تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

القميص.. ودلالاته العربية!!

خاص/محطة أخبار سورية

 

 

لكلّ شيء عند العرب قصة ومغزى. ولنكون أكثر دقة، فإنه لكلّ شيء ربما دلالة ورمز غير المعنى الحقيقي المعروف والمتداول بين الناس. وإذا أخذنا موضوع الثياب، وجدنا أن العرب يستخدمونه كثيراً للإشارة به إلى ماهية أخرى غير الثياب التي نتستـّر ونتجمّل بها.

وقد قيل إن عفاف الفتاة مثل الثوب الأبيض، أيُّ لطخة صغيرة عليه تلوّثه أي تسيء إلى سمعتها. أما عندما يتسلّم الرجل مثلاً، مقاليد الأمور في منصب أو حكم معيّن، ويشعر الناس أنه غير قادر على تحمّل مسؤولياته، أو أنه كان من المبكّر له أن يتقلّد هذا المكان، يقولون إن البدلة (الثوب) فضفاضة عليه. أما إذا كان الرجل كفؤاً وذو مقدرة، يقال إنه "يملأ هدومه" أي ثيابه، والقصد أنه جدير بهذا المكان. وقد يقال إن فلاناً يرتدي قميص فلان، أي إنه يقلّده في كلّ شيء. وفي السياسة يقال عن "جسم" دولة ما إنه "لبّيس"، أي أنه من السهولة إلصاق التهم بها، لظروف وأوضاع معينة تسود العالم.

وللقميص دلالة قد تكون حسنة أو غير ذلك. وفي القرآن الكريم قوله تعالى؛ "إذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ"، يوسف(93). والقميص هنا يشير إلى معجزة نبوية وقد قال بعض العلماء أن فقدان بصر يعقوب عليه السلام كانت مسألة نفسية وليست عضوية فعندما انتفى السبب رد البصر مرة إليه!

وبعدما قتل الخليفة عثمان بن عفان(ر) طالب معاوية بن أبي سفيان بقتل من قتله وقد أخذ بقميصه كحجة على قتله، وطالب بالثأر وبقي القميص دليلا على أن الخليفة قد قتل وأن الثأر قائم. ولعلّ قميص عثمان(ر) أشهر قميص في التاريخ العربي. وقد تحوّل مثلاً للانتقام المؤجّل الذي سيتم الأخذ به. ولذلك يقال عن كلّ قضية أو مسألة لا يريد صاحبها أن تنتهي أنها أصبحت قميص عثمان.

وفي التاريخ والعلاقات الدولية، كثيرة هي المسائل التي تحوّلت إلى قميص عثمان، والتي لايمكن أن تعدّ ولا أن تحصى. فعندما أُسقطت طائرة "بان أمريكان" فوق لوكربي، تنقّلت التهم بين عدّة أطراف، وأصبح الغرب يدور بها حتى استقر الأمر على ليبيا، وقيل إنها تحوّلت إلى قميص عثمان. وعندما اغتيل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، قيل إن اغتياله تحوّل إلى قميص عثمان بالنسبة لسورية التي اتـُّهمت بذلك الاغتيال... والأمثلة على استغلال حوادث معينة لغايات ومآرب أخرى كثيرة ومتعددة. بل إن الكثير من الحوادث والجرائم تمّ افتعالها من قبل أصحاب الشأن لتوريط أطراف أخرى بريئة بها للنيل منها أو الوصول إلى أهداف أبعد ومكاسب متعددة.

وقبل أيام، وبعد مقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكييه في مدينة حمص، قرأتُ في مقالِ أحدهم خشيته أن فرنسا قد تعتبر مقتل جاكييه حجّة وسبباً و"قميص عثمان" للنيل من سورية وزيادة الضغوط عليها. وفي هذا الصدد نذكر أنّ فرنسا لم تدّخر يوماً أي جهد لممارسة الضغوط على سورية ولم توفّر أي فرصة إلا واعتبرتها سبباً وقميصاً للهجوم على سورية في محاولة لإعادة هيمنتها وللتأكيد على نزعتها الاستعمارية القديمة الجديدة، وهذا يثير القلق عند البعض بالطبع، مع أن الأمور والأحوال تغيّرت كثيراً.. وليست فرنسا إلا امرأة أوروبا العاقر..

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.