تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

دي مستورا.. ومخاطر المناطق "المجمدة" !!دراسة قانونية لأبعاد إنشاء مناطق آمنة في سورية:


12/11/2014


تناقلت وسائل الإعلام عن الموفد الدولي اقتراحه على مجلس الأمن الشهر الفائت إنشاء مناطق مجمدة في سورية خالية من السلاح، توقف فيها جميع العمليات العسكرية بحيث توفر للسكان المدنيين منطقة آمنة بعيدة عن أهوال الحرب وقسوتها، واقترح أن تكون مدينة حلب باكورة هذه المبادرة وذلك تمهيداً للحل السياسي في سورية. وتساءل البعض عن دلالات هذا المصطلح واعتبره البعض الآخر ومن قبيل الاستغراب أنه اختراع خاص بالموفد الدولي غير مسبوق في تاريخ القانون الدولي وسبل حل النزاعات المسلحة.

لكن في الحقيقة فإن مصطلح المناطق المجمدة ليس جديداً في قاموس القانون الدولي وإنما هو تعبير مرادف لمصطلح المناطق منزوعة السلاح أو الآمنة، أو كما يسميها بروتوكول جنيف لعام 1977 في الفصل الخامس من الملحق الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف (مواقع ومناطق ذات حماية خاصة)، وتحديداً ما ورد في المادة 60 منه؛ حيث يحظر على أطراف النزاع مد عملياتهم العسكرية إلى مناطق تكون قد اتفق على إسباغ وضع المنطقة منزوعة السلاح عليها، إذا كان هذا المد منافياً لأحكام هذا الاتفاق. وبموجب الفقرة الثانية من المادة المذكورة يكون هذا الاتفاق صريحاً، ويجوز عقده شفاهة أو كتابة، مباشرة أو عن طريق دولة حامية أو أية منظمة إنسانية محايدة. ويجوز أن يكون على شكل بلاغات متبادلة ومتوافقة، ويجوز عقد الاتفاق في زمن السلم كما يجوز عقده بعد نشوب الأعمال العدائية. ويجب أن يحدد ويبيّن بالدقة الممكنة، حدود المنطقة منزوعة السلاح وأن ينص على وسائل الإشراف، إذا لزم الأمر. ويكون محل هذا الاتفاق عادة أي منطقة تفي بالشروط التالية:

 

1-  أن يتم إجلاء جميع المقاتلين وكذلك الأسلحة المتحركة والمعدات العسكرية المتحركة عنها.

2-  ألا تستخدم المنشآت والمؤسسات العسكرية الثابتة استخداماً عدائياً.

3-  ألا ترتكب أية أعمال عدائية من قبل السلطات أو السكان.

4-  أن يتوقف أي نشاط يتصل بالمجهود الحربي.

 

وكانت اتفاقية جنيف المبرمة في 22/ 8 / 1949 في المادة 14 وما بعدها قد أشارت إلى تلك المناطق في الفصل الخاص بحماية المدنيين من خلال اتفاق طرفي الحرب على إنشاء "مناطق محايدة" تأوي كل الأشخاص المدنيين الذين لا يساهمون في أعمال القتال، أو في أي عمليات لها صفة عسكرية، ويُخطر كل من طرفي الحرب الطرف الآخر بمواقع المناطق الخاصة به ليتمكن من مراعاة عدم إصابتها من جراء العمليات العسكرية.

وبالتالي فإن المبادرة من حيث ظاهرها نبيلة وإنسانية تهدف إلى حماية المدنيين من أهوال الحرب المباشرة.  لكن التدقيق والبحث في نتائجها وأبعادها القانونية شيء آخر؛

فهي ترمي فيما ترمي إلى الاعتراف بالفصائل المسلحة من قبل الدولة السورية واسباغ صفة المحاربين عليهم.

وحسب المادة 60 من الملحق الإضافي يكون الاتفاق على إنشاء مناطق ذات حماية خاصة بين طرفين سواء شفاهة أو كتابة أو عبر منظمة إنسانية محايدة (منظمة الأمم المتحدة). ويكون على شكل بلاغات متبادلة ومتوافقة. وهذا الاجراء هو الإقرار والاعتراف بوجود ظاهرة جديدة أو واقع (دولة أو جماعة أو تنظيم) يحمل مقومات أو عناصر معينة، تكون قادرة على حفظ السلام وتوفير الاستقرار والوفاء بالالتزامات والتعهدات المطلوبة منها، مما يعني أنها أهل للتمتع بالشخصية القانونية ودخول المحافل الدولية. وهذه نقطة الانطلاق في ميدان العلاقات الحرة بين الدول من خلال إقامة علاقات دبلوماسية معها. وفي خطة دي مستورا وحسب ما هو معلن يكون الائتلاف وفصائله هو الشخص المناسب لذلك.

فالغرب الذي عجز عن الحصول على اعتراف رسمي وقانوني بالائتلاف على الرغم من الدعم غير المحدود، بقي هذا الإئتلاف بدون أي شخصية قانونية معترف بها تؤهله للحضور في المحافل الدولية بصفة رسمية. وإن قبول الدولة السورية إبرام اتفاق مع مقاتلين ـ سيطلب منهم مشغلوهم لاحقاً الالتزام وإعلان الولاء للائتلاف ـ سيكون بمثابة اعتراف ضمني بالتعامل مع هذا الإئتلاف والقبول به. وهو اعتراف منتج للآثار القانونية بحسب ما جاء في تعريف مجمع القانون الدولي لمفهوم الاعتراف: "بأنه التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود جماعة بشرية فوق إقليم تتمتع بتنظيم سياسي واستقلال كامل وتقدر على الوفاء بالتزامات القانون الدولي". 

