تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حوار الأربعاء مع الروائي فـواز حـداد

 

 
بدءاً من روايته الأولى (موزاييك دمشق 1939، وتياترو 1949، وصورة الروائي، ثم الولد الجاهل والضغينة والهوى، مروراً بمرسال الغرام ومشهد عابر والمترجم الخائن، وصولاً إلى عزف منفرد على البيانو) آخر إصداراته، مايزال الروائي فواز حداد يحمل البريق الذي حمله في البدايات، بل إن رواياته مازالت تنبض بالتجدد والتوهج حيث يجتمع فيها الزمان والمكان، ويتعانق عبق التاريخ مع عطرالورد الدمشقي يغزلان قصيدة عشق اختزلها المكان في ذاكرته تاريخاً يحكي قصة مدينة عريقة بالحضارة. وبعيداً عن أجواء الكتابة والأدب يحدثنا فواز حداد عن الجانب الحياتي من شخصيته بقوله: ( حياة الكاتب في هذه الأيام لا تختلف عن غيره، ومن الطبيعي أن تكون اقل إثارة من كتاباته، وإن حاول أن يعطيها أبعاداً ابداعية، تدور في جوهرها وخباياها حول تأمين وسائل العيش، مع أن أفكاره تسرح في أرجاء العالم.
 
المأثرة الوحيدة هي المحافظة على كرامته، وعدم لجوئه إلى اساليب لا تليق بالقيم التي يحملها كإنسان وككاتب، فمن قبل كان الكاتب يخوض معاركه في الحياة وعلى الورق معاً. اليوم يعيشها على الورق، وربما إذا كان محظوظاً، من خلال وسائل الاعلام أيضاً، وهي مجالات فيما لو اقتصر عليها وحدها، تفتقد لمواجهة الحياة، ولا تتسع، إذا لم يكن لديه موقف، إلا لممارسة الادعاء، دون خسائر، مكاسب فقط. لذلك نرى الكثير من البطولات الوهمية والمعارك اللفظية، وهناك الكثيرين من الذين يعيشون الحياة يوماً بيوم، وهي حتى بشكلها البسيط تعرضهم إلى خيارات صعبة. لا يمكن تأمين العيش دون امتحانات مؤلمة، وأنا لا أشذ عن هؤلاء )..     
 
 
ورغم أنه بدأ الكتابة مبكراً إلا أنه لم ينشر في سن مبكرةً ولم يقدم نفسه للساحة الأدبية إلا عندما شعر أن كتابته استكملت مقوماتها، الأدبية وحول ذلك يوضح: (مضى وقت لابأس به قبل أن آخذ مسألة النشر بشكل جدي ومسؤول، والكتابة كانت في برنامج حياتي اليومي، ومن حسن حظي أنني لم أكتب كتباً أخجل منها، أو اختلق المبررات للدفاع عنها، فأنا راض عما أنجزته، والكتابة بالنسبة إليًّ، تعني العيش بشكل أعمق، وبشكل مجد ومقنع، والتفكير على نحو مختلف، أي أفكر بالآخرين مثلما أفكر بنفسي، والانشغال بإشكالات بلادنا العربية وهمومها، حيث لا يمكنني انتزاع نفسي من الواقع )
وإذا كان لايمكن للكاتب – من وجهة نظر حداد - أن يتجاهل ما يجري مهما كان متفائلاً، والواقع ضنين بالانصاف فإن الكتابة تبدو تحايلاً على الغبن الحاصل في الحياة ووسيلة لاصلاحه وإعادة الحق إلى أصحابه بحيث يبدو وكأن ما يفتقده الواقع توفره الرواية، غير أن ما ينجح على الورق لايؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض وانطلاقاً من هذه الرؤية يحضر السؤال ما الجدوى من الكتابة؟ وكيف يمكنها أن تكون اقتصاصاً للمظلومين فيقول: ( الكتابة في أحد جوانبها تعبير عن غبن حاصل، والرواية تكشفه دون أن تعوض عنه، والبشر هم المسؤولون عن تحسين شروط حياتهم، فعندما أقول: إن الرواية تقتص للمظلومين، أقصد أنها تساعدهم على فهم واقعهم، وتمنحهم رؤية أوسع من خلال حيوات الآخرين، إنها تجعلهم يرون حياتهم من الخارج والداخل، وتقدم لهم مبررات الاحتجاج والفعل، فالأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم، وقع غرمها على الناس العاديين، فقدوا وظائفهم، وباتوا يعيشون على الحد الأدنى، حياتهم تغيرت نحو الأسوأ. أما الذين كانوا سببها، فكسبوا من جرائها المليارات، وبعضهم نجا منها بخسارة بضعة ملايين. هذا بالنسبة إلى العالم المتقدم. ماذا بالنسبة إلينا؟ لابد ان نتأثر وبشكل سلبي)     
