تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

باتريك سيل: حان وقت إبرام"صفقة"في الشرق الأوسط

 

محطة أخبار سورية

تعاني منطقة الشرق الأوسط أزمات صعبة لم يتمّ حلّها داخل كل دولة من دوله من جهة وفي ما بين هذه الدول من جهة اخرى، وهي في وضع خطر يوشك أن يتحوّل إلى حرب واسعة النطاق. ومن المرجح أن تنجرّ القوى الخارجية التي طالما اعتادت التدخّل في شؤون الشرق الأوسط إلى هذه الحرب. ويحوم من جديد شبح الضحايا الكثر الذين سقطوا والضرر المادي الكبير الذي حصل، على المنطقة كما كان الحال في عام 1948 و1967 و1973 و1982 و1991 و2003 و2006 ونهاية 2008 وبداية 2009 وخلال الاشتباكات وأعمال العنف الأخرى التي اندلعت في العقود الستة الأخيرة.

لا شكّ في أنّ الوقت حان كي يسعى المجتمع الدولي إلى وقف هذا الانحدار المتكرّر نحو الحرب وذلك بمعالجة النزاعات المتفاقمة على الفور.

ما هي الأدوات المتاحة أمام المجتمع الدولي لإنجاز هذه المهمّة؟ تقع المسؤولية الأساسية على عاتق مجلس الأمن الدولي والدول الخمس الدائمة العضوية فيه، أي الولايات المتحدّة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا. كما يجب إشراك الدول المؤثّرة الأخرى مثل ألمانيا والهند والبرازيل لتمدّ بدورها يد العون. ففي وسع هذه الدول إذا عملت مع بعضها بعضاً أن تكون في موقع يسمح لها بإبرام "صفقة كبيرة" بين الخصوم المتناحرين في الشرق الأوسط ومن ثمّ استخدام نفوذها المشترك لضمان تطبيق أي اتفاق يتمّ التوصّل إليه. كما ان ثمة حاجة إلى اعتماد سياسة العصا والجزرة.

 

لماذا الحاجة إلى "صفقة كبيرة"؟ الجواب عن هذا السؤال هو بسبب طبيعة النزاعات في الشرق الأوسط التي تتطلّب اعتماد مقاربة شاملة وليس مقاربة جزئية. واللافت أنّ ما يميّز هذه النزاعات هو مدى ارتباطها ببعضها بعضاً. فالنظام السوري يواجه حرباً على جبهتين. إذ إنه يواجه الانتفاضة في الداخل وضد حملة يديرها أعداؤه في الخارج وتهدف إلى "إسقاطه" وفرض عقوبات عليه ومقاطعته. إلا أنّ الحملة ضد سورية مرتبطة أيضاً بحملة مماثلة وأكثر حدّة ضد إيران التي تعدّ شريك سورية الاستراتيجي. وتبدو الجهات التي ترغب في "إسقاط" النظام في دمشق عازمة على إضعاف طهران وعلى وضع حدّ لبرنامجها النووي وربما على الإطاحة بنظامها أيضاً.

ويهدف استهداف إيران إلى شلّها لثنيها عن التحوّل إلى قوة إقليمية إلى جانب عزل حزب الله وحركة حماس وتقويضهما علماً أنّ إيران دعمتهما في نضالهما ضد إسرائيل. ويشكّل هذان التنظيمان جزءاً لا يتجزأ من النزاع العربي - الإسرائيلي الأوسع المحتدم الذي تأثر بالعداوة القائمة بين أميركا وطهران على مدى ثلاثة عقود. وتبدو هذه النزاعات مرتبطة ببعضها فيما يؤثر كلّ واحد منها في النزاعات الأخرى.

 

وتكمن ميزة إبرام "صفقة كبيرة" في السماح بتقديم التنازلات على جبهة واحدة مقابل تقديم تنازلات على جبهة أخرى، الأمر الذي يضاعف فرص النجاح. وقد تنجح محاولة إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي أو إيقافه عند مستوى لا يسمح لها بصناعة قنبلة، في حال كانت مقرونة بصفقة تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة يتمّ التفاوض عليها في مؤتمر دولي برعاية كتلة موحّدة من القوى العظمى. ومن شأن ذلك فقء الدمل الذي سمّم العلاقات السياسية في الشرق الأوسط على مدى عقود وتحوّل باستمرار إلى عنف. كما يجب حلّ هذه الازمة بغية تجنيب العرب وإسرائيل المزيد من المآسي.

