تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

زياد غصن :هذه قصة المجلس الوطني للإعلام...هكذا خططنا لاستقلاليته وهكذا فعلت الحكومة!!

   

 

عندما حسمنا أمرنا في اللجنة، التي كلفت منتصف العام 2011 بوضع مشروع قانون جديد للإعلام، باتجاه تأسيس مجلس وطني للإعلام يتولى تنظيم ومتابعة والإشراف على قطاع الإعلام الوطني عوضاً عن السلطة التنفيذية كنا في مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية هي:

-         ضمان استقلالية عمل المجلس المقترح والحيلولة دون السماح لأي حكومة التدخل في عمله ومهامه، ولذلك عمدنا في اللجنة إلى توضيح مهامه وصلاحياته بشكل مفصل ودقيق وتحويله إلى مرجعية وحيدة في منح التراخيص اللازمة لعمل وسائل الإعلام المحلية والخدمات المرتبطة بها واعتماد مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية...الخ.

ورغم محاولات ربط المجلس المقترح برئاسة الوزراء أو بوزير الإعلام إلا أن أعضاء اللجنة رفضوا ذلك وأصروا على استقلاليته، ولذلك تواصل البعض مع وزير الإعلام آنذاك ومراكز أخرى في القرار السياسي للبلاد لشرح أهمية محافظة المجلس على استقلاليته وقد أفضت تلك الاتصالات إلى تأييد مقترح اللجنة باستقلالية المجلس، إنما جرى ربطه برئاسة مجلس الوزراء عندما صدر كقانون..!.

- العمل على اقتراح آلية جديدة لتعيين أعضاء المجلس تضمن وصول أصحاب الكفاءات والخبرات المهنية من جهة وتمنع تحكم أي حزب سياسي يفوز مستقبلاً بالانتخابات التشريعية من الاستحواذ على المجلس من جهة ثانية، وتضمنت الآلية ما يلي:

- يتألف المجلس من أحد عشر عضواً من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال الإعلام، يختارون على النحو الآتي:

1- ثلاثة بينهم رئيس المجلس، يختارهم رئيس الجمهورية.

2- أربعة ينتخبهم مجلس الشعب.

3- يختار أعضاء المجلس المعينين من رئيس الجمهورية والمنتخبين من مجلس الشعب، خلال شهر من تاريخ تسميتهم، أربعة أعضاء إضافيين، وذلك بأغلبية ثلثيهم.

ب- يسمى أعضاء المجلس بمرسوم لولاية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد لمرة تالية واحدة... لكن الحكومة أجرت تعديلاً جوهرياً على هذه الفقرة المقترحة أفقدها أهميتها وموضوعيتها، إذ تضمنت المادة المتعلقة بتسمية أعضاء المجلس الوطني للإعلام في مشروع القانون الجديد المعتمد من قبل الحكومة والقيادة القطرية والصادر لاحقاً بمرسوم تشريعي مايلي:

*‌ يتألف المجلس من تسعة أعضاء من بينهم رئيس المجلس ونائبه يختارون من ذوي الخبرة في مجال الإعلام والتواصل والفكر والثقافة والاختصاصات التقنية المرتبطة بمجال الإعلام على أن يكونوا جميعاً أشخاصاً طبيعيين من حملة الجنسية العربية السورية.

* يسمى رئيس وأعضاء المجلس بمرسوم تحدد فيه تعويضاتهم وذلك لولاية مدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة تالية واحدة...!!.

-محاولة تجنب تكرار تجارب بعض الدول في هذا المجال كلبنان مثلاً، التي يتمتع فيها المجلس الوطني للإعلام بمهام استشارية فقط ولقطاع إعلامي محدد هو الإعلام الاذاعي والتلفزيوني، ولذلك سعى أعضاء اللجنة وبعد الإطلاع على تجارب دولية كثيرة إلى تكريس صلاحيات تنفيذية واسعة للمجلس تشمل مختلف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة وجميع الخدمات والاستثمارات المرتبطة بها. وكان من الطبيعي ونحن نمنح المجلس الوطني كل الصلاحيات المناطة بوزارة الاعلام أن تثار تساؤلات عن مستقبل هذه الوزارة...

هنا اختلفت الآراء ووجهات النظر بين أعضاء اللجنة، فالبعض أيد وضع نص تشريعي في مشروع القانون المقترح يلغي وزارة الاعلام بالكامل والبعض الآخر اقترح تجاهل ذلك من منطلق أن إحداث أو إلغاء وزارة يبقى في النهاية قرار سياسي والأفضل ألا تثار هذه المسألة كي لا نخسر المشروع الأهم المتعلق بإحداث المجلس الوطني للإعلام وبالصلاحيات التي نتمناها، وهذا الرأي هو ما اعتمده أعضاء اللجنة بالإجماع لاحقاً.

ورغم كل التعديلات التي أدخلتها الحكومة والقيادة على مشروع قانون الإعلام وما تضمنه من مواد خاصة بالمجلس الوطني للإعلام، إلا أن أملنا بقي كبيراً أن تسهم الظروف السائدة آنذاك والداعمة للخطوات الإصلاحية في بلورة مجلس يكسب ثقة الوسط الإعلامي ويؤسس لواقع مهني جيد، لكن يبدو أن ما رسخته الإدارة السورية على مدى سنوات وعقود من معايير وأسس شخصية ضيقة وغير علمية لن يستقيم أو يلغى مع اختيار أعضاء المجلس الوطني للإعلام سواء في المرة الأولى وإن ضمت بعض الأسماء الإعلامية المعروفة مهنياً، أو في المرة الثانية وإن ضمت بعض الشخصيات الفكرية الملتزمة فكراً وسلوكاً، فالغاية كانت أن يتكون المجلس من شخصيات إعلامية مارست العمل الإعلامي لمدة 15 عاماً وعاشت صعوباته ومشاكله وعانت من ضغوطه، لا أن يتحول المجلس إلى "مكافأة نهاية خدمة"... ما حدث وما آل إليه المجلس الوطني للإعلام على أرض الواقع كنا نتوقعه خلال اجتماعات اللجنة سواء عبر تعليق ساخر لإبراهيم ياخور أو نقد لاذع لعلي جمالو أو ابتسامة لعبد الفتاح العوض تخفي خلفها الكثير أو نظرة لعبد السلام هيكل يتبعها بتوجس مريب أو بتوقعات متشائمة لثابت سالم مبنية على خبرته الطويلة في أروقة التلفزيون السوري....إنما الإصرار كان أن نقدم الأفضل مهنياً وبما يرضي ضميرنا ولنترك الحكومة لضميرها وجديتها في الإصلاح.

من المؤسف حقاً أن تفقد خطوة إصلاحية هامة زخمها وفعاليتها وهي لم تكمل بعد العامين من عمرها، وتتحول من جهة مستقلة يفترض أن تتحمل أعباء هائلة على الصعيد المهني الإعلامي وفي هذه المرحلة بالذات وتحظى بثقة الوسط الإعلامي ومصداقيته، إلى جهة تفقد ثقة الإعلاميين ويتم التعامل معها من قبل الدولة كأي مؤسسة أخرى تعمل في الميدان الخدمي أو في القطاع الاقتصادي يجب ألا "تغرد خارج سرب" الحكومة.

 

                                                                                                                 زياد غصن

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.