تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بسّام كوسا: الحداد لا يليق بإلكترا

مصدر الصورة
صحيفة الاخبار اللبنانية - sns

ربّ ممثّل رذله «بنّاؤون» مثل فواز الساجر، فصار حجر الزاوية في المسرح السوري طبعاً، إنما أيضاً في السينما والدراما على حدّ سواء. الفنّان العصامي الذي اشتغل على صقل موهبته كممثل، متجنّباً فخّ النجوميّة، لم يهادن يوماً المؤسسة الرسمية التي يرى أنّها تحدّ من جموح الحركة الإبداعيّة

في «مقهى القصر» في حلب، وقف مرتبكاً أمام لؤي كيالي، على أمل أن يساعده على الانتساب إلى كلية الفنون الجميلة. لكنّ التشكيلي الراحل، بعد الاطّلاع على رسوم الشابّ، نصحه بالاعتماد على نفسه. هكذا توجّه إلى دمشق، وانتسب إلى قسم النحت في الكليّة.
لكنّ الفنّ التشكيلي لم يبعد الشاب الذي خاض تجارب عدّة في مسرح الهواة، عن شغفه القديم بالمسرح. ذات يوم وجد نفسه بين 70 هاوياً، في اختبار لاختيار ممثلين ينضمّون إلى «فرقة المسرح الجامعي» التي كان يديرها المخرج الراحل فواز الساجر في سبعينيات القرن الماضي. نجح في الاختبار، وحصل على نسخته من سكريبت «رسول من قرية تميرة»، إذ كانت الفرقة تجري التمارين على العرض المقتبس عن مسرحية الكاتب المصري محمود دياب.
«بعد قراءة النص، وخلال التدريبات، كنت واثقاً بأنني سأكون بطل العرض، وفي أسوأ الأحوال، كنت أقول لنفسي: سأحصل على الدور الثاني». لكنّ صدمة بسام كوسا كانت كبيرة. بعد توزيع الأدوار الرئيسة، لم يختره فواز الساجر لأيٍّ منها. وحين سأله عن دوره، أجابه فواز بلا مبالاة «اختر دور الموظّف، أو دور الفلاح الثاني». كان الدوران ثانويّين جداً، وبالكاد تنطق الشخصيّة ببضع جملٍ عابرة. «لفرط الخذلان الذي أحسسته، ذهبت مشياً على الأقدام من الجامعة إلى غرفتي في باب توما. وفي الغرفة، رحت أفتّش طوال الليل عن الشخصية المقترحة. وبعد عناء، وجدت الدور، فقررتُ اختيار دور الفلاح الثاني، على الأقل يحضر في خمسة مشاهد، لا في واحد: الموظف». نال العرض نجاحاً ساحقاً، ولن ينسى الممثل الشاب تلك الجمل التي نطقها على الخشبة إلى اليوم.
سوف يُصدم بسام كوسا مرةً أخرى بفواز الساجر. بعد سنة على انتسابه إلى كلية الفنون الجميلة، تأسّس المعهد العالي للفنون المسرحية، فقرر أن يهجر كلية الفنون الجميلة، وينتسب إلى المعهد. لكنّ الساجر كان له بالمرصاد. أخبره أنّه إذا تقدّم إلى المعهد فسترفضه لجنة الاختبار. يتذكر تلك المرحلة بأسى، ومن دون ضغينة: «كان فواز الساجر وآخرون، يقدّسون المسرح أكثر من تقديسهم للحياة، وينافحون عن المسرح الجاد، بوصفه بديلاً للحياة، ومكاناً للتجهم، فيما كنت ولا أزال أفهم المسرح على أنه بديل للاضطراب الداخلي وإكسير لتنمية الروح لا قمعها». لا ينكر بسام كوسا أهمية تلك المرحلة، وتأثيرها الثقافي في أدواته كممثل. لكنّه في المقابل، خطّ طريقه بعيداً، وبخطوات بطيئة عبر أدوار صغيرة في السينما والتلفزيون، إلى أن لمع اسمه أخيراً كممثل من طرازٍ خاص، وذلك بناءً على تراكم معرفي وجهد شخصي، وقراءات عميقة، ومحاولات في كتابة القصة (أصدر مجموعة قصصية واحدة بعنوان «نص لص»).
لعل أبرز ما يميّز بسام كوسا عن أقرانه، أنّه اشتغل على صقل موهبته كممثل في المقام الأول، وابتعد في سلوكه اليومي عن مفهوم النجم. في هذا الباب على وجه التحديد، بإمكاننا تعداد أدوار كثيرة أدّاها بمهارة، سواء في السينما أو في التلفزيون: «ليالي ابن آوى»، و«الكومبارس»، و«تراب الغرباء»، و«نسيم الروح» في السينما... «الشريد» و«سيرة آل الجلالي»، و«الخوالي»، و«باب الحارة»، و«الانتظار»، و«عصر الجنون» في التلفزيون. يقول عن علاقته بمهنته «ما زلت حتى اليوم، أذهب إلى موقع التصوير، كأنني ذاهب في رحلة، بكل شغف المغامرة والاكتشاف».
