تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الإطار القانوني للمعاملات الالكترونية (2):(تعيين هوية الأطراف وأهليتهم على التعاقد في شبكة الانترنت) في ظل القانون رقم (3) للعام 2014

مصدر الصورة
SNS

 

 

إن البحث في صحة التزام المتعاقدين في العقود التي تجري عبر شبكة الانترنت يدعونا إلى  التحري عن هوية المتعاقدين للتثبت من أهليتهم على التعاقد إذ أن الأهلية ركن أساسي من أركان العقد التي لابد من توافرها لكي ينشأ العقد صحيحاً ويكون ناجزاً بين أطرافه. أما ناقص الأهلية كالقاصر أو عديم الأهلية كالمجنون فلا يمكنه أن يلتزم لانتفاء قوة الوعي والإدراك لديه وهو ما نصت عليه معظم القوانين المدنية الوضعية وكرسته صراحة كشرط لانعقاد العقد ومنها القانون السوري في المادة /47/ من القانون المدني والتي تنص على أنه: (لا يكون أهلاً  لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقداً التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون).

وكان القانون والفقه يعتد بالإرادة الظاهرة في انعقاد العقد في العقود العادية المبرمة بين حاضرين حيث تظهر هوية المتعاقدين من خلال العلاقات فيما بينهم كإبراز الهوية للأشخاص الطبيعيين أو شهادة تسجيل الشركة للأشخاص المعنويين، لكن هذا المبدأ لا يصح في شأن العقود الجارية عن بعد بالمراسلة أو بأية وسيلة أخرى مماثلة، ومنها بالطبع شبكة الانترنت التي تواجه مخاطر التعاقد مع ناقصي الأهلية ومع القاصرين بشكل خاص الأمر، الذي يطاول أمن المعاملات والصفقات ويمكن أن يعرضها للبطلان.

فالأصل أنه لا يمكن للقاصر أو ناقص الأهلية أن يقوم بمفرده بأعمال قانونية دون واسطة ممثله القانوني الذي يكون أحد والديه في الغالب. وتهدف مثل  هذه الإجراءات إلى توفير قدر واسع من الحماية للقاصرين.

لكن معظم القوانين الوضعية فرقت بين القاصر المميز وغير المميز فأقرت معظمها بإمكانية قيام الأول بالتعاقد مع الغير على وجه صحيح وذلك في أحوال عديدة، في حين أنها تُجمع على اعتبار تصرفات الثاني باطلة وكأنها لم تكن، حيث جاء في القانون المدني السوري بالمادة/111/ منه: (ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله وتكون جميع تصرفاته باطلة).   

أما المادة/112/ فقد نصت على أنه:

 1- إذا كان الصبي مميزاً كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً وباطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً.

 2- أما التصرفات المالية  الدائرة بين النفع والضرر فتكون قابلة للإبطال لمصلحة القاصر، ويزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد أو إذا صدرت الإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقا القانون.

وإذا طبقنا هذه الأحكام والمبادئ القانونية بشأن العقود المبرمة عن بعد بواسطة شبكة الانترنت حيث يصعب التثبت من هوية المتعاقدين وبالتالي معرفة مدى أهليتهم على التعاقد على الوجه الصحيح نجد أنها تطرح إشكاليات قانونية على أكثر من صعيد.  

فالعقود المبرمة عن بعد من قبل مستخدمي شبكة الانترنت غير المميزين هي أولاً باطلة بطلاناً مطلقاً ومنعدمة الوجود. أما العقود المبرمة مع القاصرين المميزين فإنها تبقى عرضة للإبطال من هؤلاء أو من قبل ممثليهم أو ورثتهم أو المحكمة إذا توافرت شروطه، وذلك في القوانين التي لحظت هذا الحق  كالقانون السوري  والذي حصر حق الإبطال بالقاصر دون المتعاقد الآخر.

وفي الدول التي أجازت للقاصرين المميزين التعاقد في مجال الأعمال اليومية أو الاعتيادية كالقانون السوري والقانون الفرنسي، فإنه قلما تطرح صعوبة لجهة اعتبار العقود التي تنشأ في شبكة الانترنت مشمولة ضمن الأعمال الاعتيادية أو اليومية لاسيما أن معظم السلع التي يمكن شراؤها عن بعد بواسطة الشبكة غالباً ما تكون من الأموال الاستهلاكية العادية المتدنية الكلفة نسبياً مثل أجهزة الحاسب أو النقال أو البرامج أو الكتب أو الألعاب أو غير ذلك.

