تؤكد المعطيات التي يتابعها المراقبون لما يجري في العراق بعد الانتخابات أن مصلحة العراقيين بفئاتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم السياسية كافة هي في التلاقي على مشروع مصالحة وطنية تجمع صفوفهم وتوحد تطلعاتهم لبناء عراق لجميع أبنائه المؤمنين به وطنا نهائيا لهم جميعا دون تمييز أو تفريق.
لقد آن الأوان لدعوة تجمع أبناء العراق على أسس ومبادئ وطنية تحفظ لكلٍ دوره ومكانته التي يحصل عليها بما يقدمه للعراق وليس بما يأخذه منه، وآن الأوان لأهل السياسة في العراق أن يستوعبوا المتغيرات الحاصلة على الساحة العراقية وما جاورها وأن يقدموا مصلحة وطنهم على مصالحهم الشخصية الضيقة.
فالعراق هذا الوطن العظيم الذي عانى أبناؤه ما عانوه من ظلم وعسف وجور عبر سنوات طويلة من تاريخه الحديث، والذي جاء الاحتلال ساعيا إلى تمزيقه وتقسيمه وتفتيت لحمة أبنائه تنفيذا لغايات وأهداف مرسومة تخدم أعداء العراق وأعداء العرب جميعا.
لقد أثبت العراق رغم الجراح التي أثخنته أنه عصي على التقسيم وأقوى من محاولات التفريق، وأن ما يجمع بين أبنائه أشد قوة من تلك الدعوات التي يطلقها أصحاب الارتباطات الخارجية في سعيهم المحموم نحو تنفيذ مخططات لا تريد الخير للعراق وشعبه.
إن المتغيرات التي يشهدها العالم اليوم والتحالفات التي تبنى على مصالح الدول كبيرها وصغيرها عقدت العلاقات الدولية إلى درجة أنها قلبت المفاهيم السائدة وخلقت مفاهيم جديدة هدفها الأول والأخير حماية مصالح الدول وإنقاذها من ارتدادات تسونامي الأزمة المالية العالمية التي عصفت باقتصادات الدول وحولت اهتماماتها إلى حماية نفسها بتقليل خسائرها إلى أقل قدر ممكن... كل هذه المتغيرات تدور في العالم وتقلبه رأسا على عقب في الوقت الذي ما زال فيه لاعبو السياسة في العراق يتلهون ويلهون العراقيين بطروحات بعيدة كل البعد عن منطق الأشياء، والأهم أنها بعيدة عن مصلحة العراقيين وما يرغبون فيه من العيش الكريم في كنف وطنهم العزيز.
إن احترام الآخر وحقه في الوجود هو أساس العملية الديمقراطية التي يتشدق بعض العراقيين بأنهم يدعمونها، آخذين منها ما يلبي مصالحهم فقط، أما ما بقي من قواعدها فإنهم ينكرونه غير آبهين بأن العملية الديمقراطية إما أن تؤخذ كلها أو تترك كلها، ولا يجوز لأحد أن يأخذ منه ما يريد ويترك ما يريد.
إن المصلحة الوطنية للعراق تتطلب التلاقي بين جميع أبنائه على أهداف وطنية ثابتة يتجمعون حولها في سبيل تحرير وطنهم وبنائه، وهذه الأهداف الوطنية لا بد لها أن تجمع أبناء العراق جميعهم دون أن تترك أحدا منهم يقبل بهذه الأهداف الوطنية ويشارك الآخرين الإيمان بها، بحيث تكون الأهداف الوطنية هي النقطة التي تصب فيها كل التيارات والقوى والفئات وتتلاقى عند هذه النقطة متناسية خلافاتها واختلافاتها لأن العراق ومصلحته أكبر من جميع المصالح الأخرى مهما كانت هذه المصالح تخدم فئة أو مجموعة تبقى جزءا من كل، والكل هو العراق الوطن الذي يجمع أبناءه ويسير بهم نحو مستقبل زاهر له ولهم
