تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عقد الذمة في الشريعة الإسلامية - الحقوق الأساسية لأهل الذمة (2)

مصدر الصورة
SNS

 

في المقال السابق تم استعراض مفهوم عقد الذمة والمراحل التاريخية التي مر بها والاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى نشوئه. واليوم سوف نتطرق إلى مفاعيل هذا العقد وتطبيقاته بصفة "الكتابي" أحد رعايا الدولة الإسلامية وعلاقته بها، حيث يطرح وجود الكتابي مسألتين: تتعلق الأولى بحماية حرياته وحقوقه العامة, والثانية ترتبط بمدى الاستقلالية التي يتمتع بها في تطبيق قوانين طائفته الخاصة خارج نطاق القانون الإسلامي.

فهو، كفرد في دولة يخضع لسلطانها وتؤمن له الحماية الكاملة، ومن جهة ثانية يبدو أن هذا الفرد غير خاضع للقانون الإسلامي، أي لقانون الدولة التي تحميه وترعى حقوقه وحرياته التي يتمتع بها في المجتمع الذي يعيش فيه, حيث يظهر ذلك في جميع الكتب والمعاهدات التي أبرمها المسلمون معهم، وهي ترتبط إلى حد كبير بالمفهوم الإسلامي العام لحقوق الإنسان والمسائل التي تطرحها ارتباطاً تاماً بقيمه وقواعده.

وانطلاقاً من ذلك كان لابد من التعامل مع مسألة حقوق أهل الكتاب عبر موقف القرآن الكريم والسنة الشريفة اللذين يؤلفان القاعدة القانونية الأساسية لعقد الذمة, وما دونهما من تصرفات وتطبيقات يعتبر في حال وجوده غير شرعي وكأنه لم يكن.

فماهي الحقوق والحريات التي تمتع بها الكتابي في الشريعة الإسلامية؟

أولاً- حرية الفكر والتعبير:

        منح القرآن الكريم والرسول الأعظم (ص) أهل الكتاب حرية كاملة في التعبير عن الرأي. فالقرآن الكريم يقول (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم). فهو يضع مبدأ حرية التعبير كقاعدة عامة وأساسية لكل حوار أو جدال مع أهل الكتاب. وقد طبق النبي (ص) ذلك مع وفد نصارى نجران قبل إبرام المعاهدة الشهيرة وقد دامت المحادثات ثلاثة أيام. ويذكر أن اليهود شاركوا في هذه النقاشات وأثاروا جدلاً كبيراً ونقاشاً واسعاً. وبعد وقت طويل انسحب وفد نجران من أجل التشاور ثم أعلن أعضاؤه عدم قبول الاقتراح النبوي، ولكنهم قرروا توقيع عقد صلح يخضعون بموجبه لسلطة رسول الله (ص) السياسية دون أن يعتنقوا الإسلام، فوافق الرسول (ص) وتم تدبيج الاتفاق وتوقيعه.

وبعد عهد الرسول استمر الحوار، ولكنه اتخذ منحى جديداً وهاماً، فقد كان النصارى في البلاد المفتوحة أغلبية، وعند استقرار الحرب نشأت معارضة دينية عنيفة وحوار شديد داخل البلاد الإسلامية, وكان رجال الدين من يهود ونصارى يغذّون هذه المعارضة. وما كانت كتابات يوحنا الدمشقي سوى صدى لذلك والتي يهاجم فيها من يتحول إلى الإسلام من النصارى. وقد استخدم في ذلك تعابير نابية وقاسية بحق الدين الإسلامي. ومع ذلك لم يتعرض له أحد، بل كان نديم الخليفة الأموي يزيد بن معاوية وشغل مركز أبوه في دولة بني أمية حيث كان وزير المال. وفي عهد المروانيين استقال واختار الحياة الدينية وأصبح راهباً, ومثله يوحنا النيفي في مصر.

