تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

دخول أميركي على خط الإحتقان اللبناني

 

لم يحمل وزير الخارجية الأميركية جون كيري في جولته الرسمية الأولى إلى المنطقة، والتي دشّنها من أوروبّا، أيّ مشروع جديد لطرحه، كما كان يعوّل العديد من العواصم والأطراف.

 
لا بل على العكس، فهو أحجم عن إعطاء الضوء الأخضر لتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية تسمح لها باستعادة زمام المبادرة لا سيّما في ريف دمشق وحلب، حيث يُنفّذ الجيش السوري هجوماً واسعاً، ما أعطى الانطباع بأنّ واشنطن تفضّل تدشين المرحلة من خلال الإبقاء على نار خفيفة وليس عبر ما كان يعرف بإنضاج الحلول على نار الحرائق المستعرة.
 
لكن لهذه الحسابات الأميركية ما يُبرّرها، فمن جهة هناك الاستعدادات لإنجاز انسحاب أميركي آمن من أفغانستان، ما يتطلب تهدئة مع إيران، وتنسيقاً إلزاميّاً مع روسيا. ومن جهة ثانية هناك "الفورة الجهادية" التي يشهدها تنظيم "القاعدة" ومتفرّعاته لا سيّما في الشرق الاوسط وأفريقيا، ما يستوجب تنفيذ مراقبة صارمة لكلّ احتمالات تسرّب السلاح ووصوله إلى أيدي هذه المجموعات.
 
ففي خطاب الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً، بدا الشقّ المتعلق بالسياسة الخارجية شبه خاوٍ باستثناء التركيز على النشاط المتصاعد للمجموعات الإرهابية في المنطقة.
 
لذلك، حاول كيري في لقائه مع المعارضة السوريّة، التركيز على القضاء على هذه المجموعات، التي باتت تُعرَف بـ"جبهة النصرة"، ما سيسمح بحرّية أوسع للحركة الأميركية في مجال تزويد المعارضة السورية بالسلاح النوعي. وأمام إصرار زعماء المعارضة السورية على رفض ذلك بحجّة أنّه عمل سيؤسّس لتشتيت الجهود وإغراق صفوف المعارضة باقتتال داخليّ سيستفيد منه حكماً النظام السوري، كان الاستنتاج الاميركي بأنّ الإخوان المسلمين والتيّارات العلمانية، وعلى رغم أرجحيتها العددية، إلّا أنّها لا تتحكّم فعليّا بالقدرة الميدانية، فيما "جبهة النصرة" ومتفرّعاتها، وعلى رغم أعدادها المحدودة، تُمسك فعليّاً بالعصب القتالي على الأرض.
 
وتدرك واشنطن أنّ هذا الوضع المتشابك والمعقّد لا يلعب لمصلحتها في الصراع على سوريا. ذلك أنّ هذه التعقيدات البالغة الدقّة، سمحت لإيران بالإفادة من عامل الوقت، حيث نجح النظام في إنجاز شبكات مواصلات برّية جديدة خصوصاً في المناطق الشمالية وتلك التي تربط حلب بالمناطق الغربية، وهو ما يعني خلق واقع جغرافي آمن جديد، يسمح بإبقاء الطريق البرّية مفتوحة بين طهران وجنوب لبنان، وبالتالي تعزيز أوراق إيران التفاوضية بالنسبة إلى حدود دورها في المنطقة.
 
من هذه الزاوية، قرأ البعض في اغتيال المسؤول الإيراني أخيراً رسالة أميركية لجهة معارضتها تثبيت هذا الأمر الواقع، كون حسام خوش نويس كان يشرف على شَقّ هذا الطريق الآمن الذي يبلغ طوله أكثر من 130 كلم.
 
