تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القرار 2170وتحدي الجديّة الدولية؟!!

مصدر الصورة
SNS

 

 

26/8/2014

 

قامت الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لإنجاز هدف أو أمل ما فتئت البشرية، منذ قرون سحيقة، ترنو إليه ؛ إنه الأمن الجماعي. ويشكل هذا الأمن أساس كل تنظيم دولي. وهو يعني ضمان السلم والأمن الدوليين والتصدي الجماعي للدول المعتدية, ومساعدة الدول المعتدى عليها. وقد وجد البعض أن شعار فكرة الأمن الجماعي يتجلى في أبهى الصور في الآية الكريمة (من قتل نفساً بغير نفس, أو فساداً في الأرض, فكأنما قتل الناس جميعاً). وقد أبدت الأمم المتحدة في القرار 2170 اهتماماً خاصاً بالأمن الجماعي وهي بذلك تستند إلى الفقرة الخامسة من المادة الثانية من ميثاقها، والتي تنص على: "يقدم الأعضاء كامل المساعدة الى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفقاً لأحكام هذا الميثاق ويمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع"، وهذا الواجب يتطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وضع جميع إمكاناتها في خدمة أغراض  المنظمة الدولية، ويتضمن هذا الواجب شقين:

ـ شق سلبي: يتمثل في عدم مساعدة أية دولة أو جماعة تتعرض لعقوبات زجرية من الأمم المتحدة وفي عدم الانحياز لها أو مؤازرتها في أعمالها المنافية للقواعد الدولية، وفي عدم الاعتراف بالمكاسب المادية أو المعنوية التي حققتها جراء اعتداءاتها غير المشروعة.

ـ شق إيجابي: يتمثل في ضرورة وضع الدول كل إمكاناتها في تصرف المنظمة الدولية؛ فالمادة /43/ من الميثاق تنص على أن جميع الأعضاء يتعهدون في سبيل الاسهام في حفظ السلم والأمن الدوليين، بأن يضعوا في تصرف مجلس الأمن، ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن المذكورين.

غير أن الثغرة التي تشوب واجب المساعدة للأمم المتحدة تكمن في أن هذا الواجب عمل طوعي تُقدم عليه الدول بمحض إرادتها. وهذا يعني أن الدول ليست ملزمة تقديم المعونة عندما تطلبها المنظمة الدولية، فإسهام دولة ما أو إحجامها قد يفسر باعتبارات سياسية. وقد حدث أن رفضت دولٌ المشاركة في حروب أو قوات دولية أقرتها المنظمة الدولية بسبب السيطرة والغطرسة الأمريكية، أو بسبب ميل الكبار إلى استخدام الأمم المتحدة غطاء لمآربهم السياسية، أو بسبب تحيّز قيادة القوات الأممية لأحد أطراف الصراع.

وهذه المبادئ أشار إليها السيد وليد المعلم وزير خارجية الجمهورية العربية السورية الإثنين 25 . آب .2014، عندما أشار إلى ضرورة التعاون الدولي "الجدي" والحقيقي والصادق لتحقيق أهداف القرار 2170. وهذا التعاون يستلزم احترام سيادة الدولة السورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وإلا اعتبر الأمر عدواناً ومخالفة صريحة لأحكام الميثاق. وهو قد أشار إلى مقومات نجاح هذا التعاون الدولي من خلال احترام مبادئ الميثاق والتي من أهمها:

 

احترام مبدأ سيادة الدولة، والتي تعني احترام السلطة السياسية القائمة في الدولة والتي تعدّ ـ الى جانب الشعب والإقليم ـ الأركان الرئيسية في مفهوم السيادة. وفي لغة القانون الدولي تمثل ما للدولة من سلطان على الإقليم الذي تختص به بما يوجد فيه من أشخاص وأموال وهي تثبت للدولة نتيجة ملكيتها للإقليم ذاته، وإن الفقه التقليدي وصف سيادة الدولة بأنها مطلقة، بمعنى عدم خضوع الدولة سواء في الداخل أو الخارج ـ لأية قيود تحد من سيادتها سوى إرادتها ـ  وحكومة الجمهورية العربية السورية وعلى لسان وزير الخارجية إذ أكدت على الوفاء بالالتزامات الدولية والتعاون الدولي، ولكن انطلاقاً من احترام مقاصد الهيئة ومبادئها الواردة في الفقرة السابعة من المادة الثانية  من الميثاق والتي تنص: " ليس في هذا الميثاق ما يسوغ (للأمم المتحدة) أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما".  