أما في العصر العباسي فقد اتسعت الحرية الفكرية بسبب ظهور تيارات فكرية متنوعة وانفتاح حضاري لافت؛ فهاهو تيودور أبو قرة يهاجم الإسلام ويكتب منتقداً ذلك الدين فكراً وعقيدةً. ورسالة الجاحظ الشهيرة الموجهة إلى النصارى خير مثال على سعة الانفتاح وعمق الحرية التي كانت تسود ذلك العصر، وهي تقدم لنا صورة عن إلمام النصارى واليهود بفحوى كتابات المسلمين وأفكارهم بحيث تمكنوا من استعمال كل ذلك في سبيل دعم بيّناتهم وآرائهم المناهضة للإسلام. وقد امتدت هذه الحرية الفكرية في صورة مناقشات تشمل جميع حقول الحياة الإدارية والاجتماعية حتى تلك التي تقع خارج نطاق مصلحة الدولة. وهذا ما سمح للرؤساء الدينيين بمناقشة مسألة استقلال طوائفهم القضائي والصلاحيات الممنوحة لهم في هذا المجال. وقد ظهر ميل واضح لديهم في منع أتباعهم من التقدم إلى المحاكم الإسلامية لفض نزاعاتهم، وهو ما تسمح لهم به قواعد الشرع الإسلامي ضمن بعض الشروط، مما جعل فكرة المنع مخالفة لهذه القواعد. وكل ذلك يؤكد مقدار الحرية التي كانوا يتمتعون بها والمناخ الحر الذي كانوا يعيشون فيه.

ثانياً- حرية التعليم:   

لقد ظهر اهتمام الإسلام بالتعليم منذ البداية والمقاطع القرآنية التي تحث على تفضيل المفكرين والعلماء وتقديمهم على الجهلة كثيرة ومتنوعة. ففي عهد رسول الله (ص) كان المدرسون عادة من النصارى، وقد حرص النبي على ضمان حرية تعاطي مهنة التعليم لهم في الأوساط الإسلامية وفي أوساط إخوانهم عندما أقر مبدأ تحرير الأسرى لقاء دفع مبلغ من المال كفدية أو تعليم عشرة من أبناء المسلمين. وهذا السلوك يؤكد سنة النبي في هذا الاتجاه وهي قاعدة قانونية. واستمر هذا النهج في كل العصور الإسلامية؛ فمؤسس الدولة الأموية عيّن نصرانياً للإشراف على تربية وتعليم ولده خالد. وقد استفاد أهل الذمة من سيادة التعليم وأقاموا مدارسهم في الطب والفلسفة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان لهم الدور الأكبر في الإشراف والمراقبة على التعليم العام. فقد وضع الخليفة هارون الرشيد جميع المدارس تحت مراقبة حنا مسنية ابن العالم الشهير ماسويه.

ثالثاً- حرية الاعتقاد والدين:  

إن حرية الاعتقاد كانت مصانة في الإسلام بموجب نص قرآني، وقد حفظت على مرّ العصور ضد جميع أنواع الإكراه التي يمكن أن تنال منها. فالرسول الكريم قال (إن لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم إلا من ظلم وأثم) والقرآن الكريم يقول (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). وقد جاء في كتاب وجهه الرسول (ص) إلى معاذ بن جبل باليمن (... ولا يفتنن يهودياً عن يهوديته). وقد طبق الخليفة الأول أبو بكر الصديق(ر) تلك السنة في وصيته للجيوش الفاتحة بالقول: "وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له". وبالتوافق التام مع هذا المنطق حرص الخليفة عمر بن الخطاب (ر) على تضمين جميع خطاباته التي وجهها إلى شعوب بلدان الفتح والمعاهدات التي أبرمها عبارات تؤكد حرية المعتقد الديني لأهل الكتاب. وخير مثال على ذلك خطابه لأهل المقدس بأنهم لن يرغموا على دخول الإسلام.

