تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الحسابات العراقية في الموقف من سورية

 

 

محطة أخبار سورية

تأخذ الحكومة العراقية، وعلى رأسها السائر بثبات على طريق الديكتاتورية نوري المالكي، في حسبانها حساسيات وتوازنات داخلية وإقليمية ودولية فيما يتعلق بموقف بغداد من الأزمة السورية المستمرة منذ نحو عام، ويتجلى ذلك بوضوح في مواقف وتصريحات قد تبدو للوهلة الأولى متناقضة بدرت عن ساسة عراقيين تتصل بالبلد الجار.

 

تعلم الحكومة العراقية جيدا بالصلات التي تربط عددا من العشائر العربية التي تقطن جانبي الحدود، وبالأخص تلك التي تتواجد في محافظات الأنبار ونينوى العراقيتين ودير الزور والحسكة السوريتين، وإن كانت الأخيرة لم تشهد مشاركة فعالة – بمكونها العربي- في الحراك المتواصل في سورية، فإن المدن والبلدات الرئيسية في محافظة دير الزور كانت من أوائل المناطق التي اندلعت فيها الاحتجاجات، ولن يكون من صالح بغداد بأي حال عودة الفوضى إلى الخط الحدودي عبر انتقال مستمر للسلاح أو ربما المقاتلين، ولن يكون من صالحها في الوقت نفسه استعداء العشائر العربية السنية التي تعاني أصلا من مشاكل مزمنة وفقدان ثقة مع الحكومة المركزية منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003.

 

ويجد المالكي نفسه هذه المرة في حالة نادرة يواجه فيها توافقا بين الأكراد والعرب السنة تجاه قضية ما، فالحراك المستمر في سورية ليس أمرا خلافيا بين هذين المكونين العراقيين الرئيسيين كمستقبل كركوك على سبيل المثال، بل إن كردستان العراق استضافت مؤتمرا للمعارضة الكردية السورية توازياً مع المظاهرات المستمرة في عدد من المناطق السورية التي تقطنها أغلبية كردية كالقامشلي وعامودا والدرباسية وكوباني وبدرجة أقل عفرين.

 

لم تكن موافقة العراق على المبادرة العربية لحل الأزمة السورية تعني بأي شكل من الأشكال خروج بغداد من الحضن الإيراني أو تراجع العلاقات المزدهرة مؤخرا بين سورية والعراق بعد عقود من التوتر، فالاعتراض العراقي على القرار- رغم أن غيابه شكل مفاجأة لكثيرين- لم يكن ليسمن أو يغني من جوع وسط إجماع عربي لم تشذ عنه سوى لبنان، كما أن خروج العراق عن هذا الإجماع لن يكون مستساغا وبغداد تتهيأ لاستضافة القمة العربية أواخر شهر آذار/ مارس.

 

وإن كانت معارضة بغداد للمبادرة العربية ستكون هامشية إلى حد ما حتى لو حصلت، فإن العراق عبر عن مواقف حازمة بخصوص قضايا أكثر أهمية على الأرض، فتحدث أكثر من مسؤول عراقي عن رفض مطلق لوجود منطقة عازلة على الحدود السورية العراقية، وتراجعت بغداد عن استقبال وفد من المجلس الوطني السوري المعارض، وأعرب العراق مرارا عن تخوفه من أي تدخل دولي في سورية، عدا عن الأنباء التي تسربت حول تقديم حكومة المالكي دعماً مالياً للحكومة السورية العام الماضي.

 

يشكل الموقف العراقي من سورية كذلك أحد الموضوعات المهمة في توازنات منطقة الشرق الأوسط الإقليمية منها والدولية، فارتماء العراق في الحضن الإيراني بشكل مطلق يعني انزعاجاً خليجياً وتركياً وأمريكياً، فبغداد تسعى لإثبات حسن النية لجيرانها العرب في الأردن والخليج، وللدول العربية بشكل عام، وظهورها في محور واحد مع طهران لن يساعد على ذلك بكل تأكيد، إلا أن سعي العراق لإثبات حسن النية لجيرانه العرب لن يصل به إلى الطلاق مع الموقف الإيراني والموافقة على أي قرار عربي مقبل، وخاصة فيما يتعلق بالاعتراف بالمعارضة السورية أو تسليحها.

 

كما أن توتر العلاقات مع تركيا لن يؤدي إلى استقرار على حدوده الشمالية المتوترة أصلا، ولن تكون واشنطن مسرورة بمزيد من التقارب العراقي - الإيراني مع تعقد الملف النووي ووجود قوات أمريكية على الأراضي العراقية.

 

لن يكون من المرجح حدوث أي تغير كبير في الموقف العراقي الرسمي قبل القمة العربية المقبلة، التي قد تشهد بدورها قرارات بالغة الحساسية على الصعيد السوري، وفيما تحاول حكومة بغداد ضبط هذه التناقضات حالياً، فإن موقفاً أكثر انحيازاً لأحد الأطراف قد يظهر للعلن أوائل نيسان/ أبريل المقبل.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.