وتتمتع رواياته بأسلوب متميز يستشرف به الحاضر والمستقبل عبر التاريخ بمصداقية تعطي لرواياته راهنيتها وحول ذلك يضيف: (أهم ما يسمح به النظر العميق إلى التاريخ، أن الحاضر لن يخدعنا أو يتحكم بنا، فهو مهما كان قاسياً، فلن يكون مؤبداً، ولا قضاء صارماً. يطلعنا التاريخ على الكثير من هذا "الحاضر" الذي مرَّ، وخلَّفه غيره. والأهم أن بوسع البشر ألا يكونوا مجرد بيادق، أو يكرروا مآسيهم، أو يخضعوا للحروب والأوبئة والجائحات. الذهاب إلى التاريخ لا يعني الاستنقاع فيه، وإنما رؤية حركة البشر في الزمن، انطلاقاً من الماضي إلى الحاضر، ومن ثم ما يتطلبه منا نحن المكلفين بالذهاب إلى المستقبل؛ بمعنى أننا ملزمون بعدم التقاعس وإلا تردينا في الحاضر، ينبغي ألا نرى موطئ اقدامنا فقط، علينا التفكير بالخطوات التالية، يجب أن نكون جزءاً من العالم، لكن اي عالم؟ إن لم نسهم فيه، فسوف يأخذنا إلى مواقعه ومصالحه، كيف يسمع صوتنا، إن لم نرفعه عالياً؟ كيف يحس بنا إذا لم نحس نحن بوجودنا؟ الأمر ليس الاندماج به فقط، بل الـتأثير فيه أيضاً )   
ومن وجهة نظره فإن الرواية العربية لم ترق إلى مستوى الرواية الأوروبية، وبالتالي النقد لم يرق إلى مستوى النقد الأوروبي وهناك رؤية سطحية للرواية لايمكن الوثوق بها، وبعضهم لايعرفون كيف يتعاملون مع الرواية وفي حقيقتهم عاجزون عن عرض كتاب فكيف بنقده، وحول السبب أنه لم يتكون لدينا حركة نقدية تستوعب ما يكتب وتحلله تحليلاً موضوعياً يجيب: (الناقد ليس قارئاً ممتازاً فحسب، بل إنه الرجل الذي يعمل على خريطة هائلة، تحتوي على الأدب والحياة معاً. يستطيع اي شخص أن يكتب رواية أو قصة، أليس لدى كل واحد منا حياته، التي هي قصته الشخصية وهي مهما كانت صالحة كي يقرأها الآخرون، لكن هل لديه القليل من الخبرة كي يكتبها، فالنقد يحتاج عدا النظرة العميقة والخبرة الحياتية إلى الثقافة، ثقافة حقيقية. هذا كله لا يكتمل ويؤدي دوره إلا بقدر كبير من الأمانة، الناقد سلطة وينبغي أن تكون أمينة، وإلا قادته سلطته إلى الغرور، ومن ثم إلى الشر، ففي نظرة إلى تاريخ الأدب، نرى أنه لدينا عشرات إن لم نقل مئات الشعراء والروائيين والقصاصين، مع عدد محدود جداً من النقاد. لذلك لا عجب ألا يكون لدينا في بلادنا العربية سوى بضعة نقاد كبار، ويُنتظر منهم الكثير، ربما أكثر من طاقتهم، كرّسوا جهودهم للرواية، والأمل معقود عليهم، كي يقولوا لنا، بعيداً عن صرعات الاعلام، ما الذي يُكتب اليوم، وانتقاداتي كانت بخصوص الصحافة الثقافية، وكان رأيي أن يتحلى كتابها بالكثير من التواضع إزاء الأعمال الأدبية وعدم التورط في إصدار أحكام قاطعة وجائرة، أو تقريظية منحازة، الصحافة الثقافية دليل لعمل الناقد الذي لا يستطيع ملاحقة كل ما يكتب وإنما بالواعد وما يثير الفضول منها، الصحافة غالباً هي المسؤولة عن ترشيح العمل للمناقشة والمساءلة).