وهذه الحرية تستتبع حرية ملازمة لها وهي حرية ممارسة الشعائر الدينية. فقد لاقت تلك الحرية كل الاحترام من رسول الله (ص). فلم يكتف بالسماح لوفد نجران وجميع أعضائه بتأدية الصلاة في مسجد المدينة، ولكنه أدخل في المعاهدة التي أبرمها معهم نصاً يحمي أولئك الذين يديرون ويباشرون هذه الشعائر، حيث جاء في النص "ولا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته". وفوق ذلك، ومن أجل تأمين المشاركة في إقامة الشعائر وممارسة العبادة للجميع، جاء في نص من معاهدة نجران: "أنه إذا وجدت امرأة نصرانية في بيت مسلم فليس له أن يحملها على ترك دينها ولا يمنعها صيامها وإقامة صلاتها والتقيد بقواعد عقيدتها". واستنادُ الفقهاء في العصور اللاحقة على إيراد هذه الحقوق في آرائهم خير شاهد على ذلك، وبالتالي فإن سلوك التنظيمات الإرهابية اليوم من إكراه المسيحيين على ترك دينهم واعتناق الإسلام هو مخالفة للشرع والنص والسنة.

        ولذلك، فإن الاستناد إلى الشروط العمرية في معاهدة فتح بيت المقدس، والتي تقول: "إننا شرطنا على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديراً وقلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا... ولا نرفع أصواتنا في الصلاة والقراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وألا نخرج كتاباً ولا صليب في سوق المسلمين"، ليس صحيحاً. فقد أثبت أكثر  المؤرخين والمحققين أن نص هذه الشروط أو هذا العهد قد أعدّ وحُوّر خلال عصر المتوكل (847ـ 861م)، ونسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب(ر) لإعطائه الصفة الشرعية. لكن ذلك التحريف لم يمنع تطبيقه في بعض الفترات التي تلت حكم المتوكل وفي عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وذلك خلافاً لنوايا الرسول وعهده التي تقول: "وبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين". أما ظاهرة هدم ونهب الكنائس فلم تظهر إلا في عصور متأخرة من التاريخ الإسلامي. إذ لم يحدث في عهد الرسول الأعظم والخلفاء الراشدين ذلك، وجميع الحوادث تمت في العصور اللاحقة ولأسباب سياسية شخصية من الحاكم ليس إلا، وهو ما يؤكده الفقيه الكبير ابن سعد من أن ذلك خروج على الشرع.

رابعاً- حرية الانتقال:

لا نجد في القرآن الكريم ما يحدّ من حرية الانتقال فيما يخص أهل الكتاب، وعلى العكس من ذلك نجدُ رجلاً كالإمام الأوزاعي (150للهجرة) يستند إلى مقطع من القرآن الكريم في دفاعه عن حق أهل الكتاب في حرية الانتقال وعدم خضوعهم للإكراه، وذلك في معرض موقفه الرافض لقرار الحاكم العباسي صالح بن يحيى القاضي بنقل نصارى جبل لبنان إلى مكان آخر, واستناده إلى قول الرسول (ص) "ومن ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة". فالسنة الشريفة لم تضع قيداً على حرية الانتقال ولم تفرض أية واجبات، وفي خطاب الرسول (ص) الموجه إلى سكان أيله في العقبة نجد ما يلي: "ولا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يردونها من بر أو بحر". وخير شاهد على تطبيق هذا النهج النبوي "صلح خيبر" فلم يسمح بنفي أو نقل أهل خيبر بل أبقاهم في أرضهم لقاء تقديمهم للمسلمين نصف إنتاجهم الزراعي.

وإن كان البعض يقول بنفي اليهود والنصارى من شبه الجزيرة العربية والقول أن الرسول الأكرم وهو في اللحظات الأخيرة من حياته وهو محموم قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) مشكوك فيه من خلال عدم تطبيق الخلفاء الراشدين له؛ فلا الخليفة أبو بكر(ر) فعلها ولا الإمام علي (ر) منع نصارى نجران من العودة إلى ديارهم ولو كان هنالك وصية بذلك من النبي لمنع الخليفة عمر(ر) قاتله فيروز بن لؤلؤة وهو مولى المغيرة بن شعبة من الإقامة في المدينة، وهو نصراني كان يمارس مهنة النجارة في المدينة. وقد أشار الكثير من المؤرخين عن وجود جالية كبيرة من يهود خيبر في جزيرة العرب، فلماذا تركهم الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول؟!  

