تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حقـوق المعاشـرة بين الزوجين وسـبل حمايتها..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

اهتمت الشرائع السماوية بالزواج على أنه علاقة مقدسة تربط رجلاً بامرأة معينة تحل له شرعاً، وذلك لاهتمام هذه الشرائع باللبنة الأولى في بناء المجتمع. ولهذا فإن الشريعة الموسوية قدّست هذا الارتباط ورفعته إلى درجة عليا من التقدير والاحترام؛ فقد ذكرت التوراة في الاصحاح الثاني من سفر التكوين وهي تروي قصة خلق حواء بعد آدم، كيف أن هذه الصلة تدفع الرجل إلى انفصاله عن أبيه وأمه والتصاقه بزوجته ليكونا معاً جسداً واحداً وإنساناً واحداً.. وكذلك السيد المسيح لم يتعرض لشؤون التشريع بشيء إطلاقاً إلا في موضوع الزواج، فقد خصه بالعناية في مواعظه فقال: "قد سمعتم أنه قيل للأوليين لا تزني، أما أنا فأقول لكم أن من نظر إلى امرأة لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبه"، وذلك ليجعل الرابطة بين المرأة والرجل هي الزواج فقط.. والأمر عينه في الإسلام الذي أحاط عقد الزواج بالقدسية ذاتها وشرّع من القواعد والأحكام ورتب من الحقوق ما يضمن للزوجين الاستقرار والسعادة حيث قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة).

        وأما حقوق الزوج على زوجته فهي حقوق غير مالية دائماً لأن الزوج هو المكلف الوحيد بالإنفاق وإعالة زوجته، وحقوقه عليها تتعلق بحسن المعاملة والإشراف على البيت. ويمكن إجمالها بالطاعة والتأديب وحق النصح والإرشاد وتوجيه الزوجة لأنها أم أولاده، وذلك في الأمور التي تعود بالنفع على الأسرة؛ إذ أنّ ولاية التأديب غايتها تقويم اعوجاج الزوجة إن انحرفت عن النظم والقواعد التي وضعها الشارع للأسرة. ومن حقوق الزوج على زوجته حسن تربية الأولاد والإشراف على شؤون البيت. أما حقوق الزوجة على زوجها، فقد تكون حقوقاً مالية أو غير مالية ويمكن أن نلخصها بالأمور التالية: المهر والنفقة والمسكن والعدل والمعاملة بالمعروف. وأما الحقوق المشتركة بين الزوجين فهي الحقوق المتبادلة بينهما وتثبت لكل منهما بموجب عقد الزواج وهي حل المتعة الزوجية وحسن المعاشرة وحرمة المصاهرة والتوارث بين الزوجين.   

أي أن للزوجات من حقوق الزوجية الواجبة على الأزواج مثل ما للأزواج من حقوق زوجية على الزوجات؛ فللزوجات من حسن الصحبة وترك الإضرار والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي يجب عليهن من الطاعة والأمانة فيما أوجبه الدين عليهن للأزواج؛ فقد سأل رجل الرسول الكريم (ص): "يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه"؟ قال: "إن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا كسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت". فلا يحل للزوج أن يهمل النفقة على زوجته عملاً بقول رسول الله (ص): "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت". كما لا يحل له ضرب وجه زوجته لما فيه من إهانة لكرامة الإنسان ولا يحل له أن يقبح زوجته بأن يؤذيها بلسانه ويسمعها ما تكره.

كما أن للرجل على المرأة حقوق ذكرها النبي الكريم بالحديث الشريف، من أنه: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تخرج وهو كاره، ولا تطيع فيه ولا تعتزل فراشه، ولا تضربه، فإن كان هو أظلم فلتأته حتى ترضيه، فإن قبل منها فبها ونعمت وقبل الله عذرها وأفلج (أظهر) حجتها، وإن هو لم يرض فقد أبلغت عند الله عذرها". وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي"؛ فمن حق الزوج على زوجته أن تسره إذا نظر إليها وأن تحفظه في عرضه وماله إذا غاب عنها.. وكذلك من حق الزوجة على زوجها أن يعاملها معاملة حسنة، وأن يكون آخذاً بآداب النظافة والطهارة؛ فحقوق الرجل والمرأة بينهما متبادلة، فليس من العدل أن يتحكم أحد الطرفين في الآخر أو يتخذه عبداً يستغله ويستذله؛ فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة هي ثابتة مثمرة لا تزعزعها الأعاصير ولا تعصف بها رياح الفتن ولا تقوى عليها معاول الطغيان.. وهي متعالية على الشر والظلم، وأقرب إلى تحقيق مقاصد الشارع في بناء أسرة سليمة ومتعافية.

وإن كان القانون قد قصر هذه الحقوق على الحقوق المالية وهي المهر والنفقة والسكن ـ على اعتبار أن باقي الحقوق تتعلق بالديانة لا بالقضاء وليست من الحقوق المالية ـ  فهذا لا يعني عدم أهمية تلك الحقوق أو افتقادها للمؤيد الزجري للتقييد بها، وإنما ترك الأمر للقضاء عند النظر بدعوى التفريق إذا حصل شقاق بين الزوجين واستحال استمرار الحياة الزوجية بينهما، حيث يعين القاضي حكمين ممن يرى فيهما القدرة على الاصلاح بين الزوجين من الأقارب أو الأباعد؛ فإذا عجزا وكانت الإساءة أو أكثرها من الزوج، قررا التفريق بطلقة بائنة. وإن كانت الإساءة أو أكثرها من الزوجة أو مشتركة بينهما، يقرر الحكمان التفريق بين الزوجين على تمام المهر أو على قسم منه يتناسب ومدى الإساءة.. والقاضي يحكم بموجب تقرير الحكمين ولا يشترط أن يكون معللاً، وقناعة الحكمين لا تدخل تحت رقابة محكمة النقض، وليس للقاضي الحق بالتدخل في هذا الشأن.

        وبناء على ما سبق، يمكن القول أن دعوى التفريق لعلة الشقاق والضرر تبدو أكثر الوسائل التشريعية غير المباشرة فعالية في ضمان التزام واحترام كلا الزوجين لحقوق الآخر وعدم التعدي عليها ودوام الألفة والمودة بينهما.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.