 
ويعتمد حداد في رواياتهً على الحوارات الداخلية للشخصيات ويسبر نوازع النفس البشرية بشفافية وعمق مما يغني هذه الشخصيات ويقدمها كائنات من لحم ودم، وعن التقنية التي يستخدمها في رسم شخصياته لتكون نابضة بالحياة يتحدثً: (الانسان ليس ما يقوله، وإنما ما يفكر فيه، وما يدور في داخله من حسابات ونوايا وأحلام وتوقعات، نحن للأسف مضطرون لمواجهة السلطات السياسية والاجتماعية بالتقية والأكاذيب، الكذب سلاح يشكل حماية لنا من تهديدات الحياة اليومية، نتخفى وراء زيف مظهرنا، بينما حقيقتنا تربض في داخلنا، ومع الزمن تصبح حقيقتنا هي وجهنا الزائف، لذلك المونولوج الداخلي هو المهيمن على شخصيات رواياتي، إنه الأصدق تعبيراً عنها سواء سلباً أو إيجاباً. كما أنه الجانب الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، لاسيما عندما يكون هو الدافع والمؤثر)     
ويرى أن أدب الرواد لم يخلُ من الجمال والفن وأن جيله لم يضف إليهم شيئاً كثيراً، لكن هذا الكلام يبخس الرواية السورية حقها خاصة وأنها لعامين متتالين ترشح لجائزة البوكر مما يؤكد حضورها، كما يؤكد أن جيلهم اختار الطريق الصعب وليس السهل، وقد جاؤوا إلى الرواية من مسالكها المعقدة وطروحاتها المتشعبة وإشكالاتها الفنية، وهنا يحدد السمات التي تتميز بها الرواية السورية، ويحدد موقعها من الرواية العربية والعالمية: ( سمح لنا أدب الرواد (محفوظ والعجيلي وحنا مينة والجابري وحقي...) أن نكتب رواية مختلفة تتشاكل مع عصرها، لولاهم لما استطعنا كتابتها، مهدوا لنا وبجدارة طريقاً صعباً، وقدموا أعمالاً روائية شامخة، مازال بوسعنا التعلم منها حتى اليوم، ومن المؤسف أن الروائيين الجدد يستهينون بها، يعتقدون أنهم مدينون للمترجمات، فيدورون في فلكها، ينتظرون الالهام من هناك. طبعاً الروايات المترجمة قدمت لنا تنويعاً على الموضوعات وإمكانات إضافية وموضوعات متحررة، وجعلتنا ندرك مدى تقصيرنا. وهذا بالذات ما حفز محفوظ لتدارك هذه الهوة بين الرواية العربية والرواية الغربية في رواياته التي تلت الثلاثية، استخدم فيها أشكالاً غربية بحرفية عالية، وجعلها تدخل في بنية الرواية العربية. يبقى أن نتذكر دائماً أن الغرب كتب رواياته الكبرى، والمطلوب منا أن نكتب رواياتنا، إن لم نكتبها نحن فلن يتطوع الآخر لكتابتها إلا من وجهة نظره، ولن تكون عنا بل عنه،وعندما أقول إننا اخترنا الطريق الصعب، فلأننا حملنا ارث من سبقنا مع مهمة إضافية متابعة مشوارهم بأن نكون على مستوى العالمية، لا أن نكون أسيري اللحظة الراهنة، وصدى لما يتردد على الضفة المقابلة، وبالتالي لا نكون مطواعين للرائج والأكثر مبيعاً. من طرف آخر، لم يتح لجائزة البوكر تقديم الصورة الحقيقية للرواية العربية، مازالت بحاجة إلى عدد كبير من الدورات حتى نستطيع الحكم عليها، وعن مدى تقيدها بالشروط التي وضعتها.
