تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. ناديا خوست: الإعلام سلاح هجومي!!

                                                                                      بقلم: د. ناديا خوست.

الإعلام أداة استطلاع ورصد تتناول السياسة العليا وتوصل الرسائل وتنقل المعلومات إلى مراكز القرار. والإعلام سلاح يواكب العمل السياسي ويتقدم الحرب ويمهد للغزو. والإعلام أداة لنشر الثقافة والوعي أو لنشر الجهل والانحطاط. لذلك تسربت إليه الصهيونية وحكمته في الغرب، فثبتت في الرأي العام الغربي مقدسات منها المحرقة، هولوكوست، وتخلف العرب، والعربي المسلم صاحب الحريم، والعربي المسلم الإرهابي. وذلك في وفاق مع الفكر الاستعماري. 

في هذا السياق الغشاش تصوَّر حرية الإعلام في الغرب كأنها من هبات النظام الرأسمالي، وليست ثمرة ما أنجزته الشعوب. وتثبت هذا الوهم بيانات سياسيي المجتمع الدولي. لذلك يجب أن نتذكر أن حرية التعبير ثمرة الثورة الفرنسية، مؤسسة على بيان حقوق الإنسان والمواطن في آب سنة 1789. نظمها ذلك القانون في حماية المجتمع، ففرض على الناشر واجبات وعاقب على المخالفات، ومنها تشويه السمعة. عدّلت بعض مواد هذا القانون بعد تحرير فرنسا سنة 1944 فقيّدت ملكية الصحافة لمنع الاحتكار، وأضيف شرط الشفافية في تمويل الصحف. وفي سنة 2004 رفع البارلمان الفرنسي إلى مرتبة الجريمة التمييز على أساس الجنس والقومية. وكان المقصود حماية الصهيونية. ومن المفارقة أن السياسيين الغربيين يستخدمون حقوق الإنسان التي دفعت الشعوب دماءها لتصل إليها، ليغلّفوا بها التدخل والغزو وتمويل العصابات.

لذلك يضع التقدم العلمي العالم اليوم وسط تناقضات كبرى، فمن جهة يسهل الوصول إلى المعلومات، ومن جهة أخرى تُسخّر الاتصالات في العدوان على عقل الإنسان وتشويه الحقائق والتزوير، وتستخدم سلاحا في الغزو والحرب، وأداة سياسية تحرض على القتل. رصف الإعلام مقدمات الحرب على أفغانستان وعلى العراق، وواكبها. ويُعاقب أسانج مؤسس ويكيليكس بتشويه سمعته لأنه كشف ما وراء البهرجة الإعلامية من الحقائق الحادة.

في المؤامرة على سورية وزع الهاتف المحمول مع الرشاشات والقنابل. وجهزت محطات البث لاستقبال الصور وتلفيقها. موّلت المخابرات المركزية الأمريكية تلك القنوات، وعلى أساس الصور المختلقة خطط حشد الرأي العام العالمي وتشويش الرأي العام السوري، ومقترح قرار يبيح التدخل العسكري في سورية. ويناقض هذا كله حق الوصول إلى المعلومات الذي ثبتته قوانين الإعلام البريطانية والفرنسية وإلى حد ما الأمريكية. فالمعلومة الحقيقية التي أخفيت هي أن السياسة الغربية استخدمت العصابات لكسر المجتمع السوري، وزودت بالمال والسلاح أكثر الناس تخلفا وهامشية، لتخلص إسرائيل من مركز المقاومة العربية! المعلومة الحقيقية هي أن السياسيين الغربيين استخدموا نبل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليدمروا سورية كما دمروا العراق في مخطط الشرق الأوسط الكبير!

يعلّم قانون الإعلام البريطاني المواطن البريطاني كيف يستخدم "الحق في أن أعرف"، فيطلب المعلومات من المؤسسات المركزية والمحلية. لكن بلير حجب الحقائق عن الشعب البريطاني، وزور التقارير ليسوغ غزو العراق، وكرر ذلك من بعدَه فحجبوا حقائق أحداث سورية. وكذبوا مثل كولن باول أمام الأمم المتحدة. في قوانين الإعلام، البريطانية والفرنسية والأمريكية عقوبات على تشويه السمعة. فمن يعاقب رؤساء تلك الدول وإعلامييها على تشويه سمعة العرب والمسلمين واتهامهم بالإرهاب والتخلف؟ 

""المسألة إذن أن النظام السياسي الاستعماري، الذي يتداخل فيه النفوذ الصهيوني، يقبض على وسائل الإعلام الكبرى ويحجب المعلومات عن شعبه ويصوغ الرأي العام في حاجات المراكز السياسية الاقتصادية الحاكمة ويسخّرها في مشروعها. ويسدد الإعلام حتى في تصفية من ينحرف عنه"".

