تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العراق: استقلال كردستان: تحقيق لحلم تاريخي.. أم أداة للضغط؟

 يبدو أنّ إقليم كردستان في العراق بات أقرب من أي وقت مضى لتحقيق حلم الاستقلال. هذه حقيقة أنتجتها ثلاثية تؤلفها تراكمات العلاقات الشائكة بين بغداد واربيل، والواقع المستجد في البلاد لناحية إعادة رسم النفوذ السياسي في المناطق المتنازع عليها بين "العاصمتين" بعد هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش"، بالإضافة إلى السعي القديم لتحقيق حلم دولة كردستان.

ولم يشهد التاريخ الطويل للأكراد تأسيس أي دولة تجمعهم بالكامل، باستثناء "جمهورية مهاباد" التي أقيمت في شمال غرب إيران العام 1946 بقيادة قاضي محمد بدعم سوفياتي مباشر، وبمشاركة فعالة من قبل الأكراد العراقيين الذين قاد المئات منهم الزعيم الكردي التاريخي والد رئيس إقليم كردستان الحالي الملا مصطفى البرزاني، إلا أنها قمعت من قبل السلطات الإيرانية في حينه بعد عام من تأسيسها وتم إعدام قادتها.

وأفادت السفير في تقرير لها أنّ رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني خطا خطوة جديدة في اتجاه "الاستقلال" أمس، حين دعا البرلمان المحلي في الإقليم إلى "إجراء الاستعدادات للبدء بتنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير"، مؤكداً في الوقت ذاته السيطرة "النهائية" على الأراضي المتنازع عليها، أهمها كركوك، ومنبهاً الحكومة المركزية في بغداد إلى أنه "من الصعب جدا أن يعود الوضع إلى سابق عهده".

وبعد سلسلة من المواقف الأخيرة المؤكدة اقتراب موعد "تقرير المصير" في الإقليم، قال البرزاني في كلمة ألقاها في البرلمان المحلي في اربيل أمس، "اقترح عليكم الاستعجال في المصادقة على قانون تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لكردستان لأنّ هذه هي الخطوة الأولى، وثانيا إجراء الاستعدادات لبدء تنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير".

وأضاف البرزاني، الذي يسيطر على القرار السياسي إلى حد بعيد في الإقليم، انّ هذا الأمر "سيقوي موقفنا وسيكون بيدنا سلاحا قويا ويجب عليكم دراسة المسألة وكيفية إجراء هذا الاستفتاء". وتابع الزعيم الكردي: "حان الوقت كي نقرر مصيرنا بأنفسنا وألا ننتظر أحدا أن يقرر مصيرنا، وقد أثبتنا للجميع بأننا عامل خير ولم نهدد دول الجوار وسنساعد بكل قوة أخوتنا الشيعة والسنة لإخراج العراق من أزمته وهي أصلا أزمة سياسية لا عسكرية".

كما قال: "يجب أن نقرر مصيرنا بأنفسنا وأقولها بكل ثقة بأن لدينا أصدقاء، ويمكن أن تكون فيه (تقرير المصير) مجازفة، ولكن الأوضاع سانحة لنقول للعالم ماذا نريد ولا احد يستطيع أن يعاتبنا"، معتبرا انه "للأسف بعد مرور عشرة أعوام من الانتظار، الوضع يتجه يوما بعد يوم نحو الأسوأ" في العراق بشكل عام.

وبرغم رفض رئيس الوزراء نوري المالكي أمس الأول هذه التصريحات وتأكيده على أنّ المادة لم تنجز بعد، قال البرزاني في خطابه أمس "حاليا المادة 140 قطعت شوطا كبيرا وأنجزت ولم يبق سوى أن يقرر سكان هذه المناطق مصيرهم ولهذا فإنّ البرلمان يجب أن يدرس كيفية اتخاذ هذه الخطوة وإجراء الاستفتاء هنا". وتابع متوجها إلى الحكومة المركزية في بغداد بالقول إنّ "الذين يقولون إنهم سيعودون إلى هذه المناطق أنا أقول لهم بأنهم على خطأ لأن البشمركة لن تنسحب منها بأي حال من الأحوال".