 
أمامها شوط طويل لكي تكتسب المصداقية. ليس هذا حال البوكر فقط، وإنما حال أي جائزة في العالم، وليس ثمة جائزة لم تتعرض للانتقادات، فيما بعد سمعتها الموثوقة تحميها، لذلك لابد من وجود نقاد لا تلعب لديهم العلاقات الشخصية دورها، ولا يتأثرون بدعايات الصحافة، ولا يعتنون بالتوزيع الاقليمي وأحجام الدول، اليوم يمثل الرواية السورية أسماء هامة (نبيل سليمان، خيري الذهبي، محمد أبو معتوق، ممدوح عزام، خليل الرز، نهاد سيريس، فيصل خرتش، ابراهيم الخليل.....) وهناك غيرهم، لا يقل جهد أحدهم عن الآخر، وهو السعي لكتابة رواية ترضيهم أولاً. أما الجيل الذي دخل الساحة منذ سنوات، فلا مبرر لوصف نتاجهم بالـ "الرواية الجديدة"، وهم يسيئون إلى أنفسهم إذا اعتقدوا أنهم يجترحون المعجزات بتنكرهم لمن سبقهم، لاسيما وهم لم يتمتعوا بعد بالنضج الكافي. ما يثيرونه من ضوضاء لا يفيدهم، بالعكس يؤذيهم، والقراء لن يفوتهم أن تلك الجعجعة لا تكافئ هذا الطحن. وإذا كان هناك ما يمتدحون من أجله، فهو التمتع بروح المغامرة المسؤولة، التي تتميز عن مثيلاتها العربية، لديهم اهتمام باللغة، وما يقولونه مختلف مهما كان هذا القول. ينبغي تشجيعهم على الاستمرار وعمل الأفضل، لكن على ألا يظنوا أن الاعلام بديل عن الجهد. لاسيما أن ما توفر لهم لم يتوفر لمن سبقهم. وإذا كانوا يتبجحون بإنجازاتهم فلا بأس، هذا حال القادمين الجدد، إنهم مستعجلون جداً )
 وبنظرة شاملة إلى نتاج الروائي حداد نراه مشغولاً دائماً بهموم كونية تشغل البشر في كل مكان كالإرهاب والصراع وحوار الحضارات والأديان وتصارع الأجهزة، سباق المكاسب، ينتقل من قضايا التاريخ والفساد بمختلف صيغه واساليبه، إلى فساد من نوع آخر. ومن تعرية التاريخ والراهن إلى تعرية الخطط المستقبلية التي تزعم أنها تأخذ على عاتقها تأمين عالم مثالي تنتعش فيه الحريات، فيبدو وكأنه تُحمل الرواية أكثر مما يمكنها أن تحتمل في هذا العالم المليء بالتشرذمات والتناقضات؟ وبالتالي ربما يكون التكثيف في الأفكار هو نشدان لخلاص ما غير مدرك يضمنه للرواية وهنا يقول: ( تمتاز الرواية عن غيرها من الأجناس الأدبية، أنها تتحرك فوق رقع متعددة، فسيحة جداً وإمكاناتها غير محدودة، تتسع للمتناقضات والتيارات المختلفة والعوالم الداخلية والخارجية والأهوال... وللهموم البشرية، وتؤكد على أنها في النهاية هموم ذاتية، من اختصاص الفرد، لا الدول والحكومات التي أودت بالبشر إلى معاناة حروب طاحنة (خاصة الحرب العالمية الأولى والثانية)، دفع ثمنها البشر ما لا يقل عن مائة مليون إنسان، والتساؤل هنا، لماذا لا تتصدى الرواية لهذه الأمور في هكذا عالم مجنون؟ هل ينبغي الكتابة عن الحب والجنس بمعزل عن السياسة وما يتمخض عنها من صراعات حمقاء؟ وقبل هذا وذاك، لا تزعم روايتنا، أنها الوحيدة ولا الأمثل، وإنما رواية أخرى بين كثيرات )
وفي روايته "عزف منفرد على البيانو " يتطرق فواز حداد إلى وسائل الاعلام وتركيزها على مايوافق سياسات القيّمين عليها وتهميشها لما عدا ذلك، ولكن كيف لوسائل الاعلام أن تمتلك حريتها في عالم اختلفت قيمه ومبادئه واتسعت الهوة بين التنظير لهذه القيم وبين ممارستها فيجيبً: ( منذ الحصار على العراق وحتى الآن تكشّف أن الاعلام الغربي خلال هذه الفترة لم يلعب دوراً بريئاً، كان في غالبيته، وبكل صفاقة، إعلام تمويه وخداع. اليوم الحرب مازالت مستمرة، وخلّفت مئات الآلاف من القتلى عدا ما اصاب البلد من دمار هائل، وفوضى وتفتيت للمجتمع، وتهديد