المثل الأول في تصفية الخصوم: إسقاط رئيس صندوق النقد الدولي شتراوس – خان، الصهيوني الفرنسي. الذي اعتقله الأمن الأمريكي وحرمه حتى من الاتصال بمحاميه. مع أنه من البنية الاستعمارية نفسها، ولا يخفي انحيازه لإسرائيل. لكنه جنح خارج المعايير التي يعتمدها المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الإسرائيلي. فرتبت له فضيحة كما رتبت فضيحة لوينسكي لكلينتون. وأذاع النائب العام على الإعلام تفاصيل التحرش الجنسي الذي اتهم به. وعرض الإعلام تلك التفاصيل طول النهار. السبب أنه كان يستعد لمقابلة ميريكل في برلين ليبحث معها إمكانية اعتماد البنك الدولي تنوع العملات بدلا من اعتماد الدولار. وكان بعد الاتفاق مع ميركل سيزور ليبيا، فالموافقة الليبية مهمة لتلك العملية. ولو حدث ذلك لانهار الدولار الذي تؤسس عليه الصناعة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية. باعتقال شتراوس - خان والحرب على ليبيا أوقف المشروع، وصادرت فرنسا وإنكلترا الأموال الليبية.

وظفت في هذه الحرب المالية مجموعات بندر بن سلطان المسلحة وقطر، فحطت في بنغازي مع الأعلام الليبية القديمة والأسلحة. وغطيت بسعار إعلامي حملته الفضائيات العربية. ولاشك في أنها استندت إلى واقع لاتتوفر فيه الجاذبية للمجموعة الحاكمة. هكذا شارك الإعلام في الحرب الاستعمارية وأظهر التماسيح التي تبتلع العالم مدافعين عن حقوق الإنسان، غيورين على الديمقراطية، وستر مصادرة الأموال الليبية ومشروع تقسيم ليبيا. فكان سلاحا هجوميا وحشيا وسامّا.

المثل الثاني أسانج الذي كشف بشبكة ويكيليكس فظائع الحرب في العراق، وتلفيق الشهادات للمحكمة الدولية، وتسييس تلك المحكمة، وانهيار السياسيين اللبنانيين المتواطئين معها، وتآمر الديبلوماسية الأمريكية والغربية، ورعاية المخابرات المركزية المعارضة السورية. فرتبت له فضيحة أخلاقية ليجر إلى محكمة اوروبية ثم يسلم إلى محكمة أمريكية.

فهل وظف العرب إعلامهم في الدفاع عن قضاياهم الوطنية في ذلك الخضم المعادي؟ هل حصنوا المواطن في منطقة يجرفها الصراع العربي الإسرائيلي؟ أم كانت أموالهم في خدمة عدوهم وفكّ أزماته المالية، وسندت الصناعة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية؟ يوظف العرب اليوم إعلامهم في المشروع الأمريكي الإسرائيلي. كأنهم لايحيطون بهول ذلك المشروع الذي يفتت حتى الخليج العربي وشمال إفريقية. لايتعلمون من مثال فريد استنهض فيه الإعلام روح المواطنين العرب. هو مثال المقاومة اللبنانية التي أجادت توظيف إعلامها بدقة في الصراع المركزي. فواكب العمل الميداني خلال العدوان على لبنان في تموز 2006، صوّر حرائق الميركافا، ورصد إصابة ساعر في اللحظة نفسها، وبث خطابات السيد حسن نصر الله في الوقت المناسب، ومنها رسالته المؤثرة إلى المقاومين. وكشف أثر الهزيمة في البنية الإسرائيلية. ثم تابع التجسس على لبنان وأمسك بالصور أدلة الاتهام على جريمة قتل الحريري، ورفع الإعلام إلى مستوى قراءة الحقائق السرية وتصوير الفساد في المحكمة الدولية فقدم بخطاب السيد حسن نصر الله دراسة إعلامية مسنودة بالصور. في السياق نفسه رصد المراسلون العدوان على غزة، وصوروا سحق سيارات الإسعاف بالدبابات، وقتل أسر كاملة، وكشفوا وعي الأطفال المؤلم. وشاركهم المتطوعون الغربيون بالصور والمقالات التي أرسلوها إلى إعلام بلادهم، ومنهم فيتوريو أريغوني الذي اغتيل فيما بعد جزاء ماقدمه من خدمات إنسانية للشعب الفلسطيني، وكانت كلماته شعارا في مظاهرات التضامن الايطالية.

