تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية (3):

مصدر الصورة
SNS

 

جريمة الاحتيال المعلوماتي في ظل المرسوم التشريعي  رقم (17) للعام 2012

لا يختلف اثنان على أن الانترنت مجال خصب لجرائم الاحتيال التي تنتشر عبر الشبكة بصورة مخيفة، تكاد تشكل ظاهرة بحد ذاتها. وساعد على انتشارها البحث المشترك بين الجاني والمجني عليه عن الثروة، وإرادة كل طرف منهما اختصار المسافات للوصول إليها بأقصر الطرق وأسهلها. فالاحتيال هو كل تظاهر أو إيحاء يكون صالحاً للإيقاع بالمجني عليه في الغلط بطريقة تؤدي إلى الاقتناع المباشر بالمظهر المادي الخارجي. وهو لا يقع فقط على الشخص الطبيعي بل أنه من المسلّم به صلاحية الشخص المعنوي لاعتباره مجنياً عليه. فالشركات والمؤسسات العامة والخاصة هي من الأشخاص الاعتبارية  في نظر القانون, وحيث أن الحاسوب والشبكات الداخلية للمنشأة تعد من فروع الشركة، فإنها قد تكون صالحة لوقوع فعل الخداع أو التحايل عليها. ولطالما ثار التساؤل حول إمكانية ممارسة الاحتيال على الحاسب الآلي وإيقاعه في الغلط, وبالتالي إمكانية تطبيق النصوص الجنائية الخاصة بالاحتيال على هذا النوع من الجرائم.

وانقسم الفقه في ذلك إلى ثلاثة مذاهب؛ بين رافض لإمكانية التطبيق في حالة وقوع الجريمة على الحاسب الآلي واعتبار أن الاحتيال لا يقع إلا على شخص طبيعي مثل الجاني. وطبقاً لهذا الرأي فإن خداع الحاسب الآلي بوصفه آلة لا ينطبق عليه جريمة الاحتيال، ولا على نظامه المعلوماتي، لافتقاره إلى عنصر من العناصر الرئيسية، وهي خاصية التفكير. فالحاسب أو نظامه المعلوماتي ينفذ أوامر يتلقاها مسبقاً أو يتلقى أسلوب معالجتها, علاوة على أن معطيات الحاسب ذات قيمة معنوية تفتقر إلى كونها مالاً منقولاً ذات طبيعة مادية، وهو ما اشترطه المشرّع في محل جريمة الاحتيال.

أما الرأي الثاني، فيذهب إلى إمكانية تطبيق النصوص الخاصة بجريمة الاحتيال على الاحتيال المعلوماتي,  ويمثل هذا الرأي تشريعات الدول الانجلوسكسونية. وفي واقعة مشهورة أدان القضاء الانكليزي متهماً كان يعمل في أحد البنوك في الكويت بجريمة احتيال حيث قام بتحويل أموال عن طريق الحاسوب من حسابات بعض الزبائن لحسابه الخاص في المملكة المتحدة. وتمت إدانته بتهمة الحصول على أموال بطريق الخداع. وهذا الرأي يسانده بعض الفقه الفرنسي حيث يرى إمكانية وقوع الاحتيال على الحاسب الآلي وإيقاعه في الغلط  بقصد سلب الأموال. واعتبر أنّ هذا الفعل تتوافر فيه الطرق الاحتيالية ككذب تدعمه الأعمال المادية، أو الوقائع الخارجية حيث تتوافر فيه ـ بجانب الكذب ـ واقعة خارجية متمثلة في إبراز أو تقديم المستندات أو المعلومات المدخلة إلى الحاسب، أو استخدام مستندات غير صحيحة يخرجها الحاسب بناء على ما وقع في برامجه، أو في البيانات المخزّنة داخله من تلاعب كي يستولي على أموال لا حقّ للجاني فيها. ويستند هذا الرأي إلى حكم محكمة النقض الفرنسية بتطبيق عقوبة الاحتيال على شخص وضع قطعاً معدنية بدل النقود في عداد أماكن الانتظار وترتب على ذلك تشغيل الآلة, واعتبرت المحكمة أنّ هذا الفعل من قبيل الطرق الاحتيالية.

