تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جمهورية الهند العظيمة - بين الأولويات والنزعة القومية

مصدر الصورة
خاص

في عام 1979 وبعد الانتخابات في ولاية آسام الشمالية الشرقية ،فاز مرشح غير مرغوب به في إحدى الدوائر الانتخابية  وبعد التحقيق تبين أن من صّوتوا لصالح المرشح  ليسوا من سكان المنطقة الأصليين وإنما كانوا ممن استوطنوا المنطقة من أصول بنغالية . هذا الأمر أثار حفيظة السكان من أبناء القبائل الآسامية وبدأت الحركات الانفصالية المسلحة تنشط في المنطقة وسط احتجاجات عارمة دامت ست سنوات أسفرت عن مقتل اكثر من 885 شخصاً وتشريد المئات .وتوصلت الحكومة المركزية إلى اتفاقية آسام عام 1985 حيث تعهدت بكشف النقاب عن السكان غير الأصليين وترحيلهم من هناك ،حفاظاً على ثقافة أبناء المنطقة من القبائل وخوفاً من التغيير الديمغرافي .وبقيت الحكومات المتتابعة تماطل  في تطبيق القانون إلى أن تسلم حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي زمام السلطة المركزية ووعد سكان الأقاليم الشمالية بتطبيق القانون وترحيل من أسماهم وزير الداخلية الحالي أميت شاه ب"الجرذان" . ودعم سكان المنطقة الحزب في الانتخابات الإقليمية والمركزية  .وقامت الحكومة بتعديل قانون المواطنة وإقراره  في البرلمانين خلال جلسات شهدت نقاشاً حاداً ومعارضة شديدة وتبادل الاتهامات والتشكيك بالوطنية والعداء للهند . لكن الحزب القومي الهندوسي الحاكم حزب بهارتيا جاناتا استطاع إقراره كونه يحظى بأغلبية المقاعد .  وقررت  الحكومة المركزية  منح الجنسية للأقليات  الدينية  والهندوسية في الدول المجاورة في أفغانستان وباكستان وبنغلادش واستثنت منهم المسلمين ، الأمر الذي اثار حفيظة أبناء الطائفة الاسلامية  الذين يتجاوز عددهم 200 مليون نسمة ويشكلون 13% من سكان شبه القارة الهندية وهم  ثان أكبر جالية مسلمة في العالم بعد أندونيسيا .

ردود الفعل

تفاوتت ردود فعل الشارع و أثار قانون الجنسية الهندي المعدّل  موجة عارمة من الاحتجاجات التي اجتاحت عدة ولايات هندية لأسباب مختلفة حسب فهم كل طرف للقانون المثير للجدل بين مؤيد ومعارض .في الوقت الذي  عمّت الفرحة مراكز الأحزاب والمنظمات الهندوسية الأم وكذلك وسط الأقليات الهندوسية في دول الجوار خصوصاً في باكستان وبنغلادش وأفغانستان بينما استثنى القانون الأقلية التاميلية في سيرلانكا وكذلك ولاية سيكيم الشمالية الشرقية باعتبار أن للولاية وضعاً خاصاً.

عمت الاحتجاجات ولاية آسام الشمالية الشرقية التي اعتبرت القانون غدراً بالهدف الرئيسي للبت به أصلاً وهو الذي وافقت عليه الحركات الانفصالية في الولاية مع الحكومة المركزية آنذاك  للكشف عن المستوطنين غير الشرعيين في الولاية بعد  24 مارس/ آذار 1971 أي بعد استقلال بنغلادش، وترحيلهم باعتبار أن وجودهم  يسبب تغييراً ديمغرافياً لسكان الولاية من أبناء القبائل . ويقطن في الولاية  قرابة 4 مليون مهاجر غير شرعي يعتقد أنهم من أصول بنغالية من بينهم قرابة المليون نسمة من الهندوس .  و يمنح القانون المعدّل المواطنة للهنود من جميع أبناء الطوائف الدينية  ما عدا المسلمين منهم ،.ففي الوقت الذي اعتبرت الأحزاب السياسية المعارضة ونشطاء حقوق الانسان وغيرهم هذا القانون عنصري ويضر بالدولة العلمانية الهندية التي تساوي بين جميع المواطنين الهنود بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والأثنية ويمنح القانون المعدل المواطنة على أسس الدين وهذا مخالف للدستور العلماني للهند والمواد 13،14،15،16 والمادة21  التي تضمن حقوق المواطن وتساوي بين الجميع . وذهب كبير وزراء ولاية كيرالا الجنوبية للقول "بأن القانون ضد علمانية الدولة و يخدم الأجندة الطائفية للمنظمات الهندوسية الأم التي تهدف لتأسيس دولة غير علمانية".

كما جاءت ردود الفعل من عدة منظمات دولية ودول أجنبية كان آخرها المفوض السامي لحقوق الانسان في جنيف الذي أعرب عن قلقه من القانون الجديد الذي لايمنح الحماية للأقليات بما فيها المسلمة .وأكد نائب المتحدث باسم الأمين العام للامم المتحدة أن المنظمة الدولية  تقوم  بتحليل دقيق للعواقب المحتملة للقانون.

الولايات المتحدة بدورها أصدرت بياناً شديد اللهجة حثّت فيه  إدارة ترامب الهند يوم الجمعة على "حماية حقوق الأقليات الدينية" تمشياً مع "الدستور والقيم الديمقراطية".وقامت عدة دول أجنبية بتحذير مواطنيها من السفر والتواجد في الولايات الشمالية الشرقية المضطربة .