للمنطقة. هذه الحرب قامت على الأكاذيب وساهم فيها الاعلام بنصيب وافر، حتى أننا نستطيع القول: إن الاعلام كان جزءاً لا يتجزأ من الحرب التي شنت على العراق، وهو الاعلام نفسه الذي ما زلنا نقاسي من انحيازاته ضد الفلسطينيين والعرب والاسلام. إن ما يرتكبه من أكاذيب وتضليل يرقى إلى مرتبة الجرائم، بمعنى لم تعد الصحافة السلطة الرابعة، ولا الفضائيات السلطة الخامسة، وإنما سلطات تابعة للأطراف الأقوى. والمثال الأقرب، في الحدث الذي عشناه عن قرب، حرب تموز في لبنان، ألم ينجح الاعلام في التشكيك بالانتصار الذي حققته المقاومة؟! الدليل أنه بعد مضي ثلاث سنوات مازال الكثيرون ينكرونه )     
ويطرح حداد عبر رواياته أسئلة تحتاج إلى أجوبة فهل يكتب ليبحث عن إجابات؟ أم يكتب كي يفهم ويتعلم؟ وبعد هذا التاريخ الطويل في عالم الرواية هل وجد أجوبة لأسئلته أم لا يجيب: ( باتت الأسئلة أكثر من قدرتنا على البحث عن إجابات عنها، يومياً نتعثر بإشكالات تطرح نفسها علينا، وإذا أردنا ألا ندّعي العلم والمعرفة، فهي تتراكم من حولنا، ومن حسن الحظ أنها مترابطة، لو استطعنا الاجابة عن سؤال واحد منها، فسوف نغلق عشرات الأسئلة. ربما وجدتُ بعض الاجابات الشخصية، لكن لابد من الانتظار، قد تسقط في امتحان الزمن لها، لذلك لا مبرر قويا للشعور بالظفر. الكتابة هي الخوض بما أشكل علينا، ومحاولة الإحاطة به، قد تشير إلى الداء، وتعلن إنذاراً، ربما كان انذاراً كاذباً. نحن بشر ومجرد أننا نحاول، قد نفلح. عموماً، ليس ثمة رواية تمتلك النضج وضعت حلولاً طويلة الأمد وناجعة، هذه ليست مهمتها، قد ترتأي لا أكثر. ولا نستغرب من أن هناك روايات أعلنت عجزها، وهذا امتيازها وسر خلودها. )      
ونقرأ في روايات حداد جرعة عالية من الجرأة في طرح الموضوعات وبشكل خاص في توصيفه لعلاقة المثقف بالسلطة، كما نقرأ إصراراًعلى بناء شخصياته من شريحة المثقفين فهل استطاع التحرر من هاجس الخطوط الحمراء أثناء الكتابة؟ وهل يحضر لديه أكثر الرقيب الداخلي أو الرقيب السلطوي: ( اخترت شريحة المثقفين، لأنني شئت ام ابيت أنتمي إليهم. وهذا ما يجعلني أتحرك بينهم بمعرفة وحرية أكبر، دون التقول عليهم. عدا أننا نحن المثقفين، يجب ان تكون لنا روايتنا الناقدة. هذا من دافع إيماني بالثقافة، كعملية تساهم في التغيير، ماذا لو كان بعض المثقفين أحد اسباب تعطيلها وتمييعها، بل والقرف منها. الثقافة ليست للوجاهة، وهو للأسف الوجه الذي يستثمر منها أكثر من غيره. أما الخطوط الحمراء، فلا تأخذ من تفكيري حيزاً كبيراً إلا إذا تقاطعت مع هواجسي الداخلية. ليس ثمة مشكلة معها ربما لأنها متبدلة ولا معايير واضحة لها، وتختلف من رقيب لآخر. في حين الرقيب الداخلي هو الأشد رسوخاً وإقلاقاً، إنه نحن بكل مخاوفنا وضعفنا وعجزنا، كذلك التقاليد الموروثة والنواهي العمياء والرواسب الآسنة والمخلفات المتبقية والشلل اللاإرادي. هذا ما اسعى إلى التغلب عليه، لكن ليس قبل ان افهمه ) .
 
 
فواز حداد ..
 
> روائي سوري ولد في دمشق، حصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، تنقل بين عدة أعمال قبل أن يتفرغ كلية للكتابة قبل عدة سنوات.
> من مؤلفاته:
موزاييك دمشق 39، تياترو 49، صورة الروائي، الولد الجاهل، الضغينة والهوى، مرسال الغرام، مشهد عابر، المترجم الخائن التي رشحت لجائزة البوكر 2008، عزف منفرد على البيانو، إضافة لمجموعة قصصية وحيدة " الرسالة الأخيرة"
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.