تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصر إلى أين بعد الإجراءات التقشفية

 عندما اتخذ الرئيس محمد أنور السادات قرارات إلغاء الدعم ورفع الأسعار، لم يشفع له أنه كان صاحب قرار العبور في حرب أكتوبر العام 1973، وقائد حرب تحرير سيناء، فانفجرت «انتفاضة الخبز» في 18 و19 كانون الثاني العام 1977 التي أجبرته على التراجع عن قراراته. هذا الدرس القاسي حفظه حسني مبارك لمدة ثلاثين عاماً بعد السادات ولم يقدم على إلغاء الدعم أو خفضه بنسب مؤثرة.

لكن السيسي في الشهر الأول من توليه الحكم بدا توجهه مختلفاً، فقد رفض الرئيس الجديد الموازنة التي أعدت قبل دخوله قصر الرئاسة، وطالب الحكومة بإجراءات تقشفية لخفض العجز، فجاءت النتائج فورية: خفض الدعم الموجه للطاقة بقيمة 44 مليار جنيه، وتدبير موارد جديدة بقيمة 15 مليار. اللافت أن الزيادات لم توزع بشكل عادل، فبينما ارتفع سعر الغاز الطبيعي لسيارات الأجرة بنسبة 175 في المئة، كانت نسبة زيادته للمصانع ما بين 30 و40 في المئة فقط. وبينما زاد سعر البنزين 80 الذي تستخدمه سيارات الأجرة بنسبة 75 في المئة، ارتفع سعر البنزين 95 بنسبة 40 في المئة فقط. استهدفت الزيادات استهلاك الفقراء بشكل أكبر، فيما عوضت الدولة المصانع التي تستخدم الغاز عن الزيادة بالسماح باستيراد الفحم. وكانت النتيجة المباشرة لهذه الزيادات ارتفاعاً عشوائياً في أسعار المواصلات في كل أنحاء مصر. أما النتيجة المتوقعة فهي ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات، سواء بسبب زيادة تكلفة النقل، أو بسبب زيادة تكلفة الإنتاج.

وعلى عكس «يناير 1977»، لم تنفجر انتفاضة شعبية بمجرد اتخاذ تلك الإجراءات الاقتصادية الجديدة، ومع ذلك، فقد شهدت القاهرة وعدد من المحافظات إضرابات ووقفات احتجاجية لسائقي الأجرة احتجاجا على رفع أسعار الوقود، وسط حالة عامة من السخط على القرارات التي جاءت في ظل أوضاع متدهورة بالفعل. ردود أفعال كهذه يمكن أن تمر دون خسائر كبيرة، ولكن الآثار التضخمية لتلك القرارات ما زالت في بدايتها، ومن المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار مختلف السلع والخدمات، وهو ما قد يستدعي ردود أفعال أكثر قوة من الشارع، الذي عقد آمالا عريضة على قدوم السيسي مخلصاً، ليس من «الإخوان» فحسب، وإنما أيضا من الفساد والفقر والبطالة.

ووفقاً لتقرير آخر في السفير، خالف الرئيس السيسي أول وعوده خلال الحملة الانتخابية، إذ اكد أنه لن يمس بدعم الطاقة قبل تحقيق الكفاء للمواطنين.  أمس الاول، خالف السيسي اول وعوده الانتخابية، فصادق على قرار برفع الدعم عن الوقود، وذلك تتويجاً لسلسلة قرارات تقشفية تطال فقراء مصر بالدرجة الاولى. وأفادت بعض وسائل الاعلام المصرية بأن مؤسسة الرئاسة تلقت تقارير من جهات امنية تؤكد ارتفاع وتيرة الغضب بين المواطنين بعد القرارات الأخيرة. وفي ما بدا محاولة لامتصاص موجة الغضب، توجه السيسي، امس، بخطاب إلى الشعب، هنأه فيه بذكرى «العاشر من رمضان»، يوم العبور في حرب اكتوبر العام 1973 (وفق التقويم الهجري)، وطالبهم بالصبر والتحمل، وعدم الغضب من القرارات الاقتصادية.

ورأت افتتاحية القدس العربي أنّ الاستمرار في هذه السياسة الاقتصادية التي تكيل بمكيالين، وتفتقد القدرة على توفير شبكة امان للفقراء حتى وان صدقت نواياها وهي تسعى الى الاصلاح، لا يمكن الا ان يولد طاقة متنامية من الغضب الشعبي التي قد تنفجر على هيئة «ثورة جياع» في وجه النظام في اي وقت، حتى اذا كان يظن انه يتمتع ببعض الشعبية حاليا. فهل سيدرك النظام قبل فوات الاوان انه يحتاج الى مراجعة سريعة لسياساته الاقتصادية انصافا للفقراء الذين كانوا دائما وقود كل الثورات والتحولات التاريخية في مصر؟

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.