خامساً- أهل الذمة هم أقل عرضة للسقوط في الأسر والاسترقاق:

طالما كانت الحروب المصدر الرئيسي للاسترقاق، وبما أن أهل الذمة لم يخضعوا لواجب تأدية الخدمة العسكرية، فقد كانوا من هذه الناحية أقل عرضة لمواجهة هذا المصير المظلم. والنصراني واليهودي الذي يحارب المسلمين من الوجهة القانونية لا يصبح رقيقاً لأنه في حال سقوط بلده أو خضوعها يكون ملزما أن يختار بين اعتناق الإسلام أو البقاء في وضع أهل الذمة. وقد جاء في كتاب وجهه الخليفة عمر بن الخطاب (ر) إلى أحد ولاته: "ولا سبيل لك عليهم ولا للمسلمين معك أن تجعلهم فيئاً وتقسمهم فإذا أخذت الجزية فلا سبيل لك عليهم، فاضرب عليهم الجزية وكف السبي وامنع المسلمين من ظلمهم أو الإضرار بهم وأكل أموالهم إلا بحلها". ويتبين لنا أنه لا يجوز أن يتعرض أهل الكتاب إلى الاسترقاق، وإذا وقعوا في يد عدو المسلمين وكانوا من رعايا الدولة الإسلامية فالدولة ملزمة شرعاً في الحال تخليصهم ودفع الفدية عنهم، ورأي الإمام الليث واضح في هذا المجال فهو يرى أن تدفع فديتهم من بيت المال.  

  سادساً- حق الملكية:

تساوى أهل الذمة مع المسلمين بممارسة حق الملكية مع بعض الاستثناءات وهذه الحماية مستمرة ودائمة وتمتد في الزمن لتشمل أبناءهم وأحفادهم. فحماية أموال النصارى واليهود كانت من الحقوق التي تم الحرص عليها في كل الخطابات والعهود وقد حملت السنة النبوية الشريفة الكثير من الأمثلة على حرية التعامل واحترام الملكية، حيث رهن النبي درعه عند يهودي، ومنع المسلمين من الاعتداء على أملاك اليهود في خيبر. وسار الخلفاء الراشدون على نهج الرسول واستمر هذا الوضع فترة طويلة من التاريخ الإسلامي لصالح أهل الذمة. وذكر التاريخ الكثيرين منهم ممن تسلق أعلى مراتب الغنى بفضل الحماية الممنوحة لملكيتهم الخاصة. 

 كما لم يمنع الإسلام أهل الذمة من حق الإرث حتى في الأرض المفتوحة والتي سمح لهم الفاتحون بالبقاء فيها وهذا يظهر مقدار الحرية فيما يتعلق بالتصرف بأرضهم بيعاً أو رهناً أو توريثاً رغم أنه ظل متشبثاً تخصيص أرض الخراج لصالح المسلمين، وتثبيت هذا الوضع بحيث يستمر إلى الأبد.

سابعاً- الحقوق السياسية:  

1-   حق الانتخاب والترشح:  

