تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أسباب الفشل الإعلامي في تونس


على عكس ما يتصور كثيرون، معضلة الإعلام التونسي ليست في "العار" أو الولاء لبن علي أو غيره من الطغاة، بل في الفقر المهني المدقع الذي يجعل المواطن البسيط أكثر علما ومعرفة وأحيانا اطلاعا من متوسط الصحفي التونسي.
عندنا صحفيون يفهمون في كل شيء ويكتبون في كل شيء: من التحاليل السياسية إلى التعليق على الكرة مرورا بالنقد التلفزي والمسرحي من باب الجرأة وليس المعرفة، فيما يتجه الإعلام منذ بداية التسعينات إلى الاختصاص الدقيق، بما يجعل الصحفي المتخصص، مثل الطبيب في مجاله،
في الإعلام التونسي، عندنا مدعيو خبرة في كل شيء ليست لهم خبرة في أي شيء، خذوا مثلا الإرهاب: أحصيت شخصيا بحكم اهتمامي الأكاديمي في الإعلام أكثر من 23 شخصا يدعون الخبرة في الإرهاب، دون أن يكون لأي أحد منهم كتابا أو بحثا منشورا، أو أي عمل يمكنهم من الارتقاء فوق معرفة المواطن العادي، بعضهم ليست له شهادة الباكالوريا، ولو انتهى الإرهاب في تونس، فسوف يتحولون إلى الكرة من باب إدمان الشهرة.
في المجتمعات المتطورة، يهتم الناس بالإعلام لأن فيه مختصين حقيقيين، مثل الطبيب المختص للمريض، يحمل الجواب، يفسر، يوضح، يفكك ثم يطور المعلومة، ويقدم الجواب الشافي،
آه، نسيت أن أقول لكم أن أكثر شيء يسعد أصحاب المؤسسات الإعلامية في تونس هو شخص يفعل كل شيء ويعوض الجميع: من تحليل السياسية والإرهاب إلى تحليل الكرة، مرورا بتحليل البولة وصولا إلى تنظيف مقر المؤسسة والحراسة بدل العساس المغربي، كل ذلك مقابل شهرية واحدة رمزية، بدل انتداب الخبراء ومعاناة الأجور والضرائب والحقوق والمستحقات وخصوصا وأن معضلة المحترفين والمختصين مع صاحب المؤسسة تكون مضاعفة حين يجمع صاحب المؤسسة بين شيئين يقتلان الإبداع أصلا: الجهل بمهنة الصحافة والوهم بأن المال يجلب معه المعرفة.

                                                                                كمال الشارني

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.