أما الرأي الثالث فيطبِّق على الاحتيال المعلوماتي التشريعات الخاصة بالبريد والاتصالات الهاتفية، والاحتيال على البنوك، والاتفاق الجنائي بغرض ارتكاب الغش والاحتيال. وهذا الرأي فيه تفسير واسع للنصوص الجنائية وخروج على الشرعية الجزائية.

 أما المشرّع في سورية فقد تناول الاحتيال في موضعين؛ الأول منهما  في المادة (641) من قانون العقوبات السوري التي نصت على أنه:

1ـ كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو أسناد تتضمن تعهد أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً: إما باستعمال الدسائس أو بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية، أو بظرف مهّد له المجرم أو ظرف استفاد منه أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة، وهو يعلم أنّ ليس له صفة التصرف بها، أو باستعماله اسماً مستعاراً أو صفة كاذبة، عُوقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبالغرامة من عشرة آلاف ليرة إلى خمسين ألف ليرة. ولا يستفيد المحكوم من الأسباب المخففة التقديرية أو وقف التنفيذ أو قف الحكم النافذ إلا في حالة إزالة الضرر.

2ـ يطبق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم.

والموضع الثاني في  المادة (21) من المرسوم التشريعي رقم/17/ لعام 2012 والتي تنص:

أـ يعاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات والغرامة من خمسمائة ألف إلى مليوني ونصف المليون  ليرة سورية كل من استولى باستخدام الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة على مال منقول أو عقار أو معلومات أو برامج ذات قيمة مالية أو سنداً يتضمن تعهد أو إبراء أو امتياز مالي آخر وذلك عن طريق خداع المجني عليه، أو خداع منظومة معلوماتية خاضعة لسيطرة المجني عليه بأي وسيلة كانت.

ب ـ وتكون العقوبة الاعتقال المؤقت والغرامة خمسمائة ألف إلى مليوني ونصف المليون ليرة سورية في الحالات التالية:

1ـ إذا وقعت الجريمة على ثلاثة أشخاص فأكثر.

2ـ إذا تجاوز مبلغ الضرر مليون ليرة سورية.  

3ـ إذا وقع الاحتيال على مصرف أو مؤسسة مالية.

ج ـ ولا تطبق الأسباب المخففة التقديرية إلا إذا أسقط المضرور حقه الشخصي.     

وتتكون جريمة الاحتيال من ركنين:

أولاً، الركن المادي ـ وسيلة الاحتيال أو التسليم الالكتروني للأموال:

الركن المادي في جريمة الاحتيال هو الوسيلة التي يلجأ إليها الجاني في سبيل تحقيق الغرض الذي يرمي إليه وهو الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند، أو التصرف في عقار أو منقول غير مملوك للجاني، وذلك  بالاستعانة بطريقة احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، يكون من شأن ذلك خداع المجني عليه أو نظامه  المعلوماتي وحمله على تسليم المال المنقول أو السند, كأن يتلاعب الجاني في البيانات المدخلة بالحاسب أو في برامجه كي يستخرج الحاسب باسمه أو باسم شركائه شيكات أو فواتير بمبالغ غير مستحقة، يستولي عليها الجاني أو يتقاسمها مع شركائه. فهنا لا تثور مشكلة في قيام الركن المادي في هذه الحالة،  لكن ثمة خلاف يقوم بين الفقه عندما يكون محل الجريمة نقوداً كتابية أو بنكية، ويُقدم الجاني على التلاعب في البيانات المخزنة في الحاسب أو في برامجه لتحويل أموال الغير من حساباتهم إلى حسابه الخاص، هنا تثور مشكلة مدى اعتبار ذلك من قبيل الاستيلاء المادي على المال من عدمه. حيث أن معظم التشريعات لم تعتبر النقود الكتابية بمثابة مال عادي، بل بوصفها من قبيل الديون التي يستحيل أن تكون محلاً للاختلاس أو السرقة. ومن أمثلة هذه الدول ألمانيا واليابان. وعلى العكس من تلك التشريعات ذهبت بعض الدول إلى جواز اعتبار النقود وعلى الرغم من طابعها غير المحسوس، من قبيل الأموال التي تصلح محلاً لجرائم السرقة والاحتيال. ومن هذه الدول انجلترا وكندا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي فرنسا صدرت بعض الأحكام عن محكمة النقض تفيد أن الدفع عن طريق القيد الكتابي يعادل تسليم النقود، وهو مذهب المشرّع السوري في قانون التجارة. وقد سميت هذه النظرية المبتدعة في القضاء الفرنسي "بنظرية التسليم المعادل". وبناءً عليها فإن الركن المادي في جرم الاحتيال يقوم في جميع أفعال التلاعب في عمليات البرمجة أو في البيانات المدخلة إلى الحاسب الآلي والمنقولة عبر شبكة الانترنت والتي قد تؤدي إلى إلغاء رصيد  الدائن أو خلق رصيد دائن بمبالغ غير مستحقة, من خلال التقاط أمر التحويل بواسطة الجاني وتزييفه الأمر، وتحويل نفس الأمر لحسابه الخاص، أو عن طريق التلاعب في عملية البرمجة بغرض تحويل فوائد حساب شخص ما إلى حساب الفاعل، وأيضاً عن طريق انتحال الفاعل لشخصية الغير ومباشرته لعملية تحويل النقود.

