تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صـرف النفـوذ فـي القانـون السـوري..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

         إن انتشار الفساد في المجتمع عموماً ولدى أصحاب المناصب خاصة، يؤدي إلى زعزعة الثقة بين المواطنين والدولة فتختل ثقة هؤلاء في القائمين على الأموال العامة. وتكون المضرة معنوية في المقام الأول خاصة وأن تبادل الثقة بين الدولة والمواطن يعد عماد التوازن في كل مجتمع. إلى جانب أن جرائم الفساد والرشوة واستغلال النفوذ تؤدي إلى الإخلال بالثقة التي وضعتها الدولة في ذلك الموظف، فلا تساوي الدولة إلا ما يساويه الموظف العام، وتلك حقيقة أصبحت في مصاف البديهيات في الوقت الحاضر. فالدولة كشخص معنوي لا تتصرف إلا عن طريق الموظفين العموميين؛ فهم يدها المنفذة ورأسها المفكر وإذا كانت هذه حقيقة واضحة،  فإنها أظهر ما تكون في الوقت الحاضر الحاجة إليها. كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي، مما يؤدي إلى عجز المسؤولين عن تطوير الدولة أو النهوض بها نظراً لعدم الكفاءة والنقص في المؤهلات، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يتقلدون مناصب عن طريق الرشاوى والمحسوبية دون امتلاكهم المؤهلات المطلوبة. ويؤدي الفساد أيضاً إلى تراجع الاهتمام بالصالح العام والشعور بالظلم لدى الغالبية مما ينتج عنه احتقان اجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع.

من هنا، نجد أن قانون العقوبات العام، حرص على قمع هذه الظاهرة ومعاقبة الأشخاص الذين يستغلون وظائفهم ويستعملون نفوذ الوظيفة العامة وصفاتهم العامة في أمور غير مشروعة،   بالمادة  347 التي تنص على أنه: "كل من أخذ أو التمس أجراً غير واجب أو قبل الوعد به سواء كان لنفسه أو لغيره بقصد إنالة الآخرين أو السعي لإنالتهم وظيفة أو عملاً أو مقاولات أو مشاريع أو أرباحاً أو غيرها أو منحاً من الدولة أو إحدى الادارات العامة أو بقصد التأثير في مسلك السلطات بأي طريقة كانت، عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة أقلها ضعفا قيمة ما أخذ أو قبل به". وكذلك ما جاء في المادة 14 من قانون العقوبات الاقتصادية رقم 3 لعام 2013 التي تنص على أنه: "من أخذ أو التمس أجراً غير واجب أو قبل الوعد به سواء لنفسه أو لغيره بقصد إنالة آخرين أو السعي لإنالتهم وظيفة أو عملاً أو مقاولات أو مشاريع أو صفقات أو أرباحاً أو غيرها أو منحاً من الدولة يعاقب بالسجن المؤقت".

          ويتميز جرم صرف النفوذ بأنه خلافاً لجرم الرشوة، لا ينطوي على عنصر الاتجار بالوظيفة أو العمل الذي يعد الأساس في تجريم فعل الموظف أو العامل في الدولة المرتشي، ولكنه يشبه الرشوة بكونه يؤول إلى إضعاف الثقة بأعمال السلطة العامة. ويمكن أن يرتكب جرم صرف النفوذ المشار إليه من شخص عادي وليس بالضرورة أن يكون موظفاً كما في جرم الرشوة، مما تفيد الشمول والإطلاق. ويكفي لقيام الجرم المنصوص عليه في المادة 14 من قانون العقوبات الاقتصادية أن يكون للسلطة العامة، سلطة تقديرية بصدد منح أو رفض منح الفوائد والمنافع أو الصفقات التي يستهدف الفاعل إنالة الآخرين إياها، وليس ثمة ضرورة  لقيام الجرم نجاح الفاعل في مسعاه لتحقيق الأمور المنصوص عليها في هذه المادة أو فشله في ذلك.

ولم يشترط القضاء الفرنسي والمصري، مثلاً، لتوافر هذا الجرم أن يكون الفاعل الذي ألتمس أو طلب ذو نفوذ حقيقي أو مختلق. ويتبدى الركن المادي في هذا الجرم بالنشاط الذي يقوم به الفاعل وهو أخذ أو التماس غير واجب من صاحب مصلحة أو قبول الوعد به. ولا يشير القانون في حال التماس هذا الأجر أو قبول الوعد به ـ أي في حالة عدم أخذه ـ إلى الشروع في هذا الجرم، إذ ان الجرم يتكون في هذه الحالة من مجرد التماس الأجر غير الواجب من قبل الفاعل لنفسه أو لغيره، أو من مجرد قبول الوعد به؛

أما فيما يتصل بالركن المعنوي، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن جريمة استعمال النفوذ تتطلب توفر القصد الجنائي من النوع الخاص؛ إذ أن الفاعل يوجه إرادته نحو نشاط يعلم أنه استعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم بهدف الحصول أو محاولة الحصول من أية سلطة، على منفعة. في حين يرى البعض الآخر من الفقهاء أن القصد المطلوب في هذا الجرم هو من النوع العام؛ أي القصد العام لأن المشرّع ساوى في هذا الجرم بين النفوذ الحقيقي والمزعوم بما يعتبره ضمناً أنه تستوي لديه أن تتجه إرادة الجاني إلى استعمال نفوذه الحقيقي أو لا تتجه إلى ذلك، كما في حالة التذرع بالنفوذ المزعوم.

          وعليه، فإن جرم صرف النفوذ له ثلاثة عناصر هي؛ أولاً، أن يكون الفاعل ذا نفوذ؛ والثاني، أن يقبل وعداً لشيء ما أو يأخذ عطية أو هبة؛ والثالث، أن يكون الأخذ أو الوعد لغرض عينه القانون. وفي كل الأحوال، يجب أن تكون الصفة حقيقية وإلا خرج الفعل عن كونه صرف نفوذ، واعتبر من قبيل الاحتيال باتخاذ صفة كاذبة، وعلى هذا استقر الاجتهاد القضائي في سورية. وتختلف جريمة صرف النفوذ عن جريمة الرشوة، أن الرشوة تدفع من أجل عمل يعتبر اتجاراً بالوظيفة، أما جرم صرف النفوذ فهو اتجاراً بالصفة.      

ومادامت المادة 22 من قانون العقوبات الاقتصادية تنطوي على عقوبة أشد من المادة 347 ق.ع، فإن نص المادة 14 عقوبات اقتصادية هي الواجبة التطبيق إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة أو النفع الذي قصد الفاعل اجتلابه يتجاوز النصاب النقدي أو المالي المحدد في الفقرة ب من المادة 23 من قانون العقوبات الاقتصادية؛ أي يتجاوز الخمسمائة ألف ليرة سورية، وبالتالي فإن محكمة الجنايات الاقتصادية تكون هي المختصة بالنظر في جريمة صرف النفوذ المنسوبة إلى المدعى عليه. أما في حالة عدم تجاوز هذا النصاب النقدي أو المالي المشار إليه آنفاً, فيطبق نص المادة 347 ق.ع، وتكون محكمة بداية الجزاء هي المختصة بالنظر في هذه الجريمة.  

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.