تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إبداع سليمان العيسى في ميزان زوجته

 

 
 
سندباد لاتهدأ زوارقه، يجوب بحاراً ومحيطات، لاتحده شطآن وإن أغراه مرفأ شدّه الشوق إلى آخر، إنه سليمان العيسى الشاعر الذي أعطى الشعر معنى جديداً على شفاه أطفالنا، وثمة من يبحر في محيط هذا السندباد، بل إنه يبحر معه، إنها الاستاذة الدكتورة ملكة أبيض، المربية والأستاذة الجامعية ورفيقة دربه في الكفاح،وإليها كما يقول شاعرنا يعود نصف نتاجه الإبداعي.‏
 
جديد الدكتورة الأبيض صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان «سليمان العيسى في لمحات» ومن أجدر من رفيقة دربه بالكتابة عنه.‏
 
الكتاب كما تقول د. أبيض هو لمحات ولكنها مكثفة لأنها تقدم عصارة تجربة.‏
 
في مقدمة الكتاب وتحت عنوان بين الأدب والحياة كتبت تقول: ربما كانت الحياة تعني للبعض «الحياة الخاصة» بما تقتضيه من تلبية الحاجات المادية والمعنوية للفرد. كالدراسة والعمل وتحصيل مكانة اجتماعية وما إلى ذلك.‏
 
إلا أن الحياة عنت دائماً لسليمان العيسى شيئاً اخر، لقد اشتبكت فيها الاتهامات العامة بالاهتمامات الخاصة اشتباكاً وثيقاً حتى طغت عليها في معظم الأحيان.‏
 
ومنطلقه في ذلك هو ما ردده دوماً من أن السعادة الفردية لايمكن بلوغها في وطن متخلف مستبعد وأن تحقيق الإمكانات والطموحات الشخصية يسير جنباً إلى جنب مع تحقيق الأهداف الوطنية والقومية.‏
 
هذا ما عنته حياة الشاعر منذ فتح عينيه عليها:‏
 
التنديد بظلم الفلاحين وبؤسهم وحرمانهم في قريته. الوقوف في وجه سلب موطنه الصغير -اللواء- وتتريكه.‏
 
مقارعة الانتداب الفرنسي مع سورية والغزو الصهيوني لفلسطين، والاستعمارين الفرنسي والبريطاني للعديد من الأقطار العربية في المشرق والمغرب.‏
 
وقد تخللت حياته بعض لحظات الفرح إلى جانب تلك المشكلات والمآسي التي رافقتها، كانت هناك أفراح شخصية وأخرى عامة.‏
 
على الصعيد الشخصي كانت هناك الصداقات الحميمة والحب والزواج والأولاد ثم الأحفاد.‏
 
وعلى الصعيد العام كانت هناك الثورات التي انتشرت في معظم الأقطار العربية وأسفرت عن عدد من المنجزات أهمها الحصول على الاستقلال.‏
 
ولكن الخيبات تجاوزتها كلها حتى كاد اليأس يعصف بها أحياناً.‏
 
على أن إيمانه العميق بأمته كان يعيد إليه الأمل بعد كل خيبة، فما دام هناك كبار يحيون وينقلون آلامهم وآمالهم إلى الأطفال فإن الأطفال سيكونون خير من يتولى حمل الرسالة، وإيصالها إلى غايتها، وهو القائل بعد نكسة حزيران 1967.‏
 
أغني لهم، و لهم أكتب‏
 
لذا.. قلمي مورق‏
 
لذا.. دفتري معشب‏
 
وسأحاول في هذه اللمحة إعطاء شواهد عن انعكاس حياته الخاصة في نتاجه الأدبي، فتفاعله مع الأحداث العامة معروف على نطاق واسع.‏
 
وتقسم الكاتبة في دراستها مسيرة إبداع سليمان العيسى إلى محطات وتعرضها بإيجاز سريع ومكثف ومن ثم تقف في الإضاءات النقدية مع دواوين الشاعر بدءاً من ديوان فلسطين مروراً بديوان الثمالات وصولاً إلى آخر مجموعاته مع أراجيح تغني للأطفال.‏
 
ونجد أنه من المناسب أن نقدم إضاءات الناقدة على مجموعته أراجيح تغني للأطفال التي صدرت مع مجلة دبي الثقافية، وفي هذه الإضاءة تبين سر نجاح وانتشار سليمان العيسى كشاعر للأطفال، إذ تقول: نجحت أناشيد سليمان العيسى للأطفال في جذبهم لقراءتها وتكرارها وحفظها، بحيث أصبحت جزءاً من كيانهم وثقافتهم.‏
 
وبقيت تمدهم بالمفردات والمعاني والصور، بل وبالقيم التي توجه حياتهم أيضاً حتى سنوات متقدمة من عمرهم. وهناك شهادات كثيرة شفوية وخطية على ذلك. ما السر وراء هذا النجاح؟.‏
 
إن الشاعر يفسر ذلك بأنه يبذل جهداً كبيراً ليقدم في كل نشيد بل وفي كل بيت أحياناً معادلة يسميها: المعادلة الشعرية الجميلة وهي تقوم على العناصر التالية:‏
 
1- اللفظة الرشيقة الموحية، البعيدة الهدف، التي تلقي وراءها ظلالاً وألواناً وتترك أثراً عميقاً في النفس.‏
 
2- الصورة الشعرية الجميلة التي تبقى مع الطفل طوال حياته.. مرة يلتقطها من واقع الأطفال وحياتهم، ومرة يستمدها من أحلامهم وأمانيهم البعيدة.‏
 
3- الفكرة النبيلة الخيرة التي يحملها الصغير زاداً في طريقه وكنزاً صغيراً يشع ويضيء.‏
 
4- الوزن الموسيقي الخفيف الرشيق الذي لايتجاوز ثلاث كلمات أو أربعاً في كل بيت من أبيات النشيد.‏
 
كما يحرص على أن يتشابك في النشيد الوضوح والغموض، الواقع والحلم المحسوس والمعقول، الحقيقة والخيال.‏
 
وأنا أضيف إلى ذلك: إن الأطفال يحبون أن ينشدوا ويجب أن ينشدوا حين ينهضون من النوم صباحاً ويستعدون لبدء نهار يتطلب منهم الكثير من الجهد والتقيد بالنظام، وإلا ملؤوا البيت والمدرسة صراخاً وفوضى، وحين يجتمعون ويباشرون علاقاتهم بعضهم مع بعض وإلا سوف يفرغون طاقاتهم في التنافس على المكان الذي يجلسون فيه والأشخاص الذين يعنون بهم، وعلى الأشياء التي تتوافر لهم. الخ، وحين يلعبون في باحة المدرسة ويتحلقون دوائر دوائر يزيدها النشيد متعة وحماسة.‏
 
ولابد من الإشارة إلى أن الكتاب يقع في 312 صفحة من القطع الكبير، وهو من الدراسات النقدية المهمة التي تلقي الضوء على تجربة الشاعر الإبداعية، تقدمها د. أبيض وهي خير من رافق هذه الرحلة وعرف أسرارها ومحطاتها الإبداعية.‏

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.