ويعود تقدير هذه الظروف والاعتبارات إلى قاضي الموضوع، وهذا يتفق مع ما نصت عليه المادة /641/ عقوبات من أنه يجب أن يكون من شأن اتخاذ الاسم الكاذب أو الصفة غير الصحيحة خداع المجني عليه وحمله على تسليم المال؛ أي يجب أن يكون اتخاذ ذلك الاسم أو تلك الصفة هو السبب الذي حمل المجني عليه على تسليم المال. فإذا كان الاسم الذي تسمّى به الجاني أو الصفة التي ادعاها غير ذات أثر على المجني عليه، ومع ذلك قام بتسليم المال إلى الجاني، فلا تتوافر في هذه الحالة جريمة الاحتيال.

ولا أهمية بقيمة المال في قيام جريمة الاحتيال، إلا كظرف مشدّد في المرسوم التشريعي رقم/17/ لعام 2012 في المادة /21 فقرة ب/  إذا تجاوزت قيمة الضرر مبلغ مليون ليرة، وكذلك لا عبرة بكون المال له قيمة مادية أو مجرد قيمة أدبية كالخطابات والمذكرات الخاصة. 

الركن الثاني  – القصد الجنائي:

جريمة الاحتيال جريمة عمدية تتطلب توفر القصد الجنائي العام والقصد الخاص. ويتوفر القصد الجنائي العام فيها بعلم الجاني بأن الأفعال التي يأتيها يُعدّها القانون وسائل احتيال ومن شأنها خداع المجني عليه وحمله على تسليم المال. أما القصد الخاص فيتمثل في انصراف نية الجاني إلى الاستيلاء على الحيازة الكاملة لمال المجني عليه.

عقاب الشروع في الجريمة:

جريمة الاحتيال من الجنح التي يعاقب القانون على الشروع فيها. ويتوافر الشروع في هذه الجريمة إذا كان الجاني قد قام  بوسيلة من وسائل الاحتيال للاستيلاء على مال المجني عليه فاكتشف هذا الأخير تلك الوسيلة ولم ينخدع ويسلمه المال أو لم يكتشف المجني عليه هذه الوسيلة، ولكن الجريمة ضبطت وقت تسليم المال. وقد قرر المشرّع على الشروع في جريمة الاحتيال عقوبة الفعل التام.

خلاصة القول:

إن الاحتيال المعلوماتي بات معاقباً عليه في القانون السوري إن كان محله الاستيلاء على النقود أو أي منقول مادي آخر له قيمة مادية ولم يعدْ من مشكلة في عقاب الجاني, وقد كان النص واضحاً وصريحاً في تجريم الاعتداء على أموال الغير بالاحتيال والعقاب عليه.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.