تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حنين نمر.. مكافح عتيق على أعتاب الحلم والإنسانية

مصدر الصورة
SNS - بلدنا

 

محطة أخبار سورية

قرن من الكفاح.. اشتراكي الدم، شيوعي الطريق، حين يعمل يستقي من سبعة عقود من التجارب والمواقف والخبرات، وينهل دون شطط من أفكاره الضاربة في التاريخ جذوراً وفي المستقبل ثماراً. الحديث معه أشبه بالانكباب على موسوعة لتاريخ الأمم، وأقرب إلى صقل المهنّد بماء الذهب. روته الاشتراكية، وتحكم ثورته لذّة الحبِّ والتواضع.

حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، يقصّ رونقاً من عناوين حياته، ويحكي عن جمال النضال في أروقة الحكومات والمؤسسات الحكومية. في مكتبه، يعدّ قهوته بيديه، على الرغم من وجود الجميع حوله؛ فالحياة  لديه متحرّكة فاعلة، أما الخمول فهو الموت.. هي «أن تعيش لتحقيق هدف مهمّ ليكون لحياتك معنى». حبّه للحياة جليل، أكده ابتعاده عن التدخين.. «بعد صحبة عمر تركت السيجارة»؛ يقول كجدّ حنون حزن على حفيده. لا يريد حنين لشيء أن يقف في طريق مسيرته؛ فجدوى الحياة لديه هي أن تكون لك رسالة، تعمل على تحقيقها ونشرها وخدمتها، لتكون قدوة تنتشل الغارقين في براثن اللاحبّ، وتعيد المحلّقين في سماء اللاجدوى.. قضايا الناس همّه، ولايمكن أن يهدأ خاطره أبداً، حتى إنَّ النوم يفقد لذّته إذا لم يكن راضياً عمّا فعله طوال النهار. ابتسامته الهادئة والأقرب إلى ابتسامة الطفل، التي لا يمكن إلا التوقف أمامها، ترافق كلَّ جملة تنبع من تاريخه ونضاله: «تربيت في كنف عائلة شعبية فقيرة، على مبادئ من العطاء والإيثار والعصامية. عائلتي  كانت تكره المال، ولم نتأثر يوماً بقلّته، رغم أنَّ قلّته تجلب للناس أحياناً كثيرة الاكتئاب والشعور بالمذلة». وهنا يقف دفق إيجابية حبه، ليطفو أساس محاسبته الناس والحواجز التي تمنع سيل مسامحته: «تربّيت على أن أسامح الجميع، إلا الذين يأكلون أتعاب البشر ويمصّون دم الكادحين». وهؤلاء يحاسبهم دون حقد، وينسى إساءتهم؛ إذ يعتبر النضال الحقيقي يتجسَّد في أن يحقد على الحقد، وأن ينسى إساءة من أساء إليه، وأن يحاول أن يجد عذراً للمخطئ إن كان خطؤه يخلو من سوء النية. يعزو حنين اهتمامه الوراثي بالسياسة إلى عمّه، الذي وُلد وعاش في حاصبيا في لبنان، وخصّ من السياسة طرفها الاشتراكي والاهتمام بالإنسانية والشأن العام. قدرته على التذكّر عالية، وتعلّقه بالتفاصيل وتحليل التاريخ طبع الهدوء على تعابيره وإيماءاته.. «الاشتراكية بالنسبة إلى عائلتي لم تكن مجرد انتماء حزبي، بل أضحت مكوناً عضوياً من مكوناتها، لا يحول بينها وبينه إلا الموت. كان منزلنا يعجّ بالسياسيين من مختلف الآراء، حتى المتضاربة منها. وهذا التضارب لم يكن يُفسد للودّ قضية، ولم نكن متزمتين إطلاقاً. وكذلك حياتي كانت اشتراكية منذ اليفاعة». دخل حنين نمر معترك الحياة الشعبية والنضالية مذ كان في الابتدائية؛ حيث كان يعمل في كلّ صيف، حتى أنهى الثانوية فقط، ليؤمن احتياجات العام الدراسي القادم: «العطلة الصيفية ليست استراحة بل هي عمل». الالتزام والجدية في التعامل مع الواقع هو ما يقرؤه محادث حنين، وهو ما حفّزه بجدّ ليحصل على الشهادة المتوسطة والثانوية والإجازة الجامعية في الاقتصاد (1966) ودبلوم في الاقتصاد والتخطيط. يصمت قليلاً وهو يرتب بعض الأشياء على طاولة مكتبه المليئة بالملفات والأوراق، ثم يستأنف كلامه كمن استعاد حياته بأدقّ تفاصيلها في ثوان، مسترسلاً: «عمري الوظيفي 50 عاماً، تسلسلت بين معلم مدرسة حتى أصبحت عضواً لمجلس الشعب مرتين، مروراً بموظف للمصرف المركزي وفي وزارة الصناعة وشركة سيمكس للاستيراد والتصدير، ثم أصبحت مديراً لشركة الطرق، وبعدها مديراً عاماً لأضخم مؤسسة عامة في القطر، هي مؤسسة الحبوب، التي كانت تتبع إليها مطاحن القطر ومخابزه وصوامعه. وبعد التقاعد، أصبحت مستشاراً اقتصادياً لرئيس مجلس الوزراء». أما عمله النقابي فقد احتلَّ 20 عاماً من الخط الزماني في حياته، وانتخب عضواً في الإدارة المحلية وعضواً فنياً في الاتحاد العام للفلاحين. «لم أترك قطاعاً اقتصادياً أو شعبياً إلا واقتحمته»- يبتسم ويعدل نظارته: «أنا مرتاح الضمير والوجدان بأني مررت بكلّ هذه المسؤوليات، وعملت فيها بكلِّ جوارحي، وأعترف بأنني دخلت كلَّ هذه الوظائف فقيراً، وخرجت منها فقيراً».

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.