تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القرار 2170 ونظرية "فراغ القوة".. !!


24/8/2014

 

من المفارقات العجيبة أن الغرب الاستعماري هو الذي ابتدع أسباب الحرب على سورية وانخرط فيها, وهو ذاته الذي بدأ يكتوي بنارها؛ هو الذي أوقد الفتنة في لحظات التهور والطيش؛ هو الذي يرفع عقيرته بالشكوى من فظائعها، ويسعى في لحظات التعقل إلى الحد منها أو ضبطها؛ هو من يخوض غمار الحرب على هذا البلد وشعبه بلا رحمة أو شفقة، وهو ذاته الذي يسعى في لحظات اليقظة الوجدانية الى أنسنتها والتخفيف من ويلاتها.  الغرب.. هذا العالم الغريب العجيب هو أصل الداء وهو مبتدع الدواء.. وبين نزعتي الخير والشر في هذا المجتمع تسعد البشرية أو تشقى.

فالغرب  في سعيه الى إصدار القرار رقم  2170  لم يخرج من هذه الازدواجية الرهيبة والعارف ببواطن الأمور والمتتبع لبواطن الفكر السياسي الأمريكي والغربي الاستعماري، يجد أن هذا القرار إنما هو ثمرة لسياسة ثابتة وراسخة في عقول الساسة الغربين؛ إنه تطبيق دقيق لنظرية "فراغ القوة" التي برزت بشكل واضح في إطار الاستراتيجيات الدولية في فترة الحرب الباردة, وبالتحديد في عقدي الستينات والسبعينات, وأصبحت كأحد المسلمات في أذهان واضعي الاستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط, لاسيما بعد انسحاب بريطانيا النهائي من شرق السويس. إن عقدة فراغ القوة التي عشعشت في العقلية الأمريكية، أوجدت تطوراً للواقع الإقليمي لهذه المنطقة من منطلق فراغات القوة بمضاعفاتها الأجنبية السيئة، وبتأثيراتها السلبية المحتملة على معدلات التوازن الدولي. إن ما يقصده صانعو هذه الاستراتيجية الأمريكية بـ"فراغ القوى" ليس الفراغ العقائدي أو السياسي، أو الفراغ الناتج عن عدم الاستقرار الاجتماعي، او ضياع الشعور بالهوية القومية، وإنما الفراغ العسكري والأمني. وهو الحاصل في بعض المناطق في سورية والعراق.

 وهذا الفراغ لا يمكن أن يعالج بالشكل الذي يحافظ فيه على المصالح الحيوية الأمريكية والغربية إلا بالقوة العسكرية الغربية، وبالقوة الأمريكية تحديداً وذلك من خلال إقامة القواعد العسكرية والتحالفات. وقد تطورت هذه الاستراتيجية إلى تواجد عسكري مباشر ومخزونات الأسلحة الجاهزة, واتفاقات أجنبية، وإجبار الدول الإقليمية أو الخارجية عن الإقليم بدفع أو تحمل نفقات هذه الاستراتيجية، كما حصل في الخليج العربي بعد عام 1991، وما حصل في آسيا الوسطى والحرب ضد أفغانستان عام 2001، وما هو حاصل اليوم في سورية بأدواتها الداخلية، ومباشرةً بذاتها في العراق والقيام بضربات جوية مباشرة في بلاد الرافدين لحماية المصالح الحيوية في أربيل.

وإذا كان ظهور نظرية فراغ القوة كأحد مرتكزات الاستراتيجية الأمريكية خلال الحرب الباردة لتطويق واحتواء الاتحاد السوفيتي, فإنها اليوم وبعد تصاعد الدور الروسي والصيني ومن خلفهما دول البريكس، عادت هذه النظرية لتكون أكثر فاعلية وقوة لاحتواء هذه الدول الإقليمية المهددة للمصالح الغربية، وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، ومواجهة أية قوة منافسة للقوة الأمريكية على المستوى العالمي باعتبارها "القطب الأوحد" الذي يتحكم بسلطة القرار الدولي.  وما صدور القرار 2170 عن الأمم المتحدة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة إلا لشرعنة هذا السلوك والنهج، ولتفادي الانتقادات من المجتمع الدولي الذي بات يضيق ذرعاً بالكابوي الأمريكي الذي هُزم في العراق، واضطر إلى الانسحاب العسكري المباشر عام 2011 من العراق دون توقيع اتفاقيات تضمن حماية مصالح واشنطن وتأثيرها المباشر في الإقليم والمنطقة، ومن قبلها فشل الكيان الصهيوني في تحقيق الردع في لبنان  في عدوان 2006، وفي غزة 2009، وأخيراً في عدوان 2014. لذلك لم يبقَ أمام الغرب في ظل هذه الهزائم المتكررة إلا العودة إلى دفاتره القديمة، واستخدام نظرية فراغ القوة وتخريب بلدان الشرق الأوسط العربية؛ سورية ومصر والعراق وليبيا، "داخلياً" لخلق الظروف المناسبة للعودة لملء هذا الفراغ، ولكن عبر مجلس الأمن الدولي. وهو ما كانت الدولة السورية متنبهة له منذ اللحظات الأولى للحرب على سورية، لذلك سارعت للتأكيد على سيادتها وقدرتها على محاربة الإرهاب، وعدم القبول بالمسّ بأراضيها وحدودها الوطنية في تعليقها على القرار2170.

وينسجم مع صحة هذا الاستنتاج، ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في تعقيب على القرار 2170 من أن "لا مصداقية للولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب وأن سلوك الولايات المتحدة التي أكدت أنها ليست في خندق واحد مع سورية ضد تنظيم "داعش" وأن التنسيق الدولي يجب أن يكون ضمن اتفاقات وقرارات دولية ناظمة وأن أي عمل أحادي يعتبر تدخلاً في شؤون الدول". 

"فالربيع العربي" أو "الفوضى الخلاّقة"، كان خطة أو أداة أمريكية بامتياز للسيطرة على هذه الدول، ولكن سوء تنفيذ العملاء اضطر الأصيل للحضور بنفسه، وتلك حقيقة بات يدركها كل عاقل ذو بصيرة، وإذا كان ثمّة من ينكر ذلك، نقول له الشمس لا تحجب بغربال.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.