يبذل بسام كوسا جهداً مضاعفاً لاقتناص سرّ الشخصية التي يسعى إلى تجسيدها. وحين لا يجد نفسه في الدور، يرفضه «من دون تردد». ويوضح الفكرة قائلاً «أشتغل على أدواري دائماً من موقع الهاوي. لكن بمجرد الوقوف أمام الكاميرا، أضع كل أفكاري عن الشخصية وراء ظهري، فالحسّ هو مخزون معرفي يظهر من تلقاء نفسه أثناء الأداء».
وحين نسأله عن أسباب انسحابه من مسلسل «باب الحارة»، رغم حضوره اللافت في جزئه الأول في دور «الإدعشري»، يرد ذلك إلى المسحة الفولكلورية والكتابة الأفقية التي طبعت العمل في أجزائه اللاحقة، ما جعل المسلسل «أقرب إلى حكايا الجدات». ومن جهة أخرى، يرفض بسام المشاركة في المسلسلات التاريخية رغم النجاحات التي حقّقتها، ويبرر ذلك قائلاً: «لست على استعداد لتمجيد تاريخ الأجداد والبكاء على أطلال الماضي، فالتاريخ كتبه الأقوياء ليعبّروا عن سطوتهم وتطلعاتهم، وتركوا جانباً كل ما يدينهم». ويضيف بنبرة تشوبها الحدّة فجأةً: «ماذا يعني أن نتغنّى بانتصارات الأسلاف، ونغضّ الطرف عن الهزائم التي نعيشها اليوم؟ أرفض التسليم بتاريخ أبيض ومقدّس، لم تلوّثه دماء المؤامرات والمكائد، والضعف والقوة، والحلم والقسوة». ولهذه الأسباب أيضاً، رفض دور بليغ حمدي في فيلم «مدّاح القمر» الذي يتناول حياة الملحن الراحل: «أعمال السيرة في صورتها الحالية تنهمك في تعقيم حياة الشخصيات وتنزيهها من الخطايا البشرية، أكثر من اهتمامها بكشف مسار الشخصية في أطيافها الحقيقية».
خاض بسام كوسا خلال مسيرته الطويلة معارك ساخنة مع المؤسسات الفنية الرسمية، واتهم قادتها بأنهم «يديرون هذه المؤسسات بعقلية المزرعة الشخصية». كما يرى أن مواقفه الحادة من هذه المؤسسات، تأتي من موقع الاختلاف على قضايا يعتبرها جوهرية في حياته: «لست متفرجاً حيادياً» يقول. ويبرّر هذه المعارك بأنها لم تكن يوماً على خلفيّة شخصية، بل إنّها تدخل في صلب اهتماماته كفنان في بلد «مبتلىً بالتوترات السياسيّة منذ قرون». ويستعير مقولة من محمد حسنين هيكل: «نحن أمة عقائد ولسنا أمة أفكار. ولعل في هذا السبب تكمن مشكلة تخلّّفنا المزمن».
شريط أعماله أشبه بمروحة واسعة من الشخصيات المتباينة. هذا الموسم يؤدّي شخصيّة بائع كتب مستعملة في مسلسل «العار» للمخرجة رشا شربتجي. كما يستعد لأداء دور «ديب الهادي» في مسلسلٍ آخر بعنوان «سحابة صيف» مع المخرج مروان بركات، يجسّد فيه شخصية فلسطيني من أصل أرستقراطي، يضطر أخيراً إلى الاعتماد على مساعدات «الأونروا» للحصول على حصته من الإعاشة.
ننهي حوارنا على عجل، ونؤجّل محاور أخرى في مسيرة بسام كوسا، فقد كان عليه أن يسافر إلى الجزائر لتكريمه في «مهرجان الفنك» في وهران.

 

                                                                                                                                   خليل صويلح



5 تواريخ

1954
الولادة في حلب، سوريا

1976
دراسة الفنون الجميلة (قسم النحت) في جامعة دمشق

1993
فيلم «الكومبارس» مع المخرج نبيل المالح، وجائزة أفضل ممثل من «بينالي السينما العربية» التي ينظّمها «معهد العالم العربي» في باريس

1999
شخصية «نصار ابن العريبي» في مسلسل «الخوالي»

2009
مسلسلا «العار» و«سحابة صيف» ــــ تكريمه في «مهرجان الفنك» في الجزائر


إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.