تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

النكتة التي أوقفت التتر .. ..قصة مدينة في يوم الأربعاء

حمص مدينة الشعراء التي شهدت لها عبقرية  فقيد الشعر نزار قباني عندما قال في إحدى الأمسيات في حمص ( لكم أنا نادم لأني لم أضع هذه المدينة على خارطة تجوالي ..) وهي مدينة الضحك والنكتة وخفة الظل التي تلاعبت بجاذبية نيوتن فتفردت بأوقيتها التي تزن 250 غراما مختلفة عن بقية المدن كما لو انها حذت حذو عاصيها العاصي لمنطق الأنهار العابرة سورية بمجراه المعاكس من الجنوب إلى الشمال وأهم ما تميزت به عدّ الأربعاء يوما للمرح لتعاكس تقليدا عربيا راسخا آنذاك يعدّ هذا اليوم بالذات يوم شؤم ونحس فيقول ابن الحجاج :

أقول اليوم الأربعاء وقد غدا            عليّ بوجه أغبر اللون قاتم

بعثت على الأيام نحساً مؤبّداً          بشؤمك يا يوم الندى المتحارم 

وهكذا عشعشت في الذاكرة الشعبية السورية علاقة حمص بالأربعاء ونوادرها . ويحكى التاريخ عن حميمية تلك العلاقة وطرافتها حتى بلغت درجة نعت أهل حمص بالمجانين في هذا اليوم وبالمجاذيب بعد التخفيف والتلطف وكان ذلك حملا على خفة الظل لا أكثر ولا أقل.
وأولى الحكايات تروي قصة تيمورلنك عندما اجتاح حلب واستباحها فتداعى أهل حمص للتداول في هذا الخطر الداهم المقبل مع الجحافل التي أحرقت الأخضر واليابس ليجدوا حلا للمأزق كان غاية  في الطرافة فاتفقوا على استقبال التتر في صورة كاريكاتورية فارتدوا أزياء غريبة الشكل مضحكة وراحوا يتفننون في الظهور بمظهر هزلي فعلقوا القباقيب على صدورهم كنياشين وحجبوا وجوههم بالغرابيل واعتمروا الجرار المكسورة واضعين اقراطا في آذانهم بأشكال مختلفة وبدؤوا يرقصون في استقبال الجيش بتهريج مفرط بالهزل وبالحركات البهلوانية . وفعل ذلك المشهد الهيستيري فعله ورسم علامات البسمة والدهشة على وجوه تيمورلنك ورجاله الذين بوغتوا بغرابة ما يشاهدون فسأل عنهم مستشاريه وعرف انه أمام أهل حمص فقدر أن وقته أثمن من ان يضيعه مع هؤلاء المجانين . ونجا الحمصيون بقليل من الجنون المدعى وتجاوزوا بطش الباطشين بهذا المشهد الذي اتقنوا تمثيله يوم الأربعاء .
هكذا دخلت الطرافة تاريخ حمص لتطغى على الموضوعية أحيانا إذ راحت ترد كل الحوادث إلى أساس طرائفي.

ويروى أيضا ان اهل حمص صلوا صلاة الجمعة يوم الاربعاء اثناء سيرهم للمشاركة في حرب صفين وهي يصادف الجمعة احد ايامها مما يمنعهم من اداء الصلاة كما قدروا .
ويذكر ان الاربعاء عيد لأحد آلهة الرومان وكان يحتفل به في منطقة الفرقلس التابعة لحمص العليلة ووصفت بالعليلة لطيب هوائها يصفها يا قوت الحموي بقوله ( ومن عجيب ما تأملت من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب المثل بحماقتهم ) وربما كتب صاحب معجم البلدان ذلك متأثرا بما ذكر من فساد الهواء والتربة ( ولكن ما عساه ان يكتب في عصر مصفاة البترول ومعامل الاسمدة ) وبالرجوع الى التاريخ قد نصدق كلام الرحالة الجغرافي لما عرف عن اهل حمص من شدة تقلب المزاج والمذاهب السياسية والدينية ومن الطبيعي ان يكون اهل حماة من مؤيدي ما ذهب اليه ياقوت الحموي -لأنه حموي- فيشيعون بجنون اهل حمص وحقيقة الامر ان ذلك يرتد الى شعور الحمويين بعسف سطوة الحمصيين وتبعيتهم لهم اذ كانوا دائما تابعين إداريا لحمص . ومن المعلوم ان اهل حمص اخذوا الفكرة لحبهم النكتة ليس الا , ذلك ان الضحك كما يقول رومين غراي ( هو علامة الكبرياء والاعلان بتفوق الانسان على كل ما يحل به ).
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.