نحن إذن وسط صراع تسدد فيه الصورة والخبر بدقة تسديد الرصاص والصاروخ لتنفيذ مشروع سياسي. وتستخدم المهارة التقنية في الصياغة والتوجيه والايحاء. وقد ثبّتت تقريبا بالتكرار والتزوير أن الجيش السوري نزل ضد المتظاهرين العزل، لاضد عصابات مسلحة. وسلخت الأحداث عن مهمتها في صياغة خريطة جديدة لمنطقة مهمة فيها ثروات ستراتيجية تسود فيها إسرائيل. واتصالها من جهة برغبة في تصحيح الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية ونتائج نهج الليبيرالية الجديدة على البنية الاجتماعية والأخلاقية السورية، ومن جهة أخرى بمخطط خارجي.

لو أردنا محاسبة الأمس لقلنا عجز الإعلام السوري عن رصد مقدمات الأحداث والتربة التي هيأتها. وعجز عن مواكبتها وعن مواجهة الإعلام المعادي. لم يلمح الإعلام، قبل الأحداث، الأشخاص القادرين على القتل، الذين أفاد منهم المشروع الخارجي، ولم يكشف تسرب السلاح والمخدرات. بالرغم من دور الإعلام المفترض في الرصد! ولم ينبه إلى حصاد الليبيرالية الجديدة التي كسرت الطبقة الوسطى، وإلى خطر فصل السياسة عن الثقافة واستبعاد وظيفة الإعلام الثقافية، وانحطاط مسلسلات التهريج التي تحاكي المنتجات الخليجية، والانفصام بين البرامج وبين التوجه السياسي الوطني.

لكننا نلتفت إلى هذه اللحظة، وفي هذه اللحظة نحن في منعطف. فتغيير القوانين يعني تغيير الاتجاه، ويؤسس عليه نتائج روحية وفكرية في حياة الناس العملية وعاداتهم. سيشعر أشخاص بأنهم ضيعوا سلطتهم المادية والمعنوية. وقد يستبعد الثأر وتصفية الحسابات أشخاصا ذوي كفاءة، وسيتقدم آخرون باسم الإصلاح والتجديد ولو لم يؤهلوا بخبرة. التغيير ليس احتفالا بسيطا، بل هو اجتياز أزمة. وفيه أوجاع، وقد يكون فيه انفلات. ويمكن أن نواجه فيه باسم الحرية، التفكيك باسم الحقوق القومية، وتقليص دور الدولة الذي تطلبه الليبيرالية الجديدة، والخلل بين القطاع العام والخاص في الإعلام أيضا. مثلا قد تطلب الإذاعات الخاصة البث بلغات الأقليات. وقد يوهم الحرص على حصانة الإعلامي بأنه فوق القوانين والمجتمع لافي خدمته. وقد تدفع الرغبة في توسيع مشاركة القطاع الخاص في ممارسة الإعلام إلى تخفيض الشروط التي يجب أن تتوفر في من يؤسس محطة أو موقعا أو صحيفة أو وكالة أنباء. وقد تبدو التجارب الموجعة التي عانى منها الإعلاميون الموهوبون مسوغا لإضعاف الضوابط والمعايير التي لابد منها لحماية المجتمع. وقد يبدو أن الحرية تعني إلغاء احترام المعتقدات والأديان السماوية والمثل الأخلاقية، أو محطات للدعوات الدينية والحزبية. وسنواجه مسألة مصير الصحف التي تموّلها الدولة والسؤال: هل سيستمر الإنفاق عليها من المال العام بالرغم من خسائرها في التوزيع؟ إذن، ستواجه العلاقات المؤسسة على البنية القديمة مسائل جديدة ذات نتائج إنسانية.