تبدو طهران منخرطة بالكامل في مسألة فلسطين. إذ إن معظم أقوال الرئيس محمود أحمدي نجاد المعادية لإسرائيل متأثرة بالغضب حيال مصير الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال أو الحصار الإسرائيلي. وفي حال أدت الضغوط والمساعي التي تقوم بها القوى الكبرى إلى التوصّل إلى حلّ مقبول للمسألة الفلسطينية، من المرجح أن تبدي إيران استعدادها للتفاوض على المسألة النووية. وستضمحل حينها مخاوف إسرائيل من إمكان حصول "محرقة" ومخاوف طهران من أن تتمّ مهاجمتها. وقد تصبح إسرائيل وإيران قادرتين على إعادة إحياء الصداقة الوثيقة التي كانت قائمة بينهما في عهد الشاه.

 

ومن شأن "الصفقة الكبيرة" إطلاق حوار بنّاء بين واشنطن وطهران، الأمر الذي قد يؤدي إلى قرار بوضع الخلافات الماضية جانباً وإعادة إحياء العلاقات الديبلوماسية وإلغاء العقوبات وإعادة إطلاق العلاقة بين الدولتين على أساس الاحترام المتبادل. وسيفيد تطوّر مماثل المنطقة برمّتها في شكل كبير. والأهم أنه سيفتح الطريق أمام إمكان إجراء حوار استراتيجي بين المملكة العربية السعودية وإيران، اللتين تملكان نفوذاً إقليمياً كبيراً، الأمر الذي سيساهم في تخفيف حدّة التوترات بين السنّة والشيعة في الخليج والعراق ولبنان واليمن وفي امكنة اخرى، وإبعاد شبح اندلاع حرب اخرى في الخليج. وستقرّ السعودية وإيران من موقعهما كشريكين وليس كخصمين بمسؤوليتهما المشتركة من أجل فرض الاستقرار والأمن في المنطقة الغنية بالنفط.

وحين يتمّ إشراك إيران في المنظومة الأمنية في الخليج، سيكون ممكناً تخيّل العاهل السعودي والمرشد الأعلى الإيراني يحضران معاً قمة مستقبلية في مجلس التعاون الخليجي في جوّ يطغى عليه السلام والازدهار والمصالحة.

هل هذا حلم وهمي؟ ليس بالضرورة. تحاول كاثرين آشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي إعادة إحياء المفاوضات في المسألة النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً ألمانيا. في الوقت نفسه، يحاول أمين عام الأمم المتحدّة السابق كوفي أنان إقناع النظام والمعارضة في سورية بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار كشرط أساسي للحوار. وفي كلتا الحالتين، يقرّ الطرفان بعدم إمكان حلّ النزاعات الحالية عسكرياً وبضرورة إجراء المفاوضات لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي.

تحتاج سورية إلى تأثير علاجي مثل قيام لجنة للحقيقة والمصالحة لعلاج الجروح العميقة الجسدية والنفسية التي حصلت في الأشهر الأخيرة. ويجب أن يعمل النظام وخصومه على التوصّل إلى تغيير عميق للنظام السياسي في سورية الذي يحتاج إليه البلد والأزمة. وحين يسكت أزيز الرصاص، يحين وقت قيام دولة حقيقية والتوصل الى تسوية مشتركة. فسورية تعد بلداً عربياً مهماً جداً على صعيد التاريخ والضمير العربي إلى حدّ أنه لن يتمّ السماح لها بالغرق في أتون حرب أهلية.

وسيكون من الأسهل حلّ كل هذه المشاكل سواء كانت طائفية وسياسية وسواء في سورية وإيران وإسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية والعراق والخليج وواشنطن في إطار "صفقة كبيرة" تتفاوض عليها القوى العظمى وتدفعها قدماً وتراقبها. ويقوم الهدف الأكبر على إنقاذ المنطقة من إراقة المزيد من الدماء. والطريق إلى تحقيق هذا الهدف يكون عبر تقديم التنازلات.

طالما تمّ الإقرار بأنّ مبدأ الأخذ والعطاء سواء في حلّ الخلافات العائلية أو النزاعات الدولية يعدّ مفتاحاً للسلام.

 

الحياة

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.