وسط هذه المعطيات، ارتفعت السخونة في لبنان ووصلت معلومات موثّقة إلى العواصم الغربية، لا سيّما واشنطن وباريس، تقول إنّ هذه المجموعات المتطرّفة أنشأت قواعد ثابتة في لبنان بهدف التحرّك قريباً ونقل المعركة ضدّ "حزب الله" الى الداخل اللبناني للتخفيف من ضغط إيران في سوريا.
 
وبدت الساحة اللبنانية، السريعة العطب في مسائل النزاع الطائفي والمذهبي، جاهزة لاحتضان صراع مكمّل للصراع الحاصل في المنطقة وخصوصاً في سوريا. وأمام خطورة الوضع، ذُكر أنّ اتصالات حصلت مع السلطات اللبنانية لاستيعاب المناطق المرشّحة لأن تشهد هذه المواجهات، وفي طليعتها صيدا.
 
وقبل ذلك بأسابيع، بدت واشنطن غير بعيدة عن توجيه نصائح ببدء استهداف الرموز "النافرة" على هذا المستوى. ومن هذه الزاوية حصلت "مواجهة" عرسال، المنطقة التي شكّلت نقطة تواصل كاملة بين الداخل اللبناني والجبهات السورية. يومها بدا للغربيّين أنّ الوقت أصبح متأخّراً بعض الشيء بسبب التداخل الكامل بين الساحتين السورية واللبنانية.
 
لذلك جاء من يقترح اتّخاذ تدابير عسكرية جدّية وصارمة على الأرض تترافق مع خطوات سياسية مُلحّة، لإزالة الأسباب التي تدفع بالشارع إلى احتضان هذه الحالات، مثل النزاع السياسي الحاصل في شأن قانون الانتخاب والمعارك العنيفة الدائرة حوله.
 
فالكلام الذي أطلَقَه أحد نوّاب كتلة "المستقبل" عن احتمال دعوة العناصر "السنّية" المنضوية في المؤسّسات العسكرية والأمنية بحجّة الدفاع عن جماعتهم، نزل كوقع الصاعقة على "الغربيّين" نظراً إلى العوارض الخطرة التي بدأت تظهر على الساحة اللبنانية والتي تذكّر بالحال التي سادت لبنان عشية الحرب الأهلية في العام 1975.
 
ووفق هذا المعطى ذكرت بعض المعلومات أنّ الديبلوماسية الأميركية ستباشر هذا الأسبوع تحرّكها للضغط على الفرقاء اللبنانيّين لإنجاز تسوية سياسية حول قانون الانتخابات. والعنوان الأساسي لتلك التسوية يُختصر بالانطلاق من المشروع الذي تقدّم به الرئيس نبيه برّي، بحيث ينتج هذا القانون مجلساً نيابيّاً متوازناً لا يمنح الأغلبية لأيّ من طرفي النزاع، أي تيار "المستقبل" و"حزب الله" مع إبقاء كتلة النائب وليد جنبلاط في موقع المرجّح أو ضامن التوازن، إضافة الى نسج تفاهمات ملزمة حول مرحلة ما بعد الانتخابات، بحيث لا تؤثّر نتيجة الانتخابات في التوازن المطلوب استمراره داخل الحكومة المقبلة، إلى جانب من سيشغل رئاسة مجلس النوّاب ورئاسة الحكومة، وأن يكون رئيس الجمهورية المقبل من الأسماء التوافقية.
 
وفُهم أنّ السفيرة الأميركية مورا كونيللي ستجول على بعض القوى، وخصوصاً المسيحية منها في فريق "14 آذار"، وتحديداً حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" لتأمين المناخ الملائم لذلك، على أن يجري إنجاز هذه التسوية قبل 22 الجاري بسبب المُهل الدستورية، وعلى أمل نجاح هذا المسعى، ممّا ينزع صواعق التفجير من خلال تنفيس الاحتقان الحاصل في الشارع وتعطيل حرّية حركة الخلايا الإرهابية التي استقرّت في لبنان والساعية إلى إدخال الساحة اللبنانية أتونَ المواجهات.
                                                                                                 جوني منير

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.