تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عصام نعمان: حرب ناعمة أم خشنة في قوس الآزمات

 

محطة أخبار سورية

هل تتحول الحرب الناعمة التي تشنها الولايات المتحدة على إيران إلى أخرى خشنة خلال العام الجديد؟

سؤال مقلق نهض مع اندلاع التهديدات المتبادلة بين الدولتين، عقب إعلان طهران اعتزامها إغلاق مضيق هرمز، في حال فُرض حظر نفطي عليها، أو تعرضت مصالحها الحيوية لتهديد .

الحرب الناعمة مجموعةٌ من التدابير السياسية والدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والمصرفية والحملات الإعلامية والأعمال الاستخبارية، يجري استخدامها بالترافق مع عمليات سرِّية، ترمي إلى خلخلة النظام السياسي للدولة المستهدفة، وإضعافها اقتصادياً واجتماعياً بغية كسر إرادتها وربما احتلالها أيضاً .

الولايات المتحدة تشنُّ منذ سنين حرباً ناعمة على إيران، بقصد تحجيمها والحؤول دون تطوُّرها إلى قوة إقليمية مركزية، وقد ضاعفت من ضغوطها عقب شروع إيران بتنفيذ برنامجها النووي الذي ينطوي، في نظر واشنطن، على جانب تكنولوجي وعسكري يؤهِّل طهران لامتلاك أسلحة نووية.

يبدو أن التدابير العقابية، السياسية والاقتصادية، التي كان جرى فرضها على إيران داخل الأمم المتحدة وخارجها، أخفقت في تعطيل برنامجها النووي. إلى ذلك، توافرت مؤخَّراً معلومات وتقديرات أطلسية تشير إلى احتمال نجاح إيران في امتلاك سلاح نووي خلال سنة واحدة، ما حَمَل الولايات المتحدة، ومن ورائها "إسرائيل"، على التلويح بتشديد العقوبات على إيران، لإكراهها على وقف برنامجها النووي تحت طائلة اللجوء إلى الحرب الخشنة (العسكرية). في هذا الإطار، تردِّد أن أبرز العقوبات المزمع فرضها، وقفُ التعامل مع المصرف المركزي الإيراني، وحظر إستيراد النفط من الجمهورية الإسلامية.

على ذلك ردّت إيران، بلسان نائب الرئيس محمد رضا رحيمي، بأنه "اذا فُرض حظر على النفط الإيراني، فلن تمر نقطة نفط واحدة عبر مضيق هرمز". ومن المعلوم أن معظم النفط الخام الصادر من السعودية، إيران، الإمارات العربية، الكويت والعراق، إضافةً إلى الغاز الطبيعي المسال من قطر، يمر في مضيق هرمز.

تزامن هذا التصعيد في التوتر، مع مناورات بحرية ضخمة تدوم عشرة أيام، يتخللها اختبار صواريخ بعيدة المدى، باشرتها إيران في منطقة واسعة، تشمل شرقي مضيق هرمز وبحر عمان وخليج عدن وشمالي المحيط الهندي. ردّت اميركا عبر ناطقة باسم الأسطول الأميركي الخامس : "لن نقبل بأي تعطيل لحرية الملاحة (...) والأسطول مستعد لردع أو مواجهة أي نشاط مزعزع للاستقرار، ولضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز".

سارع نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي إلى الرد على الأسطول الخامس بقوله : "إغلاق هرمز أسهل من شربة ماء. الاميركيون ليسوا في وضع يمكّنهم من أن يسمحوا أو لا يسمحوا لنا. إذا تعرَّضت مصالح إيران الحيوية لأي تهديد، فإننا سنضع التهديد في مقابل التهديد، ولن نتخلّى عن استراتيجيتنا، ولن نستأذن أي دولة لتنفيذها".

حدّة التهديدات المتبادلة، عزَّزت التساؤل المقلق : هل تحدث مواجهة بحرية بين إيران وأميركا ؟

المنطق السليم يستبعد هذا الاحتمال. ذلك أن بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تُظهر أن نحو ثلث إجمالي شحنات النفط المنقولة بحراً في العام 2009 مرَّت عبر مضيق هرمز، ولعلها تجاوزت في العام الماضي نسبة الـ 40 في المئة. ثم إن إيران تتضرَّر بالتأكيد من اغلاق مضيق هرمز، لأن معظم صادراتها من النفط تمر عبره أيضاً . حتى لو قامت السعودية ودول خليجية أخرى بإنتاج كميات إضافية من النفط لتعويض الخسارة الناجمة عن وقف التصدير عبر مضيق هرمز، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف سيجري نقل الكميات الاضافية بعد نشوء حالة حرب ربما تشمل المنطقة برمتها ؟