وهذا الاعتراف لا يخضع لأي قاعدة شكلية، فقد يكون صريحاً أو ضمنياً. وإذا كانت هذه التفرقة بين الاعترافين لها وزنها في المجال الدبلوماسي، فإنه لا أثر لها في المحيط القانوني ولا يتبعها أي تغيير في مبدأ الاعتراف في ذاته. بمعنى أن الاعتراف سواء وصِف بأنه اعتراف بالواقع أو اعتراف قانوني فإنه يترتب عليه نفس الآثار. وكان مجمع القانون الدولي في اجتماعه في نيوساتل سنة 1900 قرر في لائحة وضعها عن حقوق وواجبات الدول الأجنبية إزاء الحركات الانفصالية وما على هذه الدول مراعاته في هذا المجال، حيث جاء في المادة الثامنة من اللائحة المذكورة أنه: ليس للدول الأجنبية أن تعترف للجماعات الثائرة بصفة المحاربين إذا لم يكن لها كيان إقليمي بأن يكون في حوزتها جزء محدد من الإقليم الأصلي، وإذا لم تتوافر لديها عناصر الحكومة النظامية التي تُمارِس بالفعل على هذا الجزء من الإقليم مظاهر السيادة، وإذا لم يكن النضال باسمها بواسطة قوات منظمة خاضعة للنظام العسكري وتتبع قوانين وعادات الحرب.

ومن الأمثلة على ذلك اعتراف بريطانية وفرنسا بهذه الصفة لولايات الجنوب في بدء حرب الانفصال الأمريكية سنة 1861.

وما السعي إلى قبول حكومة الجمهورية العربية السورية بهذه المبادرة التي تحمل في مضامينها الاعتراف بوجود قوات منظمة وقادرة على الوفاء بالالتزامات، إلا توطئة إلى إعلان التقسيم، وما اختيار مدينة حلب إلا لتلك الغاية المشبوهة ولجعلها عاصمة لذلك المشروع المريب، الذي طالما حلمت به وحاولت تنفيذه كل من فرنسا وتركيا منذ مطلع القرن الماضي. فالائتلاف لم يحضر مؤتمر "جنيف2" وهو يحمل شخصية قانونية معترف بها رسمياً في القانون الدولي تتمتع بما هو مقرر لأشخاص القانون الدولي من حقوق وواجبات، وإنما حضر كمعارضة يسعى داعموها لتشكيل حكومة انتقالية مع النظام الشرعي والقانوني القائم في سورية والمعترف به في الأمم المتحدة وذلك على الرغم من كل الدعم الغربي والعربي له، والذي اعتبره الغرب الممثل الوحيد عن تطلعات الشعب السوري حسب زعمه.

وفي ضوء مبادرة دي مستورا تلك سيكون الائتلاف والفصائل المنضوية تحت عباءة مشغليهم حاضرة في ذلك الاتفاق المقترح، مما يعني إسباغ صفة المحاربين عليهم وليس الإرهابيين، وتطبيق قواعد القانون الدولي الخاصة بذلك. وستكون الدولة السورية ملزمة بهذه الأحكام، ومنها اتفاقيات جنيف الأربعة، والنزاع في هذه الحالة لم يعد نزاعاً داخلياً خارجاً عن قواعد القانون الدولي لا يجوز التدخل فيه، وإنما نزاعاً دولياً يجوز لمجلس الأمن اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات لحفظ الأمن والسلم الدوليين بحق الطرف المعتدي بحسب المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.

من هنا كان رد الحكومة السورية على مبادرة المبعوث الدولي بتقديم فكرة المصالحات الوطنية كبرنامج عمل، وطرح المصالحة الوطنية التي تمت في مدينة حمص كأنموذج استطاع تحقيق الأمن والأمان والسلم للمدينة وجعلها خالية من المسلحين، دليلاً على إدراك الدولة السورية لمخاطر إنشاء مثل هذه المناطق المجمدة؛ فالدولة السورية بموجب تلك المصالحات لم تفقد سيادتها على أي جزء من الأراضي السورية والعلاقة فيها كانت علاقة مواطن مع حكومته: علاقة يحكمها الدستور والقانون؛ فلا تحمل صفة الندية أو التناظر أو الاستقلال أو اللامركزية، وأما في الخطة المقترحة فسوف يكون الأمر على خلاف ذلك.

فلو فرضنا أن الاتفاق حصل كما يرغب السيد دي مستورا وانسحبت قوات الجيش العربي السوري من تلك المنطقة تماماً، وبعدها انقلبت الفصائل المسلحة على هذا الاتفاق، فما هو الحل؟ وهل سينفع حينها تنديد الأمين العام وأسفه لحصول مثل هذا الخرق؟ وما هو الحل إذا قامت حكومة الائتلاف المزعومة بالدخول إلى مدينة حلب وممارسة نفوذها على السكان المدنيين هناك؟ هل سيُسمح للجيش العربي السوري بالدخول إليها وإعادتها إلى حضن الوطن؟ وفي حال قيام الحكومة السورية بالعمل على تأكيد سيادتها على هذا الجزء من الوطن، ألن تعتبر مخلّة بالتزاماتها الدولية؟

في الحقيقة وحسب القانون الدولي واتفاقيات جنيف المشار إليها أعلاه فإن كل الأسئلة المطروحة ستكون حاضرة بأجنداتها للتنفيذ.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.