وأوضحت السفير أنه في ظل الصراع في سوريا الذي مكّن الأحزاب الكردية من توسيع نفوذها السياسي فوق مساحات جغرافية في شمال البلاد، يرى مراقبون أن تركيا وإيران هما أكبر المتضررين من تشكيل دولة كردية مستقلة في شمال العراق، نظرا إلى وجود نسبة كبيرة من الأكراد في كل من الدولتين، الأمر الذي قد يؤدي إلى دعوات مشابهة من قبلهم. وقد صب الكلام الرسمي لكلتا الدولتين في هذا الاتجاه خلال الأيام الماضية.

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في "جامعة بغداد" إحسان الشمري، في حديث إلى "السفير"، أنّ قضية إعلان دولة كردية لا تعدو أن تكون "أكثر من حلم" لازم رئيس الإقليم مسعود البرزاني ووالده الملا مصطفى البرزاني وعائلته، معتبراً أنّ البرزاني "يحاول أن يحقق (الاستقلال) الآن، إلا أنني اعتقد باستحالة ذلك... أعتقد أنّ هذا الموضوع سيبقى حلما لأنه يصطدم بمعارضة دولية". ويعتبر الشمري أنّ تلك الخطوات تقع في خانة "الضغوط" تجاه بغداد و"الأحلام" لا أكثر، ختمت السفير.

وصدّرت صحيفة الأخبار صفحتها الأولى بالقول: شيطان التقسيم.. البرزاني يطلق مسار الانفصال: إلى الاستفتاء. ووفقاً للصحيفة، بدا واضحاً أمس أن مسعود البرزاني ماض في توجهه الانفصالي عن بغداد، بدعم دولي معلن وضمني، بل إنه يستعجل الخطوات، مستغلاً الأزمة الأمنية التي تعانيها حكومة بغداد لإجراء استفتاء يطلق مسار الانشقاق عن الدولة المركزية. إنه شيطان التقسيم، ذاك الذي أطلقه مسعود البرزاني من تحت قبة البرلمان الكردي. شيطان، سينهي العراق الذي نعرفه اليوم، لا شك في أن عدواه ستصيب المنطقة كلها. الأنكى أن الزعيم الكردي المعروف بارتباطاته الإسرائيلية، بدليل شحنات النفط العراقي، الذي يُنقل من كردستان عبر تركيا إلى الدولة العبرية، مصرّ على التقسيم الآن، مستغلاً الأزمة الأمنية التي تعصف بالبلاد، على أن تبدأ العملية بإنشاء مفوضية انتخابات خاصة «تتولى إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها». ولفتت الأخبار إلى أنّ الرد الأميركي جاء سريعاً على لسان المتحدث باسم البيت الابيض الذي قال «الواقع هو أننا لا نزال نعتقد بأن العراق أقوى إذا كان متحداً».

ووصف رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي تصريحات البرزاني بأنها «مستفزة»، مضيفاً أن الدعوات إلى الانفصال نتجت عمّا وصفه بسياسات التهميش التي عانتها بعض مكونات المجتمع العراقي، مؤكدا أن نوري المالكي «أصبح من الماضي»، ومشيراً إلى أنه تلقى تأكيداً من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بـ «ضرورة التغيير» في البلاد. وأعلن النجيفي انسحابه من الترشح لرئاسة البرلمان الجديد، وذلك «لإنقاذ العملية السياسية التي تمر بمرحلة حرجة حالياً». وقال إن «الهدف المعلن من قرار الانسحاب هو خدمة أهلنا الذين عانوا الإقصاء والتهميش وعدم التوازن». وأعرب عن استغرابه لربط المالكي سحب ترشحه لرئاسة الوزراء بسحب النجيفي ترشحه لرئاسة مجلس النواب. «وتابع قراري جاء تماشياً مع طلبات أعضاء التحالف الوطني بالتنازل عن الترشح ليتنازل المالكي عن الولاية الثالثة».

