تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

على اميركا دفع "تعويضات" للعراق

 

 

 

من المفروض أن يتم انسحاب آخر جندي اميركي من العراق مع نهاية هذا العام، أي بعد أيام، لينتهي معه إحتلال غاشم وغير شرعي إستمر لحوالي تسع سنوات ذاق فيها الشعب العراقي أبشع أنواع المرارة والعذاب، وعانى من "الديمقراطية" التي بشرّتنا بها إدارة بوش، إذ أن هذه الديمقراطية المزيفة كلفت الشعب العراقي الملايين من القتلى والجرحى والمشردين والمهجرين، وشلّت قدراته وصادرت موارده، والغت الاستقرار والازدهار الذي كان يعيشه ويتغنى به.

اميركا خرّبت العراق، ولم تحقق له شيئاً، حتى أن إدعاءاتها لتبرير احتلال هذا القطر العربي الشقيق كانت باطلة وكاذبة وعارية عن الصحة، وهذا ما أكده وبكل صراحة وزير خارجية اميركا في وقت احتلال العراق، أي في عام 2003، الجنرال كولن باول، وأبدى ندمه عن ارتكابه هذا الخطأ الجسيم أو الإدعاء المكلف للشعب العراقي قبل أن يكون مكلفاً لجميع أبناء منطقة الشرق الأوسط، حتى أنه كان مكلفاً لاميركا ذاتها إذ تراكمت عليها الديون، وتعاني من عجز مالي، وتواجه تدهوراً اقتصادياً كبيراً وخطيراً، أي أن الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما ورث حملاً ثقيلاً جداً جداً مما جعله رئيساً ضعيفاً لأنه لا يستطيع أن "يرقّع" كل ما أفسده عهد الرئيس الاميركي السابق جورج بوش.

لا يهمنا ماذا تعاني منه اميركا حاليا، ولا يهمنا ماذا دفعته من تكاليف لهذه الحرب الاحتلالية غير المبررة للعراق، بل يهمنا "التعويض" الذي يجب أن يحصل عليه العراق على ظلم تعرّض له، وفرض عليه تحت ذرائع كاذبة ومختلقة ومخطط لها، أي بالأحرى من يعوّض الشعب العراقي عما دفعه من ثمن، وخاصة أن هذا الثمن قد يكون من المستحيل تعويضه كاملاً، لأن من قتل من أبناء العراق لا يعوّض، وما تم تدميره كبير جداً.

"التعويض" ضروري من أجل التأكيد على تطبيق مبدأ مهم وهو أن من يرتكب الخطأ عليه أن يدفع ثمنه. لقد أخطأ الرئيس الراحل صدام حسين عندما احتل الكويت، ودفع ثمن ذلك بفرض الحصار عليه، ولكن الإدارة الاميركية استغلت هذا الخطأ لتنفذ وتطبق مخططاتها للسيطرة على الشرق الأوسط، وخاصة على موارده ومصادره الطبيعية المهمة. فالإدارة الاميركية ارتكبت خطأً كبيراً، لا بل خطيئة عظيمة جداً عندما "لفقت" اتهامات وادعاءات باطلة لاحتلال العراق، و"داست" على الشرعية الدولية، وشنت الحرب واحتلت العراق لتدمره وتخرّبه.

يجب التذكير على هامش هذا الموضوع الجوهري الا وهو "التعويض"، أن من أهداف الإدارة الاميركية الأساسية لاحتلال العراق هو مصادرة موارده الطبيعية، والسيطرة عليها لأن الرئيس صدام كان يلوّح باستخدام هذه القدرات أو هذا السلاح الفعال ضد السياسة الاميركية في المنطقة، وكذلك كان من أهداف إدارة بوش هو تدمير العراق حتى لا يشكّل قوة إقليمية لها نفوذها تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في معارضة سياسة الهيمنة الاميركية على الشرق الأوسط.. وهذه أهداف مكشوفة ومعروفة ولا حاجة للدخول في التفاصيل التي تناولها كثيرون عبر السنوات التسع الماضية.