وألغى كل من وزير الخارجية والداخلية لحكومة بنغلادش زيارته للهند وطالب وزير الخارجية في بنغلادش الحكومة الهندية تقديم إثباتات تؤكد وجود مواطنين من بنغلادش في الهند لإعادتهم. كما أرجأ رئيس الوزراء الياباني القمة الثنائية مع الهند التي كان من المزمع عقدها في 15-16/12/2019  في مدينة غواهاتي بسبب الاضطرابات الجارية هناك بعد أن قطعت الاتصالات والانترنت ووضعت عدة مناطق من المدينة تحت قانون حظر التجوال وألغيت الرحلات الجوية والبرية .وأدت الاحتجاجات إلى مقتل شخصين وجرح العشرات ومازالت الأوضاع الأمنية متوترة. وتخيم حالة من السخط والغضب داخل الشارع هناك على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة المركزية والشخصيات السياسية بطمأنة الأهالي. وتجادل الحكومة الحالية أن قانوني المواطنة وسجل الجنسية ،المثيران للجدل، لن يضرا بهم وإنما سيساعدان فقط السلطات على تحديد المهاجرين غير الشرعيين في مختلف الولايات. وبعد أن يتم التعرف على المهاجرين غير الشرعيين ، فإن الولايات ستكون قادرة على مواجهة هؤلاء الأشخاص وترحيلهم.

أخذ قرارالحكومة حول الجنسية الطابع الطائفي وكذلك قانون المواطنة المعّدل باعتبار أن المستهدفين من المستوطنين هم من أصول بنغالية هاجروا من بنغلادش بعد الاستقلال عن باكستان الشرقية عام 1971 وشعر المسلمون الهنود أن الحكومة تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية  .ورفضت خمس ولايات هندية تطبيق القرار وهي بنغال الغربية ، تشاتيسغارغ ، البنجاب، كيرالا وولاية ماديا برادش .وأخذت الاحتجاجات في العاصمة دلهي طابع العنف بعد قيام الشرطة المحلية باقتحام حرم جامعة مليا وضرب الطلبة داخل الجامعة  واعتقال عدد منهم وجرح اثنان بالرصاص الحي الأمر الذي أثار موجة من السخط الشعبي في العديد من الجامعات الهندية في عموم البلاد التي تظاهر فيها الطلبة تضامناً مع طلاب جامعة مليا الاسلامية .وتقدم أكثر من 700 شخصية سياسية وأكاديمية وقانونية وفنية بمذكرة أعربوا عن رفضهم للقانون المثير للجّدل باعتباره غير دستوري ويميز الهنود على أسس دينية ويهدف إلى إثارة الفتنة .كما انتقد البعض تصريحات رئيس الوزراء التي زادت من أعمال الشغب من خلال إلقائه اللوم على الهنود المسلمين باعتبار أنهم "مميزون من ملابسهم " ، بينما وجه آخرون انتقادات لاذعة بالقول أنه في كل مرة يثير رئيس الوزراء نعرة طائفية تزداد أصوات الناخبين لصالح حزبه. بينما يتساءل البعض هل إنهم حقاً صوتوا لنفس الحزب الذي انتخبوه عام 2014 و2019؟ و تساءل آخرون أين هي خطط الحكومة ووعودها الانتخابية في محاربة الفقر والجهل ورفع مستوى الحياة المعيشية وانعاش الاقتصاد وتوفير الوظائف؟ والاقتصاد الهندي يجب أن ينموبمستوى 10% تقريباً وليس أقل من 5%  كما تشير الوكالات الدولية؟

ماذا بعد؟

لم تكن الحكومة المركزية تتوقع ردود الفعل السريعة وموجة الغضب والاحتجاجات التي اجتاحت العديد من المدن الهندية بهذه السرعة مما شوّه صورة الهند إقليمياً وعالمياً وقد تنعكس سلبياً على الاقتصاد وقطاع السياحة والاستثمار .

انعكاسات القرار على دول الجوار أيضاً ستكون سلبية لو تم استهداف الأقليات من أصول هندية فعلاً في أفغانستان وبنغلادش وباكستان  التي تسعى الحكومة الهندية لحمايتهم .

تعالت الاصوات التي تطالب الحكومة بالعدول عن القرار وتأجيله حتى يتم مناقشته وشرح مضمونه بشكل جيد لعقد من الزمن على الأقل قبل تطبيقه .ولكن من المستبعد أن توافق الحكومة على ذلك وتطالب معظم الولايات الهندية تطبيق القانون الذي صادق عليه البرلمانيون .

يراقب الشارع الهندي التطورات بحذر شديد، وكذلك دول الجوار والمجتمع الدولي وما تحتاجه الهند الآن  القوة والحكمة من صناع القرار لمنع جّر البلاد  برياح الفتنة إلى البلبلة والخراب وهذا ما ليست   الهند  بحاجته وهي التي  عودتنا أن تكمن قوتها بتعدديتها الثقافية والعرقية والدينية والأثنية . ودفعت ثمناً باهظاً بسبب الاستعمار الذي كان وراء  الانقسام في شبه القارة وإعادة إحياء بذور الفتنة ليست من مصلحة أحد على الإطلاق ولا يقبله عاقل.

                                            بقلم الكاتب والباحث الصحفي السوري المقيم في الهند

                                                                        الدكتور وائل عواد

            www.waielawwad.com

Twitter ID : waiel awwad@abunouman

 

 

 

 

مصدر الخبر
خاص - محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.