لكن الإشكالية الأبرز التي تثيرها العقود التي يبرمها القاصرون عن بعد تُطرح من زاوية مسؤولية هؤلاء إزاء المورّدين الذين اعتقدوا عن حسن نية بأن من يتعاقد معهم راشدون؛ بمعنى آخر هل يمكن للمورّد ذي النية الحسنة الذي اعتقد بأنه يتعاقد مع راشد وكان في الواقع يتعاقد مع قاصر أن يقيم دعوى على الأخير أو على وليه أو ممثله الشرعي على أساس الأضرار اللاحقة به؟

القانون السوري كان واضحاً في هذه المسألة، وكما سبق في المواد المشار إليها آنفاً، يمكن أن توجه الدعوى إلى الولي أو الوصي أو القيّم عملاً بالمادة/174/ من القانون المدني والتي تنص: 1ـ كل من تجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو حالته العقلية أو الجسمية يكون مُلزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز.

2 ـ ويعتبر القاصر في حاجة للرقابة إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته، وتنتقل الرقابة على القاصر إلى المعلم في المدرسة أو المشرف في الحرفة مادام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف، وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج.

3ـ ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسؤولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية.

ولكن السؤال الذي يُطرح هنا، ما هو نوع المسؤولية التي تقوم؛ هل هي مسؤولية عقدية بالاستناد إلى العقد الباطل أو القابل للإبطال، أم مسؤولية تقصيرية؟

فالقانون الأمريكي (والقانون السوري)، الذي يجيز للقاصر التراجع عن العقد الذي أبرمه، يحمله في المقابل مسؤولية  تقصيرية وليس عقدية على أساس الأضرار التي سببها رجوعه، والتي تبقى مستقلة عن العقد. ويرمي القانون الأمريكي إلى تمكين المتعاقد ذي النية الحسنة من إجبار القاصر على تنفيذ موجبات عقده ولكن على أساس المسؤولية التقصيرية، حين لا يكون بإمكانه ذلك على أساس المسؤولية العقدية. ولكن لأسباب تتعلق بانعدام ملاءة القاصرين إجمالاً،  تتجه الأنظار نحو أولياء هؤلاء القاصرين أو ممثليهم لكونهم أكثر ملاءة. فبموجب المسؤولية العقدية لا يسأل الأهل من حيث المبدأ عن عقود أبنائهم القاصرين؛ إما لانعدام العقد أصلاً  إذا كان القاصر غير مميز أو لأن إبطال العقد حق محصور للقاصر المميز إذا كان بالغاً خمسة عشرة عاماً. لكن بعض المحاكم الفرنسية لجأت إلى مفهوم "الوكالة الضمنية"، فاعتبرت القاصر بمثابة الوكيل عن والديه  فقضت مثلاً بأن بائع سلع متدنية القيمة للأطفال بالمراسلة يمكنه أن يدلي بوكالة القاصر الظاهرة والضمنية والشفهية عن والديه، حتى أن المادة /1990/ من القانون المدني الفرنسي لحظت صراحة إمكانية تصرف القاصر بصفة الوكيل. وهذه الطريقة يلجأ إليها البائعون عن بعد إذ أن نظرية الوكالة الضمنية تجيز لهم الادعاء مباشرة على الأهل، أولاً، باعتبارهم أكثر ملاءة، وثانياً، لأن الأهل لا يلتزمون بالموجبات التعاقدية التي يجريها  أطفالهم القاصرين.

أما القانون الانكليزي فإنه يفرق بين حالتين:  

1 – العقود البسيطة التي يبرمها القاصر عبر شبكة الإنترنت مثل الكتب أو الاسطوانات والأطعمة لا يجوز الحكم بإبطالها.

 2 – العقود الأخرى ذات القيمة الكبيرة مثل السيارات والشقق السكنية وغيرها، فإنها تخضع للأصل العام بإبطال هذه العقود لمصلحة القاصر حتى لو تضرر التاجر أو المتعاقد انصياعاً لأحكام النظام العام.     

          وحسب القانون السوري رقم /3/ لعام 2014 في المادة/17/ فقرة /ب/  ينبغي على مرسل الرسالة الإلكترونية الموجّهة إلى المستهلك أن تتضمن هوية المرسل أو من يمثله بطريقة معتمدة. فإذا قام القاصر بمخالفة هذا النص قامت مسؤولية متولي الرقابة عليه حسب المادة السابقة. أما إذا كان من خالف النص هو المورّد فإنه يتحمل تبعة خطأه وإهماله وعدم احترازه في التثبت من هوية المرسل.