اعتمد قانون الإعلام الجديد مجموعة من المواد. منها حق الصحفي في الوصول إلى المعلومات. وهو حق مهم يتيح رقابة الإعلام على المؤسسات، ويكشف للمواطن كيف تنفق المال العام، وقد يحصّنها بتلك المراقبة من الفساد. واعتمد إلغاء حبس الإعلامي، وإحالة المخالف إلى محكمة تختص بقضايا النشر. لذلك يبدو لنا أن المعايير المهنية والوطنية ضرورة للإعلاميين كي يكونوا في مستوى مهماتهم في الظروف الجديدة. ولابد من تأكيد تلازم الحرية والمسؤولية كي يبقى الإعلام في مشروعه الوطني والمعرفي، ملازما مصلحة المجتمع. ويقع في هذا الالتزام احترام الهوية الوطنية والثقافة الوطنية، وتحصين جيل الشباب روحيا وأخلاقيا لأنه سينضج في مرحلة سيكون فيها الفضاء مفتوحا للمواقع الإلكترونية والمحطات التلفزيونية الخاصة والصحف الخاصة، وأثرها أكبر من أثر الأحزاب المتنوعة. ولأن الإعلام لن يعبر عن اتجاه فكري وسياسي واحد، بل عن مصالح خاصة وعامة، وعن منظومات فكرية متنوعة. انتهى زمن الإعلامي الموظف. ولن يكون عمله أن يبلّغ الناس ماتريده حكومة أو حزب. بل سيكون عمله في رحابة القضايا العامة وسط منافسة إعلامية. سنواجه غياب المؤهلين لملء هذا الفضاء الواسع. وسنواجه مخاطر مصطلح sponserd الذي يتيح للقطاع الخاص تمويل مشاريع أو مؤسسات إعلامية وثقافية. لابد، إذن، من ثوابت المسؤولية والمحاسبة وضبط المخالفات. فالتعبير الثقافي والإعلامي يؤدي محتوى فكريا لايمكن عزله عن مشروعه. سيباح عمل المال الخاص في القطاع الإعلامي المقروء والبصري والسمعي والإلكتروني وتأسيس وكالات الأنباء. أي في القطاع الذي يصوغ الرأي العام والأفكار والبنية الروحية. لذلك نرى:

1 - أن التخطيط الثقافي والإعلامي، المؤسس على فهم موقع سورية في الصراع العربي الصهيوني ومسؤولياتها القومية، يمكن أن يفيد من حيوية القطاع الخاص في مشروع وطني يمنع الانحطاط إلى التسلية السوقية، ويثبت الضوابط القومية والوطنية.

2 - أن حماية المجتمع من تدفق الدعايات والسلع الثقافية الاستهلاكية، تفترض تأكيد أن وظيفة الإعلام ثقافية وتربوية ومعرفية. ويشترط هذا أن يكون مستواه المهني في مستوى وظيفته. ويعني ذلك أن يكون الإعلامي مؤهلا بثقافة عامة واسعة، ويجيد لغته العربية، ولغة أجنبية. وأن يتميز بالنزاهة والاستقامة. وأن تؤمن له دورات تدريبية سنوية. 

3 – يفترض الانتباه إلى أن السوق التجارية الإعلامية لا تلبي فقط حاجة مركز مالي أو شريحة اجتماعية معينة، بل تنمّيها وتوجّهها. ويفيدنا أن نتذكر أن الباحثين لاحظوا أن صحافة الفضائح ذات ثمار سياسية، فصحافة التوافه فكّكت المجتمع الفرنسي عشية الحرب العالمية الثانية، وهيأت لهزيمته أمام النازية. تأسيسا على ذلك يشترط في الترخيص لوسائل الإعلام الخاصة، الالتزام بالثوابت القومية، وموقع سورية الخاص، وبالمستوى الثقافي الضروري الذي يحصن السوريين روحيا وأخلاقيا وفكريا.

 4 – نص القانون على الالتزام بالثوابت القومية والوطنية، واحترام الهوية الوطنية. لكن قانون "التواصل مع العموم على الشبكة" الذي صدر بمرسوم تشريعي في سنة 2011 هو الذي نص على "السعي للنهوض باللغة العربية" (المادة الخامسة). إلى ذلك لابد من تثبيت واجب الإعلام في نشر الوعي البيئي، ومعرفة التراث الوطني واحترامه، ونشر الوعي الصحي والتنبيه إلى خطر التجارة بالأعضاء البشرية، ونشر التهذيب الاجتماعي واحترام المرأة والطفل، وضرورة إلغاء مشاهد ضرب المرأة الذي أصبح مألوفا في المسلسلات السورية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.