لكنّ ردّ ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي جاء مغايراً، حيث رأى أن إعلان الدولة الكردية شأن كردي. وقال القيادي في الائتلاف، محمود المشهداني، إن «الدولة الكردية شأن كردي أولاً، ويجب أن يكون هناك توافق دولي عليها»، مضيفاً أن «الدستور العراقي يشير إلى أن العراق بلد اتحادي فدرالي، وعندما نستطيع أن نعدّل الدستور، ستكون لنا وجهة نظر في المواد المعدلة، ومنها إعلان الدولة الكردية».

 من جانب آخر، أعلن قائد الجيوش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، أمس، أن القوات العراقية عززت دفاعاتها في محيط بغداد، لكنها ستكون بحاجة على الأرجح إلى مساعدة خارجية من أجل استعادة الاراضي التي سيطر عليها مقاتلو «دولة الخلافة الاسلامية» السنة. وقال ديمبسي إن الانطباع الأول للمستشارين العسكريين الأميركيين على الأرض هو أن القوات العراقية ليست بعد في موقع يتيح لها شن هجوم مضاد واسع النطاق. وعما اذا كانت القوات العراقية قادرة على استعادة الاراضي التي خسرتها، أوضح ديمبسي «ليس وحدهم على الارجح»، مضيفاً أن وضع القوات العراقية هذا لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ستضطر إلى التدخل عسكرياً.

من جهة أخرى، نشرت السعودية على حدودها الشمالية مع العراق30 ألف جندي. ورداً على تلك الادعاءات بانسحاب القوات العراقية عن الحدود مع السعودية، نفى المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، الفريق قاسم عطا، أمس، الأنباء التي تحدثت عن انسحاب قوات حرس الحدود العراقية من مواقعها، عادّاً إياها «أنباء كاذبة».

واعتبر ناهض حتر في الأخبار، أنّه بالنسبة إلى سورية، حيث توجد ـ برغم عيوبها العديدة ـ دولة وطنية وجيش وطني متماسك وقوي، فإن الصراع بين «الخلافة» من جهة، و«النصرة» والتنظيمات الطائفية الأخرى، من جهة أخرى، سوف يسهّل لدمشق معاركها الأخيرة مع الإرهاب كله، لكن بالنسبة إلى دولة المحاصصة الطائفية العراقية، فإن الأمر مختلف نوعياً. بطبيعة الحال، لا حل، جذرياً، للأزمة العراقية، إلا بالخروج من العملية السياسية الطائفية نحو دولة وطنية جديدة، ولكن التطورات تفسح في المجال أمام حكومة نوري المالكي لاتباع سياسات حصيفة تنهي الحرب القائمة، وتحوّلها إلى محاصرة شاملة وحصرية لـ«داعش»؛ يتطلب ذلك إجراءات وخطاباً سياسياً جديداً. العفو العام خطوة صغيرة في الاتجاه المطلوب؛ ولكن، ربّما حان الوقت لدفن القانون الانتقامي الطائفي المعيب المدمر القاضي بـ«اجتثاث البعث» بمختلف تسمياته؛ يستطيع المالكي تجميد القانون فوراً ومن طرف واحد، والتعهد بإلغائه في البرلمان، والإفراج عن المعتقلين، ودعوة البعثيين وقيادات الفصائل غير التكفيرية والعشائر من المناطق السنية، للبحث في إنهاء العمليات العسكرية، وتوجيه كل البنادق نحو «داعش»، ولاحقاً نحو العدوان الكردي ـ الصهيوني على كركوك، وإعادة تأسيس هوية جامعة لعراق موحد؛ عراقوية ـ مشرقية عروبية.

