيته عدم الترشح لانتخابات الحزب المقبلة. ليس هناك من خليفة معروف ما يعني بأن الحزب سيكون ضحية انقسام بين جناحه اليساري والحزبيين المعتدلين القريبين من تيار توني بلير الوسطي السابق. الانهيار في معاقل الحزب الشمالية والتي تربو على الأربعين دائرة انتخابية تنتمي إليه تاريخياً شكلت مفاجأة بمثابة الصدمة. والسبب أن كوربين غير المتحمس لأوروبا حاول تسويق الوهم بأن البريكست ليس هو المشكلة الأساسية بالنسبة للبريطانيين، في وقت كان أكثر من نصف العماليين يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي لكن قيادتهم حرمتهم من ناطق رسمي أو منبر عالٍ يعبرون عن أنفسهم من خلاله.

بالطبع أن الفوز الانتخابي لبوريس جونسون سيقوي من موقفه حيال الاتحاد الأوروبي لكن سيكون عليه مواجهة سبع وعشرين دولة للاتفاق معها، من هنا إلى نهاية العام المقبل مع إمكانية التمديد لعام أو عامين على اتفاق تجاري واضح ينظم العلاقة ما بعد الطلاق القضائي الرسمي الذي سيحصل في نهاية الشهر المقبل. عليه أن يختار ما بين الاستمرار في الانتماء إلى السوق المشترك أو سلوك طريق التحرر من الانسجام التشريعي والضريبي والاجتماعي والبيئي مع الاتحاد الأوروبي، وهو خيار صعب رغم وعود الرئيس الأمريكي ترامب بتوقيع اتفاق تجاري عظيم مع لندن بعد خروجها من أوروبا.

من جهته يستعد الأوروبي لمواجهة احتمال أن تتحول بريطانيا إلى منافس قوي غير نزيه أو إلى «جنة إغراق»(دامبينج) على أبوابه، كما أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لذلك يشعر أن من مصلحته الاحتفاظ بأفضل العلاقات مع جارته ومنعها من إدارة الظهر للقارة العجوز والتوجه صوب «الواسع العريض» أي الأطلسي وتحديداً الولايات المتحدة كما قال ونستون تشرشل للجنرال ديجول ذات مرة.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.