تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

.. نهاية العربدة الأمريكية!

خاص: محطة أخبار سورية

 

يعتقد البعض أنه من المبكر جداً الحديث عن انحسار الدور الأمريكي على الصعيد الدولي وانكفائه إلى ما وراء الأطلسي. ربما! فتاريخ الدول وصعودها وهبوطها لا يقاس بعدة سنوات فقط. لكنه بات من الواضح أنّ هذا الدور بدأ يتراجع ومعه تتراجع الهيبة الأمريكية، بعد سنوات العزّ والغطرسة التي عاشتها واشنطن إبان انهيار حلف وارسو في نهاية الثمانينات، ولم تعرف كيف تحافظ عليها؛ فقد شهد العقدان الماضيان ممارسة الولايات المتحدة للأحادية القطبية بكل معنى الكلمة ولم تترك واشنطن أمراً يمكنها القيام به ولا حرباً أرادت خوضها إلا وقامت بذلك، ومثّلت ما يمكن اعتباره شرطي العالم الفاسد أو "أزعر الحارة" المزعج للجميع.

ويعود تراجع الدور الأمريكي حالياً، إلى أسباب داخلية وأخرى خارجية. داخلياً، تعاني الولايات المتحدة أزمة مالية واقتصادية كبيرة أدت إلى إفلاس العديد من البنوك والشركات وإلى تسريح العديد من العمال وتراجع مستوى الدخل والحياة الاجتماعية. يضاف إلى ذلك ـ وقد يكون سبباً رئيسياً في الأزمة الاقتصاديةـ الحروب الخارجية التي شنتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وغيرهما، والتي كلفت الخزينة الأمريكية مليارات الدولارات وأرهقتها، بل وهذا هو الأهم، كان لها الأثر الأكبر على قرار واشنطن بـ"إعادة التفكير" أكثر من مرّة قبل شن أي حروب أخرى في مناطق من العالم تتجسد مصالحها فيها.

خارجياً، بالطبع، لم يكن السلوك الأمريكي والسياسات الأمريكية الكريهين، بعيدين عن مراقبة وأنظار دول العالم الأخرى التي تراقب المشهد وتترك واشنطن تتورط وتغرق أكثر فأكثر في مشاكلها؛ فمنذ سنوات والصين تطوّر قدراتها الاقتصادية والعسكرية وتقوّي مواقفها وقدراتها الذاتية بكلّ هدوء ومثابرة حتى غدا اقتصادها أقوى اقتصاد في العالم، وغدت ترسانتها العسكرية من الترسانات التي يحسب لها الحساب أيضاً، وهي بلد متطور ويشهد نمواً ثابتاً في مستواه. وقد تركت بيجين نظيرتها الأمريكية تصول وتجول دون مواجهة معها إلى أن أنهكت واشنطن ذاتها في مشاكل لا تنتهي، فيما قدّمت العاصمة الصينية نفسها صديقة للآخرين وقادرة على مساعدتهم.

وعلى مقربة من الصين، وقفت روسيا تعيد بناء ذاتها بعدما تخلصت من أعباء الاتحاد السوفييتي السابق والحمولة الثقيلة التي كانت ملقاة على كاهله. وخلال السنوات الماضية تعلمت موسكو الدرس جيداً وتركت واشنطن تصول وتموج دون الاصطدام معها. والآن يعود الروس إلى الساحة الدولية أكثر قوة ومنعة من كافة الجوانب، ونجمهم في صعود وتألق. ولعلّ الموقف الروسي ـ الصيني المشترك في مجلس الأمن الدولي قبل فترة واستخدام الفيتو المزدوج ضد قرار غربي ـ أمريكي بحق سورية، أرسل رسالة إلى الغرب قبل سورية، تقول باختصار؛ ها قد عدنا فاحذروا!

ليس روسيا والصين وحدهما تزاحمان على ملء الفراغ الذي يتركه انزياح وتراجع القوة الأمريكية؛ فهناك دول مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وإيران وتركيا تحاول تقاسم الكعكة العالمية والمشهد العالمي وتحاول إثبات حضورها على المسرح الدولي مما يفسح في المجال لتشكل نظام تعددي يقوم على التعاون والحوار وليس على السيطرة والإقصاء.

وفي هذا المشهد تبدو أوروبا غارقة في مشاكلها، وبعيدة عن القيام بأي دور فاعل ومؤثر، بل وأصبحت تحاول جاهدة الحفاظ على وحدتها وعملتها والحد من انتشار التدهور والإفلاس الذي وصلت إليه بعض دولها، وتخشى دول أخرى مصيراً مشابهاً. ولعلّ إسرائيل ستكون الخاسر الأبرز في المشهد الجديد، وهي بدأت تخاف على نفسها وعلى دورها السابق الذي تلاشت الحاجة إليه.  وعليه، فإن الدعم الغربي الذي كانت تتلقاه، مالياً وسياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً...الخ، سينخفض ويتراجع لا محالة، وهي لا تمتلك الموارد الذاتية التي تكفيها، وإن أي حرب مستقبلية ـ سواء كانت هي البادئة أم غيرهاـ  ستكون بداية المشهد الأخير لها.

من الطبيعي والوضع كذلك، أن تلجأ الدول الغربية ومعها إسرائيل إلى الحرب على الآخرين بالواسطة؛ تكليف دول أخرى طامحة للعب دور في العلاقات الدولية وإثبات حضور لها، بشنّ حروب أو التمهيد لها أو خلق الأوضاع المناسبة لشنها، يستفيد منها الغرب ويعزز مواقعه ومصالحه وسيطرته. وما جرى في ليبيا قد يتكرر في دولة أخرى في إفريقيا أو أسيا أو أمريكا اللاتينية، وهناك أكثر من "دولة قطر" في العالم، أما اختراع الحجج فأمر بسيط وبعض الإعلام جاهز دائماً للمهمة القذرة!!

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.