تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مالفا:الوطن لم يفارق ألواني وروحي ولغتي

محطة اخبار سورية

«علينا أن نبدأ بترميم الفراغ الذي توقف عن الحياة في حضاراتنا الكبيرة، عندها نكون قادرين على أن نشارك في صياغة عوالم حقيقية للتطور.. والاستمرارية.. كثيرة هي الجدران التي تقف أمام طموحاتنا، والبكاء على الفراغ لا يكفي.. لنحمل هذا التاريخ الذي لا يزال ينبض في داخلنا إلى العالم بلغة عصرية ومتحضرة في عصر كهذا، عصر قابل لكل الاحتمالات». هذا ما قاله مالفا «عمر حمدي» في أحد حواراته.

 

نبع من الألوان يتدفق على شكل شلال من أقواس قوس قزح متفرداً بأسلوبه، طائراً حراً لا يعرف الحدود يحلق عالياً في سماء لوحاته وخيالاته الجامحة، يعرف كيف يشكل لوحاته وكيف يوزع مفرداتها وأضواءها وألوانها بحيث تكون نهايتها ملأى بالسحر والجمال، مفعمة بلغة اللون، مفهومة ومبسطة، هكذا قدم «مالفا»- الذي استطاع أن يخترق الساحة التشكيلية العالمية بكل ثقة وجدارة- معرضه في غاليري آرت هاوس، حوار شيق جمعنا مع الفنان العالمي عمر حمدي على هامش معرضه الحالي فكان حوارنا مملوءاً بالمضامين والمعاني التي تكاد تخترق الزمان والمكان.

 

البداية كانت خارج المعرفة

عن التجربة الصعبة في البداية وحرق أعمال معرضه الأول والفرار إلى المجهول قال مالفا: في الطفولة تختلف النسب والمسافات، تبدأ وهي خارج الأفق المملوء بالقيم والاتجاهات، فطرية في ذاتها، مثل جدار الوحل ينتظر المطر، كان اللوح الأسود الذي تعلمت عليه القراءة والحساب هو المكان الذي تناول أول الخطوط، مثل جوانب الكتب والدفاتر الصغيرة المهترئة، البداية كانت خارج المعرفة طقوساً مازلت أعود إليها في زياراتي لتاريخ الشعوب قبل التاريخ. ثم كانت دمشق مدينة الأسماء وتقاليد الفن، كان المعرض الأول ثم حرقته بعيداً عن التردد والخوف، سبع سنوات مضت وأنا أنتظر الخروج إلى ذلك الأفق المستقيم ثم كان البحر من بيروت وزورقاً لصيادي السمك إلى قبرص ثم فيينا، اثنان وثلاثون سنة من الاغتراب، من الاحتواء وتراكمات الوطن الذي لم يفارق ألواني وروحي ولغتي وكبريائي، وحيداً أحمل اسمي ثم مالفا، ثم اسمي ثانية، أوروبا، أميركا، وغيرها... حملت لوحاتي من هذا القادم من مركز التاريخ، من مركز السلام، وقيم الإنسانية الكبيرة التي ندافع عنها في كل مكان، إننا قادرون على المشاركة في صناعة لغة التاريخ والحضارة في هذا العالم، العالم المملوء بالتحولات والصراعات والمصالح، عالم يصنع تاريخه كما يريد، وكما يراه مناسباً لرؤيته ومصالحه، عالم أقدمه في أعمالي باللغة التي تفرض نفسها على اللون والقماش، عالم أدافع فيه عن نفسي بأني أنا السوري «الكبير» وجدير بما أقدمه أو أضيفه إلى المخزون الإنساني، بأن اللوحة لغة حوار، لغة الوصول إلى المركز، مركز الفراغ بين الإنسان والخالق، بين الإنسان والآخر، مركز الوصول إلى الحقيقة.

 

اللون هو كل شيء

وعن اللون قال حمدي: اللون هو كل شيء، هو جغرافية المكان، والثقافة والمخزون البصري، هو هذا الاحتراف الطويل مع التجربة الطويلة، بأسراره ولانهائيته. هو المغامرة الكبيرة لمعرفة الذات ومعرفة اللغة المفتوحة على هذا العالم. «اللون …اللون… كلّ شيء هو لون … يولد مع فتحة العين وينتهي في المكان الذي ولدت فيه».