وعودة إلى موضوع "التعويض" الذي يستحقه الشعب العراقي، فلا بدّ من القول أن الإدارة الاميركية تعمل على تفتيت واضعاف عالمنا العربي حتى تكون مطالب التعويض ضعيفة، وللأسف هناك قادة "عربان"، وخاصة في منطقة الخليج العربي، يؤيدون ويدعمون ما تمارسه السياسة الاميركية بحق العرب كلهم لأنها تريد ألا يُمانعها أحد في سياستها، أو يطالبها على الأقل بتعويض على ما اقترفته من إثم كبير جداً من المستحيل أن يغفر له التاريخ.

عندما تعرّض الشعب اليهودي لظلم وقهر وتشريد في الحرب العالمية الثانية على يد الديكتاتور النازي هتلر، لم يسكت العالم على ذلك، واضطرت المانيا لدفع تعويضات كبيرة لابناء الشعب اليهودي، وما زالت "عقدة الذنب" تلازمها حتى الآن. فهل يجوز إجبار المانيا على دفع ثمن لجرائم ارتكبت على يد ديكتاتور وظالم خلال حرب عالمية شاملة، في حين أن اميركا تدمّر العراق، وتقف وراء قتل وتشريد الملايين من أبناء الشعب العراقي، من دون أية محاسبة أو عقاب أو من دون دفع "تعويض" مهما يكون شكله، فالمهم أن تنال هذه الإدارة عقابها لأنها تعدّت على "الشرعية الدولية"، ولأنها تتحمل مسؤولية ما تعرّض له العراق من جرائم بسبب احتلالها لهذا البلد الذي كان آمناً ومستقراً.

قد يقول بعض المرتمين بالأحضان الاميركية: هذا الطلب من المستحيل تحقيقه، ومن المستحيل فرضه على دولة عظمى. والاجابة واضحة المعالم وتنص على أن الدولة العظمى تحترم ذاتها إذا كانت عظمى في إمكانياتها وممارساتها الأخلاقية، وفي دفاعها عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان لكل شعب، أما إذا داست على هذه الشعارات فهي لن تكون "عظمى" إلا بقوة السلاح، وهذه القوة ستزول، ولن تبقى اميركا القطب الأوحد في العالم. لأنها لا تمارس الديمقراطية والعدالة والحرية فهي تدوس عليها مقابل تحقيق مصالحها.

وإذا كان الشعب الاميركي يعرف الحقيقة المرّة عن إدارته، فعليه أن يشعر بعقدة الذنب لما تعرّض له الشعب العراقي من ظلم وقهر وجرائم على يد إدارته، وبالتالي يجب أن يؤيد فكرة التعويض حتى تكون درساً لمن يخالف وينتهك الشرائع الانسانية المثالية الرفيعة.

قد يكون "التعويض" مجردَ فكرة غير قابلة حالياً للتنفيذ أو للطرح، أو الاهتمام، ولكن هذه الفكرة يجب ألا تغيب عن البال، ويمكن أن تثار في المستقبل القريب، وفي ظروف مؤاتية ومناسبة.. وجدير بالقول أن من حق العراق الحصول على تعويض من اميركا، ومن حلفائها الذين باركوا وأيدوا ودعموا احتلال العراق، ومن بين هؤلاء الحلفاء بريطانيا في عهد توني بلير الذي يتولى حالياً منصباً لا يستحقه، منصباً مهامه تحقيق السلام وهو الذي لا يؤمن بالسلام، وهو أحد أركان دعم تدمير العراق.

كل الأمل في ألا ينسى "العراقيون" حقهم في المطالبة بهذا التعويض.. وأن يبقوه حياً حتى يتحقق، لأن من دمّر العراق عليه أن يدفع ثمن خطيئته وجريمته، ويجب ألا يفلت من العقاب، وهذا مبدأ يجب التمسك به، ويجب أن يطبق أولاً على دعاة "حماية الديمقراطية والعدل" قبل أي انسان أو جهات أخرى!

                                                                                                جاك خزمو

                                                                                                                                                      رئيس تحرير صحيفة البيادر السياسي المقدسية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.