وأبرزت الحياة: بارزاني يسرع خطوات الاستقلال. واعتبرت أنّ مسعود بارزاني خطا خطوة عملية أخرى في اتجاه الانفصال عن العراق، عندما طالب برلمان الإقليم أمس بتحديد موعد للاستفتاء على الاستقلال، وقال مطمئناً النواب إن دعوته «تلقى تأييداً دولياً. والدول التي لا تؤيدنا لا تعارضنا». على المستوى العملي فإن بارزاني منح قرار الاستقلال بعداً اكثر شمولية عندما حوله الى البرلمان، فضمن المزيد من الوقت في انتظار تسويات سياسية في بغداد، قد تؤجل المسألة الى مرحلة مقبلة.

أما في الرأي الأردنية، فاعتبر محمد خروب أنّ المشهد العراقي بات «المُقرّر» في مستقبل المنطقة، بعد أن كادت الازمة السورية تطيح بمعادلات وتحالفات ظن كثيرون انها مرشحة للبقاء، فإذا بأحداث العراق الدراماتيكية تأخذ الجميع على حين غرة، وتضعهم امام اختبار غير مسبوق، أعاد في بعض تجلياته «المخاوف» ليس فقط تسريع نهاية خرائط سايكس بيكو، بل وايضاً في الطمس على هوية المنطقة العربية التي ظلت خشبة خلاص الأمة رغم ما لحق بها من محن وما تعرضت من حروب وغزوات واستعمار خصوصاً قيام اسرائيل على ارض فلسطين... هو العراق أمامكم، والعراق نفسه من ورائكم، وليس من طريق او وسيلة لتفادي الحريق العراقي الذي يبدو انه اخطر بكثير مما شكلته الازمة السورية ذات يوم وبخاصة بعد انهيار مشروع إسقاط سوريا واضطرار اللاعبين والمشغلين والممولين الى نقل «الحرب» الى بلاد الرافدين.. ويبدو انهم اصابوا بعض النجاح، لكن.. الى متى؟... الاجابة رهن بمن تسألون.

ورأت افتتاحية الوطن السعودية أنّ المجال فُتح في العراق لكل من يسعى للاستقواء العالمي بعد تجربة سورية، أمر يستدعي التوقف كثيرا. في سورية التجربة مقاربة بشكل كبير لما يحدث في العراق. النظامان فتحا البلاد ـ سورية والعراق ـ للقوى الصاعدة دوليا، أو حتى الدول الأقل من ذلك، روسيا وطهران الشاهد الأبرز على هذه الحالة... حشد الدعم الدولي المتمثل في وقوف طهران وبكل قوة وراء النظامين، ومن ثم دخول روسيا على الخط، في نهاية المطاف يخدم رؤية نظام نوري المالكي في وأد الثورة، أو على الأقل "تغييبها" وحرف مسار ما يحدث في أرض الرافدين. الانسياق وراء رواية بغداد ضرب من الخيال، لا يستدعي فقط وعيا من منظور عسكري، بل أكثر من ذلك، إعلاميا واجتماعيا، بل وحتى إنسانيا.

واعتبرت افتتاحية الوطن العمانية أنّ ما يعلنه الساسة الغربيون المتلطخة أيديهم بدماء الشعوب العربية من تحذيرات من احتمالات حدوث هجمات إرهابية في بلدانهم، لسنا مجبرين على القطع بصحته، كما أنه وبغض النظر عن صحته من عدمه، شأن يخص الدول الغربية المعلنة، وموجَّه بالدرجة الأولى إلى شعوبها لأسباب ترجع إلى سياسة ساستها إما لتغطية أدوارهم في دعم الإرهاب أو لتمرير مزيد من الدعم المالي وصفقات السلاح للعصابات الإرهابية.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.