مسؤول في المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران قال إن إيران لا ترى فرقاً بين حرب عسكرية وأخرى اقتصادية. وأكد أنه إذا أصبحت إيران في اجواء حرب، سيعني ذلك ان كل الخيارات ستكون على الطاولة. يبدو أن طهران تراهن على ان تهديدها الجاد بإغلاق مضيق هرمز، سيحمل الغرب على الامتناع عن حظر النفط المصدّر من الجمهورية الإسلامية .

الى ذلك، يراهن القادة الإيرانيون على اعتبارات أخرى يعتقدون أنها ستحول دون إقدام اميركا واوروبا على حظر النفط الإيراني، والتسبُّب في حرب إقليمية مدمِّرة ومكلفة :

أولها، إن انتخابات الرئاسة الأميركية بدأت فعلاً، وسوف تستمر إلى مطلع شهر تشرين الثاني المقبل، ولا يعقل أن يكون باراك أوباما، الساعي للفوز بولايةٍ ثانية، في وضع انتخابي مريح، بينما تدور حرب قد يتأتى عنها كمٌ هائل من الخسائر البشرية والمادية الباهظة .

ثانيها، أن أميركا، كما أوروبا، ما زالت أسيرة أزمة اقتصادية متفاقمة، فلا مصلحة لها في زيادة الأزمة تعقيداً والمديونية العامة أعباء إضافية.

ثالثها، صحيح أن إيران ليست نِدَّاً للولايات المتحدة، غير أنها مقتدرة عسكرياً، بما فيه الكفاية لإلحاق أذى كبير بمصالح أميركا وقواعدها في المنطقة، كما بمصالح حلفائها الإقليميين. فوق ذلك، قد تلجأ إيران إلى توسيع دائرة الحرب، بأن تشن، بالتحالف مع سورية وحزب الله وحركة "حماس"، حرباً صاروخية على "إسرائيل" من شأنها أن تلحق بها دماراً شديدا،ً وخسائر بشرية هائلة.

هذه الإعتبارات الجدِّية والوازنة قد تدفع أميركا وأوروبا إلى التخلِّي عن خيار حظر النفط الإيراني، والإستعاضة عنه بخيار الحصار المصرفي. كما قد تحملها على اعتماد ما هو أكثر راديكالية : التوصُّل مع إيران إلى تسوية بشأن برنامجها النووي، تدفع بموجبها ثمناً معقولاً للجمهوريـة الإسلاميـة في العـراق وأفغانستـان و... سورية .

"إسرائيل" ستقاوم بالتأكيد احتمال تخلّي أميركا عن خيار الحرب. فهي تشعر بأن أي تسوية مع الجمهورية الإسلامية، بعد تحوّلها قوةً إقليمية مركزية ستكون، بالضرورة، على حساب أمنها القومي. إذا تعذّر عليها توريط أميركا في حرب خشنة مع إيران، فإنها ستحاول تعويض هذه "الخسارة" بانتزاع أحد مطلبين أو كليهما معاً : تمكينها من الانفراد بسورية لكسر الحلقة المركزية لتحالف الممانعة والمقاومة القائم في قوس الأزمات الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق مع ما يحمله ذلك من إغراء بضرب حزب الله واحتوائه، على المدى الطويل، أو تمكينها من إنهاء ظاهرة "حماس" في قطاع غزة، في إطار خطة لتصفية قضية فلسطين، قوامها التخلِّي عن مشروع الدولتين، وتكريس الأردن وطناً بديلاً، وبالتالي دولةً بديلةً عوضاً عن الضفة الغربية وغزة.

ما الترجيحات ؟

إيران لا ترغب في ولا تقوى على القبول بمثل هذه التسوية .

سورية لن تقبل ولن تتردد في خوض الحرب، لتفادي الإذلال والانحلال .

حزب الله سيقاتل وسيفاجئ "إسرائيل" على مدى جبهة واسعة، ممتدة من بلاد الشام إلى سيناء، ومن البحر المتوسط إلى البحر الأحمر .

"حماس" ستجد نفسها في المعمعة، وستقاتل بقدر ما تطيق وتستطيع .

إرادة القتـال ستكـون السلاح الأمضـى والاخطـر، ومفاجـأة الأمـة لنفسها ولأعدائها

 

البناء

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.