بما أن الإسلام كان يرى أن السيادة في المجتمع هي للفئة المؤمنة التي تعتنق الشريعة لذلك لم يكن يُسمح لأهل الذمة بانتخاب الخليفة أو الترشح لهذا المنصب. ومع مرور الزمن حتى المسلم فقد هذا الحق وأصبح الحق محصوراً بفئة قليلة من أهل بيت الخلافة عبر التوريث. ورغم ذلك، استمرت مشاركة الذمي في اختيار رؤسائه الدينين الذين يمثلونه في بلاط الخلافة دون أن يكون للحاكم المسلم حق التدخل في كل ما يجري لتأمين الاختيار. وهؤلاء الرؤساء يتمتعون بصلاحيات واسعة جداً على رعاياهم في القضاء والأحوال الشخصية. وهذا الاختيار يتم حسب الشرائع الخاصة بأهل الكتاب وهو ملزم للسلطات الإسلامية التي تقوم بإجراء التصديق الشكلي بعد التعيين أو الإختيار؛ فهم كانوا يتمتعون بحق الانتخاب في الوقت الذي كان المسلمون محرومين منه.

2-   حق تولي الوظائف العامة:  

إن مسألة أهلية أهل الذمة لدخول الوظيفة العامة وتأدية الخدمة العسكرية كانت على قدم المساواة مع المسلمين، والسنة النبوية الشريفة فيها الكثير من الأحاديث التي تتخذ موقفاً إيجابياً من هذه المسألة لا سيما عندما يتعلق الأمر بأقباط مصر. فالشريعة الإسلامية فتحت الباب واسعاً أمام أهل الذمة لدخول الوظائف العامة التي تشمل صلاحياتها ما يسمى (بولاية التنفيذ) دون (ولاية القضاء أو السلطة على المسلمين). ووفقاً لهذه النظرية يمكن للذمي أن يكون وزيرَ تنفيذ، بينما يمنع عليه وزير تفويض الذي يمارس السلطة القضائية وتسيير الجيوش وتنظيم البعثات، وله حق إدارة بيت المال. وخارج هذه النقاط الأربعة لاشي يُمنع على الكتابي. وقد شغل أهل الذمة في العصر الأموي أعلى المراتب، و العصر العباسي كان سمته الوصول الكثيف لأهل الذمة؛ فكان النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام، وقد تقلد أهل الذمة ديوان جيش المسلمين مرتين في القرن الثالث الهجري وذلك بالنظر للكفاءة والاختصاص الذي تميزوا به.

3-   الخدمة العسكرية:

إن الحماية المقررة للكتابي فيما يتعلق بشخصه وأملاكه تفترض الدفاع عنه ضد أي عدو يؤلف انتصاره خطراً على هذه الأملاك وصاحبها. ولكن مساهمة الكتابي في تأدية الخدمة العسكرية تعني مشاركته في تأمين هذه الحماية. وقد كانت هذه المشاركة محل ترحيب من المسلمين، وكان الرسول الكريم (ص) يعطي "مخيرق اليهودي" من الغنائم مثل المسلمين في غزوة أحد. وكان جيش المأمون يحتوي على عشرة آلاف جندي نصراني، وقد بنى لهم كنيسة في المغرب. وترتب على مشاركة الكتابي في تأدية الخدمة العسكرية الإعفاء من دفع الجزية التي هي ثمن الحماية، فإذا تعذرت هذه الحماية سقطت. وقد أعاد أبو عبيدة بن الجراح مال الجزية الذي أخذه من نصارى سورية إلى من دفعوه عندما أصبح أمر حمايتهم متعذراً، ووافق الخليفة عمر بن الخطاب(ر) على ذلك وصدق تعهداً بإعفاء من يحارب إلى جانب المسلمين من دفع الجزية.

والخلاصة، فإن الحقوق الأساسية التي تكفل للأفراد عامة، ولأهل الكتاب خاصة حياتهم وكرامتهم وأموالهم كانت مصانة ومحترمة، ويتأكد لنا أن الإكراه في الدين لا وجود له في الإسلام من حيث الفكر والعقيدة والسلوك. وكان فكر النبي(ص) والخلفاء الراشدين نبراساً ومثلاً يحتذى به في تاريخ حقوق الإنسان، وأن ما ينسب إلى الفكر الإسلامي من تعصب وتطرف وإنكار للآخر هو ادعاء باطل تعوزه الدقة والمصداقية وعدم الاستقامة مع الدين الحنيف.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.