تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ساركوزي والقرضاوي .. بقلم : غالب قنديل

 

محطة أخبار سورية

القرار الذي أعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمنع الشيخ يوسف القرضاوي من دخول فرنسا ، بدا انقلابا على الموجة الغربية الحاضنة للتنظيم العالمي للأخوان المسلمين ، منذ ما سمي بالربيع العربي، و كأن الغرب شرع يرسم حدودا لعلاقته  بحركة الأخوان    و ملحقاتها بحصر دعمه لدورها المرسوم داخل البلاد العربية ، ويقلص التسهيلات التي منحها لها بجميع تفرعاتها وتشكيلاتها داخل فرنسا ومن ثم في القارة الأوروبية بشكل عام.

أولا: قرار الرئيس الفرنسي يتصل مباشرة بالأحداث الأمنية التي شهدتها فرنسا وخصوصا العملية التي تبنتها شبكة القاعدة من تونس ، ويتضح حسب المعلومات أن التقدير الفرنسي الأمني والسياسي ، خلص إلى اعتبار أن السنة الماضية سجلت مواقف فرنسية وأوروبية وأميركية مشجعة لنشاط تنظيم الأخوان في دول الغرب وأقامت بيئة سياسية وإعلامية تحفز الجماعات السلفية والتكفيرية المجاورة لحركة الأخوان والمتشابكة معها في التكوين التنظيمي والعقائدي.

منع القرضاوي من دخول فرنسا هو دليل على أن الدولة الفرنسية بدأت تتحسس الخطر من ارتداد الموجة التكفيرية إليها ، بعدما ساهمت في استخدام شبكات التكفير في الحرب العالمية على سورية ، وبعدما شكلت فرنسا رأس الحربة في استهداف الدولة الوطنية السورية لصالح المعارضات التي يشكل تنظيم الأخوان المسلمين وتيار التكفير عمادها السياسي والميداني.

من أسماهم ساركوزي والإعلام الفرنسي بالثوار على امتداد سنة كاملة كانوا خليطا يتقدمه التكفيريون والسلفيون والإرهابيون وتتمثل قوته الصدامية بالمجموعات القاعدية التي أعلنت صراحة مسؤوليتها عن التفجيرات الانتحارية في دمشق وحلب ، بينما تركت جماعات التكفير بصماتها على الجثث المقطعة الأوصال وفرق البلطات و السواطير و السيوف الزرقاوية والأسلحة الغربية و الإسرائيلية التي انتشرت في بعض المناطق السورية خلال الأحداث.

ثانيا: بينما تتخذ الدول الأوروبية وفرنسا بصورة خاصة إجراءات عقابية ضد الإعلام الوطني السوري وخصوصا قناتي الدنيا والتلفزيون العربي السوري وقناة المنار اللبنانية وهي مؤسسات إعلامية تقدم خطابا يؤكد على مبدأ وحدة النسيج المشرقي الإسلامي المسيحي وتنبذ كل أشكال التحريض على التناحر بين الديانات في المنطقة وفي العالم وتتميز باحترامها للمعتقدات المسيحية في الغرب ، فإن هذه الدول الأوروبية نفسها مستباحة أمام القنوات التي يديرها الأخوان المسلمون كالجزيرة أوالوهابيون كالعربية والتكفيريون كوصال وصفا السعوديتين وغيرها من قنوات التكفير و التطرف التي تبث من لندن و القاهرة  و هي منابر إعلامية روجت لفتاوى تحريض المسلمين على هدم الكنائس في أوروبا و الدول الغربية .

هذا المشهد الإعلامي الذي أنشأه الأوروبيون في فضائهم استجابة للضغوط الإسرائيلية و تلبية لضغوط اللوبيات الصهيونية داخل الدول الأوروبية ، ينعكس مباشرة على الجاليات الإسلامية في أوروبا ويحفز التعبئة والتحريض اللذين يقوم بهما شيوخ التكفير المقيمون في أوروبا والذين يقودون عملية بناء خلايا إرهابية ترتد على الأمن الفرنسي والأوروبي مباشرة.

ثالثا: تتصرف الحكومات الأوروبية على أنها مفوضيات منتدبة في مستعمرات أميركية وهي لحقت بالولايات المتحدة وخطتها لاستعمال الأخوان المسلمين وملحقاتهم في تجديد سيطرتها على المنطقة العربية ، وهو الأمر الذي انطلق بعد الانتفاضات الشعبية في مصر وتونس وبرز بقوة خلال الغزو الأطلسي لليبيا ، ولكنه توج وتحول إلى فضيحة في الحرب الكونية التي كانت فرنسا رأس حربتها و هدفت إلى تدمير الدولة الوطنية السورية التي هي الدولة العربية الوحيدة المقاومة للهيمنة الصهيونية والاستعمارية في الشرق ، كما هي الدولة العربية الوحيدة التي ترعى صيغة نموذجية لوحدة النسيج الإسلامي المسيحي في المنطقة ، و بعدما كانت سورية هي المظلة والقوة الحامية للوجود المسيحي في لبنان ، كانت الملجأ لمسيحيي العراق الذين اقتلعهم التكفيريون والمتطرفون بعد الاحتلال الأميركي وبرعايته ، في حين أن شعب سورية أظهر خلال السنة الماضية بجميع مكوناته و قياداته الدينية و الاجتماعية ، تمسكه بالوحدة الوطنية التي تمثل الرافعة الرئيسية لانتصار سورية على الحلف الغربي الاستعماري الخليجي التركي.

تنقلب لعنة سورية على ساركوزي ومعركته الانتخابية ، وهي ستحضر في جميع الدول الغربية بحصيلة إفلات العفريت التكفيري وإباحة ثقافة التطرف وتحمل فرنسا وبريطانيا مسؤولية أساسية عن كل ما يتصل بتلك الظواهر في المجتمعات الأوروبية ، تماما كما حصل بعد احتضان الغرب للجماعات التي تشكلت منها القاعدة فيما بعد ، وكانت تدعى من قبل بالمجاهدين في أفغانستان ، خلال الحرب الباردة ، فالذين أسماهم رونالد ريغان بفرسان الحرية هم أنفسهم الذين نفذوا عملية 11 أيلول وبقدر ما تشبه الحرب على سورية ذلك الفصل من التورط الغربي بالواسطة في أفغانستان فإن النتائج ستكون متشابهة أيضا.

هل يكون قرار ساركوزي بداية مسار جديد تواكب محاولة احتواء الفشل في سورية ؟ أم يبقى محصورا في حركة سياسية جزئية نتيجة خوف الرئيس الفرنسي من دفع ثمن فيزا القرضاوي في الانتخابات ؟ يتوقف على كل من الخيارين الكثير من النتائج السياسية والأمنية التي تدفع تنعكس على أوروبا و أمنها و العبرة ستبقى سورية بامتياز.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.