 

وقد أكد الميثاق في الفقرة الرابعة من المادة الثانية على وجوب امتناع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن اللجوء إلى القوة أو استخدامها ضد الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، وبالتالي إن مطلب الحكومة السورية في احترام سيادتها هو من بديهيات القانون الدولي. وما أشار الوزير المعلم إلى تلك النقطة إلا من باب التدليل على مدى انتهاك الدول الراعية للمشروع الإرهابي في سورية والعراق لأبسط مبادئ القانون الدولي؛  فالحديث عن الرعاية القَطرية لجبهة النصرة، والصلات الوثيقة لداعش بالحكومة التركية، وتجاهل الغرب لتلك الحقائق والمعلومات يوضح أن الولايات المتحدة ماضية في سياسة الرياء والخداع وأنها لم تكن صادقة حتى الآن في حربها على الإرهاب. فلو كانت الدول الغربية تريد حقيقة محاربة الإرهاب وتطبيق القرار 2170 بصدق ونزاهة لشرعت في معاقبة تلك الدول التي ماتزال ماضية في دعمها لهذه التنظيمات الإرهابية، وهي بالمفهوم القانوني تعدّ دول مخالفة للقرار الأممي المذكور.

إن الحكومة السورية في حربها على الإرهاب، إنما تمارس حقاً شرّعه لها القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية. وهي اذ رحبت بالتعاون الدولي والإقليمي والثنائي فهو من باب تفويت الفرصة على الولايات المتحدة في ممارسة غطرستها. والدبلوماسية السورية تدرك جيداً أن الولايات المتحدة الامريكية تريد أن تستخدم هذه التنظيمات الإرهابية ذريعة للتدخل في سورية تحت عنوان التدخل الإنساني أو محاربة الإرهاب.

إن النقاط التي أكد عليها الوزير المعلم تعبر حقيقة عن هواجس القانونيين والمهتمين في الشأن الدولي سواء لجهة احترام سيادة الدولة السورية أو لجهة المعضلة التي تعتري قواعد القانون الدولي ذاتها التي تفتقد المؤيد القسري للقاعدة القانونية بشكل عام، خاصة عندما تكون المخالفة مرتكبة من أحد أعضاء مجلس الأمن ذاته، والتي يشهد تاريخها على الغطرسة والخروج على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ذاتها. وبالتالي، لا تسمح التجارب السابقة بالتعويل على احترام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمضمون القرار2170، بل أن مجرد التفكير بذلك يعتبر مزحة سمجة.

فلو كانت الدول الغربية تريد حقاً محاربة الإرهاب، فإن ذلك لا يتطلب منها غير إجراء بسيط، وهو تجفيف مصادر التمويل والطلب من حلفائها في المنطقة احترام القرار 2170. ولعل هذا ما يفسر دعوة الحكومة السورية للولايات المتحدة "للتعاون الصادق"، وأن عدم تعويلها على القرار 2170  في الحرب على الإرهاب نابع حقيقة من إدراك أن غاية الولايات المتحدة ليس ذلك، إنما تحقيق مصالحها الخاصة والحيوية في الشرق العربي وضمان أمن إسرائيل. وما عدا ذلك فهو مجرد  تفاصيل يتم الاستثمار فيها واستنزاف الطاقة الاقتصادية والعسكرية لشعوب هذه المنطقة.  فالقرار كان بالنسبة لهذه الدول بمثابة صك غفران سوف يستخدم عند الحاجة لتبرير ما يلزم تبريره عند اللزوم.

 


 

 

 

 

 

       

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.