تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التأصيل القانوني في حديث الرئيس الأسد لـ"فورن أفيرز"..!!

مصدر الصورة
SNS


يكتسب الحديث الذي أدلى به الرئيس بشار الأسد إلى مجلة "فورن أفيرز" قبل أيام، أهمية خاصة من الناحية الدستورية والقانونية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سورية، بالنظر لما تضمنه من مدلولات أصيلة وعميقة في الفكر السياسي والقانوني. ومحاولة تبيان أسس تلك الرؤية العلمية والفقهية التي ارتكز عليها قد يبدو غريباً بعض الشيء على القراء, لكن خصوصية صاحب الرأي ومكانته والظرف الذي نمر به تحتم علينا الوقوف أمام ما أدلى به من مواقف وتسليط الضوء عليها  للوصول إلى الفهم الدقيق لآلية عمل الدولة السورية ومؤسساتها وطريقة تعاملها مع الواقع الحالي ونظرتها للمستقبل.

فالرئيس الأسد يرى أن إرادة العيش المشترك لدى الشعب السوري هي الكفيلة بالمحافظة على وحدة سورية أرضاً وشعباً ومؤسسات، وتلك الرؤية هي من النظريات الثابتة التي أجمع عليها فقهاء القانون الدستوري وعلماء السياسة عند تحديد مفهوم الدولة وأركانها والمعروفة بنظرية "إرادة العيش الجماعي"، حيث يرى أغلب رجال الفكر السياسي والقانوني في فرنسا بأن الأمم تتكون تحت تأثير عوامل وعناصر مختلفة وترفض وجود العوامل الحاسمة كما هو الحال في المفهوم الألماني المرتكز على عامل العرق لوحده،  فلا يمكن إغفال أهمية العوامل الروحية من الذكريات والتراث المشترك واتحاد الحاجات والآمال (المصالح الفكرية والمادية).

ويرى المفكر أرنست رينان بأن الأمة هي نتاج التاريخ؛ فالأمة تقوم بذلك على شعور يتصل بأعمق جذور كيان الأفراد، شعور بالوحدة يكوّن لدى هؤلاء إرادة الحياة المشتركة، وهذا العامل النفسي يفترض الإيمان بوحدة المصير، يعززه عامل محسوس آخر هو وحدة اللغة. ووحدة اللغة دليل على قرون من الحياة المشتركة حيث تتجلى قوة الرابطة في وطنية الأفراد واستعدادهم للبذل والتضحية بذاتهم في سبيل ما يعتقدون أنه المستقبل المشترك الأفضل؛ أي أنهم يُؤثرون سلامة الجماعة على إشباع أنانيتهم الخاصة، وهو ما عناه الرئيس بشار الأسد بقوله: "الشعب السوري لايزال مع وحدة سورية ولايزال يدعم الحكومة... بصرف النظر عما إذا كانوا يدعمونها سياسياً أم لا... إنهم يدعمون الدولة كممثل لوحدة  سورية".

 وعند فقهاء القانون الدستوري، فإن كل أمة ولو لم تكن دولة، تنزع إلى الانتظام في أهاب الدولة، والرابطة السياسية هي أمتن الروابط في الجماعة وأقربها إلى الكمال، لذلك كان من الطبيعي أن ينزع الشعب السوري إلى دعم الحكومة لأن كل شعب أو أمة تسعى إلى أن تُكوّن لنفسها وحدة سياسية، أي تطمح أن تقيم لنفسها تنظيماً قانونياً يتفق وظروف حياتها ويحقق تطلعاتها.

ونتيجة لهذا الإيمان من قبل الرئيس السوري بالشعب وخياراته الصائبة والمسؤولة، فقد أكد على أن أي نتيجة يصل لها الحوار بين القوى السياسية السورية، لا بد من أن تُعرض على الاستفتاء الشعبي. وهذا الأمر يعتبر في فقه القانون الدستوري التطبيق الكامل والمنطقي للديمقراطية، والتي تعني حكم الشعب من قبل الشعب ومن أجل الشعب، بدون وسيط من نواب أو أحزاب. والرئيس في هذا الأمر يستخدم حقاً خوله إياه الدستور السوري في المادة 116، منه والتي تنص على: "لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة له ونافذة من تاريخ إعلانها وينشرها رئيس الجمهورية".  لذلك يمكن القول أن سعي الرئيس الأسد إلى إشراك الشعب في تقرير مصيره وتحمله المسؤولية مباشرة سوف يرتقي بالحياة السياسية إلى مستوى كبير في سورية الغد، ويقطع على  المتآمرين وأدواتهم  كل أمل في تحقيق ما يصبون إليه من السيطرة على مستقبل هذا البلد وقراره المستقل. 

وأخيراً، فإن ثمة نقطة غاية في الأهمية جاءت في حديث الرئيس الأسد وتتعلق بالتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، لاسيما "التعاون القانوني"، وذلك في معرض الإشارة إلى عدم احترام الولايات المتحدة الأمريكية للمواثيق والقرارات الدولية، وعدم احترام سيادة الدول والعدوان عليها.

وفي المقابل، فإن استعداد سورية للتعاون مع المجتمع الدولي في حربها ضد الإرهاب، ودعوتها لذلك منذ ثلاثين عاماً، إنما يحمل في طياته احترام قرارات الشرعية الدولية بهذا الشأن، انطلاقاً من كون سورية دولة عضواً مؤسساً في الأمم المتحدة تؤمن بالأهداف التي قامت لأجلها تلك المنظمة وليس من قبيل التوسل والاستجداء.

وما الإشارة إلى عجز الولايات المتحدة وفشل قواتها الجوية عن تحقيق انجاز ملموس على الأرض في محاربة داعش، إلا نتيجة طبيعية لتلك السياسية الخرقاء التي لا تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها، وقد عبر عن ذلك بالقول: "الولايات المتحدة هي من تسببت في جميع هذه المشاكل وكانت أول من داس القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن وليس نحن".  من هنا كان حديث الرئيس الأسد ورسالته للإدارة الأمريكية بالسعي لخدمة مصالح شعبها، وليس خدمة الإرهابيين وخلق الحروب والمشاكل.. ثم البحث عن حل لها بعد ذلك. وما الإشارة إلى قدرة الولايات المتحدة كقوة عظمى قادرة على نشر المعرفة والتكنولوجيا ونشر السلام وليس الحروب، إلا دعوة من القيادة السورية للإدارة الأمريكية لاستخدام هذه المعرفة والقدرة بالشكل الأمثل والصحيح والإيجابي والابتعاد عن الاستغراق في الوهم والافتراض والسلبية. 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.