تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سفينة سوريا بعد الأسد ستـبحر نحو المجهول. .

 محطة أخبار سورية-خاص

 

"إذا لم يستتب الأمن فالحرية في خطر "، تلك عبارة اختزل فيها أحد قادة هذا العالم المميزين تجربته القاسية في مكابدة الحكم ، لقد أصبحنا كعرب نعيش اليوم الزمن الذي يكشف صدق تلك النتيجة؛ فالأقطار العربية بدأت تسقط تباعا في قبضة دكتاتور اسمه "الخوف" ، طاغية لا يكلّ ولا يملّ ولا يعرف الرحمة ولا يغمض له جفن، هذا الدكتاتور يتولّد من رحم الفوضى، والفوضى تطلّ برأسها حين يتهاوى النظام. سوريا البلد العربي الذي كان مثالا يُحتذى في الأمن والاستقرار، دخل الآن معركة كفاح مريرة ـــ حكومة وشعبا ـــــ ضد هيمنة الفوضى ودكتاتورية الخوف. فالذين يرفعون الآن شعار "الحرية" في سوريا هم أكثر الناس عداء للحرية. لأنهم سيسلّمون رقاب الشعب السوري للفوضى واللانظام، ومع ذلك فهم لا يدركون أن الحرية ليست نبتة تغرس في الفضاء اللامعين، تعيش حيث وضعت، بل هي نتاج تفاعل بين الأفكار وبين معطيات البيئة الاجتماعية التي تزرع فيها. وقد يكون الحكم الفردي الشمولي المطلق هو أفضل الديمقراطيات في مجتمعات بذاتها. سوريا التي عاشت أربعة عقود من الحرية، لأن مواطنيها كانوا ينعمون بالأمان، توشك أن تفقد ذلك المكسب الثمين في طرفة عين. لقد ولّى الزمن الذي كانت فيه سوريا واحة للأمن والأمان يجوبها المواطن والغريب على حد سواء، وفيها تتعايش الأعراق والأديان بتناغم تام، وإليها يفد الباحثون عن الهدوء والسكينة، وعليها تتقاطر رؤوس الأموال، ومنها يتدفق العلم والثقافة المحمّلة بعبق التاريخ. سوريا التي نوشك كعرب أن نخسرها كما خسرنا العراق ونخسر ليبيا حاليا، تكالبت عليها قوى الشر ووجد أعداءها الفرصة التي طالما حلموا بها ليضربوا بعنف وقسوة في جسد المجتمع السوري الحساس. وهنا لن أكون من أصحاب عقلية المؤامرة التي ترجع كل النكسات لعدو خارجي مفترض ، ولن أعزو كلما حدث ويحدث في سوريا الآن من تخريب مؤلم، إلى هذا العدو فحسب ، بل أن القسم الأهم من ذلك يقع على عاتق قوى داخلية؛ بعضها يتحرك عن جهل ولا يعي حقيقة ما هو مُقدِمٌ عليه، وهو الغالب الأعم، وبعضها الآخر يتحرك بتخطيط وتدبير مسبق. لكن على السوريين جميعا أن يستوعبوا الدرس الذي قدّمه العراق مجانا وعلى مدى تسع سنوات، وأن يستوعبوا الدرس الليبي الذي تُلقى فصوله الآن على مرأى ومسمع من الجميع. فعلى الغافل أن يفيق من غفلته، وعلى المتآمر الآثم أن يتوب من إثمه. ليست لي أي صلة بالنظام السوري ، ولم تربطني به أي علاقة مسبقة، لكن من يريد الإنصاف يعترف أن النظام السوري كان يقف على مسافة متساوية من جميع مواطني البلد ، فلا تمييز بين العربي والكردي والرومي والشركسي ومن لا عرق لهم. ومن يريد الإنصاف يعترف أن الجامع والكنسية والمعبد وغيرها من دور العبادة في سوريا، كانت على درجة متساوية من القدسية والاحترام. ومن يريد الإنصاف يعترف أن موطأ مالك، وسنن احمد ابن حنبل، وفقه محمد بن عبد الوهاب، وفتاوي ابن تيمية، تحظى بنفس المكانة التي يحظى بها "الكافي" و"بحار الأنوار" و"مجمع فتاوي الخميني". ومن يريد الإنصاف يعترف أن سوريا كانت وجهة لعشاق الحرية والمناضلين من أجل الحقوق ، فكل التنظيمات الفلسطينية التي ناضلت ولا تزال من اجل أرضها المغتصبة كانت تتخذ من سوريا ملجأ من ملاحقة الأعداء. من يريد الإنصاف يعترف أن سوريا كانت مستقلة في قراراها السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي. من يريد الإنصاف يعترف أن سوريا كانت تعيش تجربة اقتصادية واعدة، مكّنتها من مواكبة التطورات الاقتصادية المعاصرة مع حفاظها على خصوصيتها وفلسفتها الاقتصادية المنحازة للمهمشين والمعدمين. من يريد الإنصاف يعترف أن سوريا حققت مجانية التعليم والصحة لكل مواطنيها، وحافظت على نمو تلك المجالات وتطورها. من يريد الإنصاف يعترف أن سوريا فتحت أبوابها للعرب: طلاب علم ، وسواح ، ومستثمرين ، وعابري سبيل ، دون أن تطلب منهم تأشيرة لزيارتها. من يريد الإنصاف يعترف أن سوريا طورت الثقافة ودعمت المثقفين والفنانين والمبدعين والكتاب. من يريد الإنصاف يعترف أن المدن والقرى السورية "كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان". فلا تكفروا بأنعم الله. من يريد الانصاف يعترف أن سوريا بعدد سكانها الكبير ومواردها الاقتصادية المحدودة، كانت تحافظ على التوازن بين الواردات والنفاقات العمومية الباهظة بحنكة أذهلت الكثيرين. لكن في المقابل من يريد إسقاط النظام السوري يريد أن يتوقّف كلما تقدم، وأن يختلّ التوازن بين مكونات المجتمع السوري الذي حافظ عليها النظام عقودا عدة. من يريد إسقاط النظام السوري يريد أن ينعش روح الطائفية المقيتة ، والفكر الاقصائي المتشدد، ويعبث براحة الإنسان السوري العادي. من يريد إسقاط النظام السوري يريد أن تحل الفوضى محل النظام ويدب الخوف في نفوس البسطاء. من يريد إسقاط النظام السوري يريد تحييد سوريا كجبهة مقاومة متقدمة دفاعا عن القضايا العربية والإسلامية. من يريد إسقاط النظام السوري يريد أن يسلّم سوريا إلى دكتاتور أكثر قسوة وأشد فتكا واقلّ رحمة من كل طغاة العالم، إنه دكتاتور الخوف الناجم عن الفوضى عدوة النظام والحرية. وأخيرا فإن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان هي أن إسقاط النظام السوري يعني شيئا واحدا لامناص منه ، وهو أن سفينة البلاد ستبحر نحو المجهول ، وسيتنازع ركاب السفينة حتما فيما بينهم، وستفقد الاتجاه الصحيح لخط سيرها ، وسيتناحر الجميع على حقه في قيادتها، والأسوأ من ذلك كله أن السفينة مرشحة للانقسام والتشظّي والجنوح في أعماق بحر لجي مظلم "يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب".

 

                                                                                  بقلم : لحبيب ولد حرمة hattahas@yahoo.fr                                                  

هاتف : 0022233534591 0022220085330 المصدر وكالة الساحل ميديا http://sahelmedias.net/opinion/1608-2012-01-14-22-27-04.html

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.