تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الروائية اللبنانية إلهام منصور .. تركت الهاتف يرن

محطة أخبار سورية

 

تحاول الروائيّة اللبنانيّة إلهام منصور في روايتها «تركت الهاتف يرنّ» رصدَ أحوال وأوضاع لبنان في العقود الأخيرة،.

ذلك عبر شخصيّاتها التي تحوك قصصها وسيرها بالموازاة مع سيرة بيروت. تبادل الكاتبة السرد بين شخصيّتين رئيستين «الروائيّة ليال، والناقدة أمينة العبد»، تستلم كلّ واحدة منهما زمام السرد من الأخرى بالترتيب، تروي تفاصيل علاقتهما المشتركة، تفاصيل جلساتهما، تحلّل كلّ واحدة منهما شخصيّة ونفسيّة الأخرى، تنشأ بينهما ما تسمّيه الكاتبة «عداقة» وهي مزيج من الصداقة الظاهرة التي تستبطن عداوة مضمرة. تتطوّر الصداقة بالتناسب مع العداوة في قلبيهما. يكون هنالك اختلاف في التفكير والذهنيّة بينهما، فكلاهما أستاذة جامعيّة، لكن تتمتّع كلّ واحدة بمزايا تختلف عن الأخرى، فليال امرأة متحرّرة، أنيقة، تغدو مركز الجاذبيّة أينما حلّت، على العكس من أمينة، التي تتمتّع بحظّ قليل من الجمال، علاوة على تكبّرها، وتصنّعها. تكون نقطة التحوّل في شخصيّة أمينة، عندما يتخلّى عنها عشيقها «هادي» الذي يكون مفكّراً كبيراً، يغرم بليال بعدما يلتقيها، ينسّبها إلى الحزب، ويسلّمها أحد المناصب القياديّة فيه، ما يولّد الغيرة القاتلة في قلب أمينة التي تسعى بكلّ كيدها وجهدها لاسترجاع حبيبها الذي يرفض العودة إليها، ويصرّ على إبقائها صديقة عاديّة، فتشعر بأنّ ليال هي السبب في ذلك، تحقد عليها، وتصرّ على التقرّب منها ومداومة التواصل معها، لإبراز ثقتها بنفسها، واكتشاف الألغاز التي تحبّب الرجال بها، والانتقاص من قدرها وقيمتها في كلّ محفل. تبقى الناقدة أمينة على عداوتها لصديقتها اللدود ليال، حتّى بعد اغتيال المفكّر هادي في أحد شوارع بيروت، تسعد للمشاعر التي تغدقها ليال عليها، بجعلها مركز الاهتمام، وإشعارها وجميع من حولها بأنّها الأولى بميراث هادي، وأنّها الأقرب إليه، تشعر بأنّ الموت تكفّل بإعادة هادي إليها.

 

عوالم المثقفين ‏

تقتحم الروائيّة عوالم المثقّفين، تكشف حيلهم فيما بينهم، تحلّل دوافعهم، تقدّمهم كما هم، بعيداً عن أيّ تلبيس مغاير، لا تقدّس ولا تدنّس أحداً، تقدّم المفكّر الشهيد بصورته البشريّة، ينتقل من امرأة إلى أخرى، تقدّم الفساد الحزبيّ في مرحلة معيّنة من تاريخ لبنان.. كما تقدّم شخصيّاتها كعيّنات مجتمعيّة منها: الناقدة «الحاقدة»، وابنتها «سهام» الطيّبة، وزوجها المخدوع وديع، إضافة إلى أصدقاء مشتركين، عيسى، هدى، حسنية، هاني، محمّد، طارق... ‏

