تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أيـن العدالة الاجتماعية في مشروع قانون الايجار المقترح..!!


 

جاء في المادة التاسعة عشرة من الدستور السوري الحالي: "يقوم المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد".  

ويتجلى التعبير الأمثل عن العدالة الاجتماعية والتطبيق الحقيقي لها في ميدان التشريع في تشريعات الضرائب والعمل والاستملاك والايجار، حيث أن العدالة الاجتماعية هي الهدف الذي ينشده الجميع والتي ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة، أو السلطة، أو من كليهما، والتي يغيب فيها الفقر والتهميش والاقصاء الاجتماعي، وتنعدم فيها الفوارق غير المقبولة اجتماعياً بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة, والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة، ولا تجور فيها الأجيال الحاضرة على حقوق الأجيال المقبلة، فيعمّ الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية, ويتحقق لأفراد المجتمع فرصاً متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم وإطلاق طاقاتهم من مكامنها، مما يسهم في خلق المناخ المناسب لتوظيف تلك القدرات والطاقات، ويفتح الباب واسعاً لهؤلاء الأفراد في الحراك الاجتماعي الصاعد مما ينعكس على المجتمع بالنماء والتقدم المستدام.

ولعل أولى الخطوات المطلوبة لتحقيق هذه الغاية السامية في المجتمع هي استقرار التشريع. فلا شيء يخلق الاضطراب في النفوس والمجتمعات كاضطراب التشريع الذي إذا ما استمر أوقع الأوطان في المهالك. وحتى لا نستمر في العموميات، فإننا نشير إلى "قوانين" الايجار في بلدنا (وأسميناها "قوانين" بلغة الجمع لأننا فعلاً أمام ألف قانون وقانون ـ كما يقول المواطن العادي حين ينتابه الغضب نتيجة التعدد)؛ فقانون أثر قانون, هذا يلغي وذاك يعدل, وآخر يضيف ورابع يشطب الى آخر السلسلة من النصوص التي جُرِّحت فأعدمت الأصل من النص ولم تأت بمثله.. مما أورثها الغموض والابهام والتضارب والتباين حتى بات المواطن لا يعرف كيف يعمل, وأي القوانين السارية ينطبق على حالته وحالة مؤجره؟

        أمور لا نريد أن نفصل فيها كثيراً لأن التفصيل لا يعطي نتيجة، كون المواطن يعيش "قوانين" الايجار بهمومها وآلامها. فهي قوانين استثنائية أُخرجت من القواعد العامة للقوانين، وما يستثنى من القانون العام وجب أن تكون نصوصه محكمة, مفصلة, موضوعية, محددة, ومنظمة في منظومة قانونية واحدة, تشيع في مجتمعنا الاستقرار باعتبار أن "عقد الايجار" يجعل المؤجر والمستأجر على اتصال دائم مما يستدعي الدقة في بيان الحقوق والواجبات. وهذا ما يجعل قانون الايجار من أكثر القوانين صلة بمفهوم العدالة الاجتماعية التي أشرنا اليها فيما تقدم؛ فالموضوع لا يقف لدى رجال القانون والعاملين في هذا الحقل فحسب، بل إنه ما من رب أسرة وما من مالك أو مستأجر إلا وله به صلة، فالموضوع يهم الجماعة بأسرها.

        وإذا كان الإيجار في معظم الدول يحتل المكانة الأولى من الأهمية، فإن سورية تأتي في مقدمة الدول التي أولت الإيجار كبير اهتمامها، لكن قراءة سريعة لمشروع قانون الإيجار المطروح على موقع وزارة العدل السورية تبيّن أن واضع المشروع عمد إلى جراحة تجميلية ترميمية تؤجل المشكلة دون الغوص في حلها بشكل نهائي؛ فقد عمد في المادة الأولى إلى رفع نسب بدلات الإيجار عما هو عليه في القانون الحالي, كما عمد إلى التفصيل والشرح في بعض الحالات وتقديم النصوص وتأخيرها دون إضافة جديد عليها، فيما خلا ما جاء في الفقرة / و/ من المادة العاشرة لجهة سقوط الحكم وتقصيره لمدة شهر، وهي سابقة وخروج على القاعدة العامة في سقوط الأحكام القضائية.

وكان الحري بواضع المشروع العمل على معالجة الأثر المترتب على القوانين الاستثنائية التي طبقت على عقد الإيجار منذ ستين عاماً ونيف بشكل جذري وعادل. والسبب أن قسماً كبيراً من العقارات التي تشكل عصب الحياة الاقتصادية في مراكز المدن على امتداد سورية، ما زال محكوماً بتلك القوانين الاستثنائية الأمر الذي يخرجها من عجلة الحياة الاقتصادية ويشكل تحدياً صارخاً لمفهوم العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في الدستور.

فالمشرّع أجاز، مثلاً، طلب الإخلاء لبعض مالكي هذه العقارات لقاء دفع بدل 40% من قيمة العقار للمستأجر عند طلب الإخلاء؛ فلو فرضنا أن مالك إحدى هذه العقارات لا يملك هذا البدل فما هو الحل؟ هل يبقى متفرجاً على ملكه ولا يستطيع الانتفاع منه؟ وفي حال رفع دعوى تخمين فإن الأجر الذي سيحكم له به، سيعتبر تافهاً بالنظر لقيمة العقار ولبدل إيجار أقرانه من مالكي العقارات في ذات المنطقة غير الخاضعين للأحكام الاستثنائية!

ونرى أنه لو أراد واضع المشروع تعديلاً حقيقياً وعادلاً لكان أخضع تحديد البدل الإيجاري للسعر الرائج وليس وفق القيمة الدفترية المعتمدة لدى دوائر المالية، كما يجري في العادة في دعاوى التخمين، وبذلك يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية بحيث يوفر المأجور دخلاً عادلاً وحقيقياً لمالك العقار، الأمر الذي يسهم في خلق مصادر دخل وتنمية مستدامة وتحريك العجلة الاقتصادية وتوزيع عادل للثروة، لأن مستأجر المأجور عندما يدفع بدل ايجار حقيقي يتناسب مع قيمة المأجور وموقعه، لا يكون قد أثرى على حساب المالك. وهنا نكون قد حققنا مفهوم العدالة الاجتماعية الذي هو الهدف الذي ينشده جميع المعنيين وهو غاية المشرّع. ودون ذلك فإن أي تعديل لقانون الإيجار لا يصبو الى ذلك الهدف سوف يبقى قاصراً. وعليه، يبقى السؤال المهم أين هي العدالة الاجتماعية في نصوص هذا المشروع المقترح؟

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.