          وتبقى إشكالية أخرى تطرحها العقود المبرمة عن بعد مع القاصرين بشأن المورّدين الذين يعرضون أو يبيعون عن بُعد سلعاً أو أدوات ذات طابع خاص، وهي توجب على هؤلاء المورّدين التأكد من سن المتعاقد عن بعد. فإذا تصورنا مثلاً أن قاصراً اشترك مع موقع في الويب يقدم خدمات بيع وشراء الأسهم المالية أو معلومات حول البورصة مستعملاً في تسديد قيمة الاشتراك بطاقة الائتمان العائدة لذويه، أفلا يكون بموجب القواعد الواردة في القانون السوري ذلك العقد باطلاً؟  

بالمبدأ القانوني النظري الثابت والمستقر هو باطل. ولكن الصعوبة تثور عند إمكانية التثبت بشكل قاطع أن من استخدم الإنترنت المتعاقد هو القاصر أو ذويه أصلاً. من هنا كان لجوء القضاء الفرنسي إلى نظرية الوكالة الضمنية كأحد السبل لتلافي هذا الافتراض.

ونلقي الضوء على مسألة أخرى متعلقة بالأهلية، وهي القدرة على إلزام أرباب العمل بمضمون الالتزامات التي يجريها العاملون تحت إمرتهم باسمهم. وهذه المشكلة تُطرح من زاوية أنه إذا كان على المورّد عبر شبكة الانترنت التحقق من صلاحية الأجير في عقد الصفقة ومعرفة ما إذا كان مخولاً إلزام الشركة أو رب العمل، بالعمل الذي يقوم به؟

فالأصل أن سلطة إلزام الشركات والتزامها محصور بالمدير المفوض الذي بمقدوره أن يفوّض العاملين لديه إذا كان النظام الأساسي للشركة أو كتاب التعيين يجيز له ذلك التفويض. فإذا أقدم العامل على التعاقد  بناء على هذا التفويض فلا مشكلة، أما إذا كان المدير غير مخول بالإنابة أو التفويض، فإن القانون المدني السوري في المادة /674/ منه ينص على أنه:

إذا أناب الوكيل عنه غيره في تنفيذ العمل دون أن يكون مرخصاً له في ذلك، كان مسؤولاً عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه. ويكون الوكيل ونائبه في هذه الحالة متضامنين في المسؤولية. 

ويرى بعض الفقه الأخذ بمذهب القضاء الفرنسي، وهي نظرية الوكالة الظاهرة حيث يصح أن يعتقد البائع أو المورّد بوجود هذه الصلاحية لدى من يتعاقد معه، وأن يصدق الأمر،لاسيما وأن الاجتهاد الغربي يعتبر البيع يكون صحيحاً ضمن الحدود التي توجب على البائع منطقياً الشك في أهلية أو سلطة الأجير في الطلب عن بعد باسم رب عمله. وفي قضية طُرحت في فرنسا أن العامل قام بحجز غرفة في فندق مستخدماً التلكس دون إذن صاحب العمل، فقضت المحكمة التجارية بإلزامه بالحجز معتبرة أنه كان بإمكانه التحقق من حصوله لو كان أجرى مراجعة لنسخ التلكس المحفوظة لديه فيسارع إلى إلغائه، وهذا هو مذهب القانون الانكليزي ويسير القانون الأمريكي على ذات المنوال.

أما القانون السوري فقد  اعتبر أن الرسالة صادرة عن المرسل في الأحوال التالية الواردة في  المادة/6/ من القانون رقم/3/ لعام 2014 على أنه: تعدّ الرسالة صادرة عن المرسل ويحق للمرسل إليه أن يتصرف على أساس هذا الافتراض:

1-   إذا كان المرسل هو الذي أرسلها بنفسه أو أرسلت من شخص له صلاحية التصرف نيابة عن المرسل.

2-   إذا أرسلت من وسيط الكتروني ينوب عن المرسل.

3-   إذا استخدم المرسل إليه نظام معلومات الكترونياً سبق أن اتفق مع المرسل على استخدامه لهذا الغرض للتحقق من أن الرسالة الإلكترونية صادرة عن المرسل.

ب – لا تسري أحكام الفقرة الأولى من هذه المادة في الحالات التالية:

1-   إذا علم المرسَل إليه أو كان بوسعه أن يعلم أن الرسالة الإلكترونية لم تصدر عن المُرسل.

2-   إذا كان هناك اتفاق بين الطرفين على غير ذلك.

 ونظراً لخلو القانون رقم /3/ من أحكام تفصيلية تحدد ما تم الإشارة إليه من مسائل تتعلق بالأهلية، والاكتفاء بالإحالة على ما ورد في القوانين والأنظمة النافذة ذات الصلة وذلك بموجب المادة /24/ منه، فإن القواعد المطبقة على العقود التقليدية والتي تمت الإشارة إليها فيما سبق، تعدّ سارية على العقود الإلكترونية في هذا المجال.

                                                                

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.