تصوّر إلهام منصور جوانب من الحياة الاجتماعيّة لسكّان بيروت الذين آثروا البقاء فيها أثناء الاجتياح الإسرائيليّ لبيروت في 1982م، كما تصوّر معاناة السكّان تحت القصف والحصار، تشير إلى شراسة المقاومة التي أظهرها اللبنانيّون بتلويناتهم وتنويعاتهم كافّة في الدفاع عن بيروت، وكيف أنّهم توحّدوا، تناسوا خصوماتهم المزمنة في سبيل بلدهم، تقدّم صوراً من التحدّي الذي دفع بالعدوّ إلى الانسحاب، أمام إصرار المقاومين على الدفاع عن بلدهم.. تتناهب شخصيّاتها أسئلة من قبيل الاستفسار عن دورها في الحرب الطاحنة التي تلت تحرير بيروت من الإسرائيليّ، ودورها في تلك الحرب التي كانت رحاها تدور في الطرقات والأزقّة وبين الأبنية أو حتّى بين طوابق البناية الواحدة، ليكون لكلّ شخصيّة جوابها العمليّ المختلف. لكنّ الكتابة تشكّل ملاذاً آمناً لليال التي تستعين بها منتصرة لنفسها وواقعها ومدينتها. بالموازاة، تحضر سورية في روايتها، حيث تكتب عن جوانب من سياحة بطلتيها في عدد من الأماكن السياحيّة في سورية، دمشق وتدمر، برفقة الروائيّ حنّا مينة، ومن هنا يمكن استشفاف جوانب سيّرية في الرواية، ولاسيّما أنّ الكاتبة تتقمّص شخصيّة ليال التي تشابهها كثيراً، من حيث تاريخها ودراستها وميولها وموقعها، وما يكرّس هذا الشعور عند القارئ استعانتها بأسماء حقيقيّة لكتّاب ومفكّرين عربٍ، اتّصلوا بها، أو تواصلوا معها، أو كتبوا عنها، منهم مثلاً: «حنّا مينة، مطاع صفدي، الطيّب تيزيني...» وغيرهم أيضاً، مع تلاعبها الروائيّ بأسماء شخصيّاتها ممارسة الإبدال في الأحرف، أو مغيّرة فيها بشكل كامل، ما يقرّب الرواية من السيرة، ويلغي الفاصل بين الواقع والرواية، وقد يوهم بأنّ الكاتبة تخلّت عن حياديّتها كروائيّة، ومارست التلاعب بشخصيّاتها وفق توجّهاتها. أي أنّها استعانت بالإيهام تارة والإيحاء تارة أخرى. قدّمت شخصيّات روائيّة متقاطعة مع عيّنات واقعيّة مسمّاة حيناً، ومتهرّبة من التسمية الصريحة حيناً آخر.. ولربّما يتبادر إلى القارئ أنّ الروائيّة تقدّم كشفاً بالحساب، أو «تصفية» للحساب، لكنّ الحِرَفيّة في التحبيك والإقناع، والغوص في دواخل الشخصيّات، تضفي على الرواية مسحتها الفنّيّة، وتفتح لها آفاقاً أرحب في المقاربة والقراءة.. وما يغني القراءة طرح الروائيّة على لسان شخصيّاتها آراء وتنظيرات في الأدب والفكر والفنّ، تحتمل الأخذ والردّ، تعيد فيها تعريف الإبداع والنقد، تتحدّث عن أهميّتهما في العمليّة الإبداعيّة المتكاملة.. ‏

في نهاية الرواية تقرّر ليال كتابة روايتها مع أمينة، متسائلة: «هل نموذج أمينة يمثّل كلّ مفهوم الآخر؟»، ومؤكّدة أن: لا. لكنّه نموذج يزوّدها ببعض الحكمة مضيفاً إلى مكتسباتها تجربة تصفها بأنّها جديرة بنقلها إلى الكتابة لتشكّلها على هواها، مازجة بين الواقع والخيال في رواية، كما تقول، قفز عنوانها مباشرة إلى ذهنها، مستلهمة من استعمالها في حياتها وروايتها أكثر من مرّة، وهي «تركت الهاتف يرنّ»، ليستمرّ الهاتف في الرنين من دون أن ترفع السمّاعة أو تفتح الخطّ لتجيب، لأنّها تقرّر ردّ الاعتبار لنفسها، وإظهار وعرض ما يعترك في دواخل الشخصيّات، لتترك الحكم للقارئ، بعدما تستعرض ما كان وكيف كان.. ‏

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.