تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الانترنت والجرائم الواقعة على السمعة في القانون السوري!!

 

 

ترافق التقدم العلمي الذي شهده العالم في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي،  تطورٌ في شتى المجالات، لكن الأبرز كان فيما لحق بوسائل الاتصالات وظهور الشبكة العنكبوتية للاتصالات والمعروفة بـ (الانترنت)، مما خلق ممارسات جديدة ومفاهيم وقيماً سلوكية مستحدثة بعضها سارٌّ ومفيد والآخر ضار ومؤذٍ، ناجم عن استخدام هذه التقنية التي فرضت نفسها علينا وتحولت إلى واقع يعيشه الأفراد، ونبحث عن الأسلوب الأمثل للتعامل معه.

ولقد بات القائمون على تطبيق القوانين الذين عُهد إليهم العمل على حماية العدالة في الأرض أمام مأزق حقيقي بين تطبيق النصوص العقابية القائمة, أو التدخل لسن تشريعات جديدة لمواجهة النقص التشريعي، أو الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا الفراغ التشريعي، وبذلك يتركون بلا عقاب أفعالاً إجرامية جديدة رغم خطورتها، أو أن يسمحوا للقضاء بأن يتدخل لسد هذا النقص بما ينطوي عليه ذلك من انتهاك لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

وفي ظل غياب نصٍّ تشريعي خاص بجرائم المعلوماتية لدينا في سورية، والوضع السياسي والأمني الذي تشهده البلاد بسبب الأزمة التي تمر بها، واعتقاد البعض أن حرية التعبير في الواقع الافتراضي يعني لها الإفلات من الضوابط والتحرر من الأنظمة، وبالتالي من العقاب في جرائم السب والتشهير واستخدام التعابير الطائفية والعنصرية والحض على إثارة النعرات المذهبية  وغيرها الكثير من الجرائم التي تؤذي المشاعر الوطنية والشخصية للأفراد والمجتمع عامة، وتعود عليه بالعواقب الوخيمة. وهذا الواقع الناشئ، يحتم على المشرّع العمل على تجريم هذه الأفعال وإصدار قانون عقوبات خاص بجرائم المعلوماتية بالنظر إلى الخطورة الإجرامية لدى مرتكب الجرم والكلفة الاقتصادية الهائلة لهذا النوع من الجرائم.

والحقيقة أن قانون الإعلام السوري، كان من أوائل القوانين الصادرة في سورية التي عالجت بعض صور هذه الأفعال، وتحديداً جرائم الذم والقذف أو ما يمكن أن يطلق عليه (جرائم النشر)؛ فلم تعد الانترنت ولا أي وسيلة أو أداة إعلامية بمنأى عن الخضوع لسلطانه وأوامره ونواهيه وملاحقة الخارجين على أحكامه، متى "قارب" الإعلامي إحدى الأفعال المنصوص عليها في قانون العقوبات أو في قانون الإعلام، عبر الانترنت، أو بإحدى الوسائل المنصوص عليها في المادة الأولى من قانون الإعلام (أي وسيلة مادية كانت أو غير مادية تنشر محتوى إعلامياً ليست له صفة المراسلات الشخصية وتشمل المطبوعات والوسائل الإعلامية الالكترونية).

وعرّف قانون الإعلام الشبكة بأنها: (منظمة للتواصل الالكتروني تسمح بتبادل المعلومات بين مرسل ومستقبل أو مجموعة من المستقبلين وفق إجراءات محددة ومن أمثلتها الانترنت أو الشبكة النقالة أو ما يشابهها).

من هنا نجد أن المشرّع عندما عرّف "الأدوات المعلوماتية" في العمل الإعلامي، ومنها الموقع الالكتروني، والوسيلة الإعلامية الالكترونية، ووسائل التواصل على الشبكة، وإنه بذلك حمى مكونات المجتمع من التعسف في استعمال هذه الوسائل الالكترونية، ومن الإفلات من العقاب عند اجتراح  جرم ما عبرها، وقد تجلى ذلك صراحة بما ورد في المادة /97/ والتي تنص على أنه:

(يعاقب بالحكم الوارد في قانون العقوبات كل من ارتكب فعل قدح أو ذم بواسطة وسيلة إعلامية على أن تكون الغرامة من مئتي ألف إلى مليون ليرة سورية(.

 وما ورد في المادة /99/ أيضاً: ((كل جريمة لم يرد عليها نص في هذا القانون(قانون الإعلام) يطبق قانون العقوبات والقوانين النافذة)).

وبعد سنّ هذه النصوص التشريعية، لم يعد ممكناً لأحد التذرع بقصور المواد السابقة على الإعلاميين فقط، أو من يحمل صفة الاحتراف بالعمل الإعلامي، بل وتشمل كل من يستخدم هذه الأدوات المعلوماتية في ارتكاب الجرم المنسوب إليه، وذلك بالاستناد إلى ما ورد بالمادة الأولى من قانون الإعلام عند تعريفها لصاحب الكلام بأنه:

(كل من يورد أو يدون محتوى أو مادة أو معلومة أو خبراً أو تحقيقاً أو ملاحظة أو تعليقاً في وسيلة إعلامية سواء أكان إعلامياً أم لا).

وبما جاء في المادة /23/ من المرسوم التشريعي رقم /17/ لعام 2012 المتضمن قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية والتي تنص:

(يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية كل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه حتى ولو كانت تلك المعلومات صحيحة). مع الإشارة إلى أن التعليمات التنفيذية لهذا المرسوم قد عمدت إلى شمول حماية الخصوصية حتى ولو كانت المعلومات المنشورة غير صحيحة، إذا كان نشرها قد تم من دون رضا الشخص المعني.

        وبناء على ما تقدّم، فإن الجرائم التي قد تقع باستخدام إحدى الوسائل الإعلامية الالكترونية ـ سواء  كانت الذم أو القدح أو نشر أخبار كاذبة أو نشر معلومات غير مسموح نشرها أو أي فعل يندرج في  المحظورات الواردة  في المادة /12/ من قانون الإعلام أو قانون العقوبات أو غيره من القوانين النافذة والمرعية الإجراء ـ يمكن أن تطبق عليها النصوص القائمة ويكون فاعلها تحت طائلة الملاحقة والعقاب متى توافرت الأركان المادية والمعنوية للجرم المنسوب إليه مهما كانت صفة مرتكب الفعل.

  وعلى الرغم من هذه النصوص وشموليتها لبعض أنواع الجرائم التي يمكن أن تطالها، إلا أن الحاجة إلى تدخل المشرّع لسن تشريع خاص بجرائم المعلوماتية والتشدد في العقوبة عليها بقصد حماية مصالح الأشخاص وحماية التكنولوجيا الحديثة من إساءة استخدامها، تنبع من الحرص على ألا يفلت مجرم من العقاب أولاً، ولتجنب التوسع في تفسير النصوص الجزائية ثانياً، لاسيما وأن القضاء لدينا ما يزال متأثراً بمفهوم "النشر والإعلام" المرتبط بفكرة "المطبوع"، وفقاً لما تكشف عنه الأحكام القضائية. فقد كان القضاء يمتنع عن تطبيق النصوص الخاصة بالصحف على المواقع الالكترونية بحجة التفسير الضيق للنصوص، وقرينة البراءة, ومبدأ الشك يفسر لمصلحة المتهم.

                                                                                        القانونية: أمل عبد الهادي مسعود

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.