 

من أجل هذا الكون

أما بالنسبة للالتزام بالفن فقال: الالتزام بالفن من رؤية العمل الإبداعي، هو قدر ولد في الداخل ليكوّن مسؤولية، شهادة عصر، وثقافة إنسانية في صناعة الحضارة والتاريخ، لقد كان الفن دائماً ذلك الوجه الآخر للخلق واستمرارية هذا السر الكبير في الديانات المقدسة في بقاء التاريخ منذ ولادته، في محاور السلام بين الشعوب، محاور بقيم جديدة ومتطورة للعصر والتقنيات الحديثة، من أجل هذا الكون، ومن أجل قدسية الحياة من أجل عالم بلا حروب، عالم جدير بالحياة.

العالم لا يزال يخجل من نفسه

حين يقرأ اسماً عربياً

وعن اسم «مالفا» يقول حمدي: مالفا... كان في هواية لأم عجوز مع التربة في رواية لأنطون تشيخوف، ثم اسماً للعشق، للطفلة وللوحة، وفي السنوات الأولى في فيينا بديلاً من «عمر حمدي» لأن العالم لا يزال يخجل من نفسه ومن حساسيته حين يقرأ اسماً عربياً على زاوية لوحة تعلق في صالات عرض أو متاحف.... عالم أحاول خرق قيمه الموروثة والخاطئة تجاه الآخر، عالم أذكره بأن الأبجدية بدأت من هنا، وبأن التاريخ لم يختر مكانه هنا مصادفة. لا يزال الصراع، أو حوار الحضارات تائهاً بين الحقيقة والمصالح، لكن التاريخ باقٍ، واللوحة والحجر باقيان، والدفاع عن النفس باقٍ، لأننا نعشق الحياة، ولأننا ندرك بأن السلام للجميع، ومن أجل هذا السلام وهذا الحوار وهذا التواصل مع العالم، جدير بنا أن نعمل أن نرسم، ونكتب، ونرى ونصبر، والقادم هو مسؤوليتنا جميعاً، مسؤولية الحياة، كل على طريقته وتراثه، وثقافته، ومن هنا تكون الأرض الخصبة مفتوحة الأفق، مفتوحة التلاقي، مفتوحة الارتباط، ومفتوحة للتطور البشري بسلام واحترام وحق. مالفا اليوم شهادة «الشاهد» وجهاً يحمل تراكمات المعرفة، من الوطن إلى الوطن الآخر في الاغتراب، وجهاً يشبه شجرة زيتون، ورائحة التربة، حوار مع المستقبل عن الماضي، ومشاركة في المسيرة، مسيرة السلام والعدل والحقوق والتطور.

المربع «أجد فيه امتدادي كما أريد».

وعن حبه للمربع واعتماده على المساحات المربعة الكبيرة في لوحاته قال: المربع هو أصل الحضارات، من بناء وحساب وحرف والكمال. هو المكان الذي أجد فيه امتدادي كما أريد، هو سكني منذ البداية، يكبر ويصغر كما تكون اللحظة، «واقعي، تجريدي، انطباعي»، كما تكون اللحظة، لكنه في النهاية إنتاج متكامل من الثقافات والمؤثرات والذاتية، هو المحدد النهائي للرؤية ولسيرة الثقافة البصرية، ولسيرة المخزون الذي أحمل غناه وتجدده وبقاءه.

 

الوجه هو الوطن الذي أنتمي إليه

وعن رسمه للوجوه قال: أرسم الوجه من حين إلى آخر وهو واقعي، أو تعبيري، لا يهم، لأن الوجه حوار ولأنه قديم وجديد، إنه انتمائي. وهو الوطن الذي أنتمي إليه، هو الصمت المملوء بالحوار والتجربة، يستوقفك بهدوء يتأملك، ويستمر معك بأن تكون وتظل إنساناً.

بعد إقامة استمرت لأكثر من ربع قرن في العاصمة النمساوية فيينا متفرغا خلالها للعمل الفني بشكل كامل استطاع عمر حمدي أن يفرض نفسه واحداً من أهم الفنانين المعاصرين في وقتنا الحالي فكانت معارضه وملتقياته الفنية العالمية المحاكية للطبيعة والإنسان متولعاً بألوانه مغازلاً إياها فكانت عشيقته والضوء الذي استزاد منه حكمة ومعرفة متنقلاً من النمسا إلى إيطاليا مروراً بأميركا فكان المبدع في كل شيء.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.