أثارت قضية الطيار السوري الذي سقطت طائرته قرب الأراضي التركية وتم نقله من قبل السلطات التركية إلى المشفى، جدلاً واسعا ً في الرأي العام، واختلفت الآراء بين قائل إنه أسير لدى السلطات التركية، وبين رأي آخر يرى إنه محتجز دون أساس قانوني؛ فما هو موقف القانون الدولي في مثل هذه الحالة؟
بالرغم من أن الطائرات الحربية والمسيّرة (الدرون) أصبحت في الوقت الحاضر الأداة الأولى في الحروب، وبالرغم من التطور الهائل الذي وصل إليه علم الطيران العسكري وأسلحته منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الوضع القانوني للحروب الجوية لم يتقدم في طريق التنظيم خطوة واحدة عما كان عليه قبل حرب سنة 1914، ولم تتوصل الدول بعد إلى تحديد مجموعة القواعد التي يجب أن تخضع لها هذه الحروب، كما فعلت من قبل بالنسبة للحربين البرية والبحرية.. وكل ما يمكن أن يشار إليه من نصوص دولية رسمية خاصة بالحرب الجوية هو "تصريح لاهاي الأول عام 1914"، وقد سقط هذا الاعلان بسبب عدم تجديده بعد انتهاء المدة المقررة فيه لاستمرار العمل به، ولقدمه وعدم صلاحيته للتطبيق في عصر أحدث التكنولوجيا في مجال الطيران.
والحقيقة، أنه وفي ظل غياب قانون خاص بالحروب الجوية، وعدم وجود حالة حرب معلنة بقانون بين سورية وتركيا رغم قيام تركيا بجعل أراضيها مقراً وممراً للإرهابيين باتجاه الأراضي السورية، فإن الوضع القانوني الأقرب إلى التطبيق على حالة الطيار السوري، والذي ينبغي أن يكون عليه موقف السلطات التركية حسب القانون الدولي من الأزمة السورية والحرب الدائرة فيها، هو حالة الحياد الذي يلزم ـ في هذه الحالة ـ السلطات التركية وفقاً لاتفاقيتي لاهاي لسنة 1907 الخاصتين بحقوق وواجبات المحايدين، وقياساً على قواعد الحياد في الحرب البحرية الواردة في اتفاقية لاهاي الثالثة لسنة 1907، يلزمها، بمنح الطيار مدة إقامة مؤقتة كانت في السابق أربع وعشرين ساعة للمغادرة وتسهيل وصوله إلى أقرب ميناء تابع لدولته.
بالمجمل، لا يمكن القول إن الطيار السوري هو أسير حرب.. كما أنه لم يرتكب جرماً يعاقب عليه القانون التركي حتى يتم احتجازه. وعليه، نرى أنه ينبغي إعادته إلى بلاده فوراً عندما تسمح حالته الصحية بذلك؛ وغير هذا الأمر، يعني أن تركيا خالفت القانون الدولي، وأعلنت نفسها رسمياً أنها في حالة حرب مع سورية لخروجها عن قواعد الحياد، وفي هذه الحالة يصبح الأمر مختلف كلياً.
