تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

من سرق البعث من جماهيره وأبعده عن مبادئه ؟؟؟؟

مصدر الصورة
sns-تعليقات القراء

كان أبي رجلاً فقيراً (ولا يزال) صحيح أننا من دمشقيي جوات (داخل) السور وهذا مصدر فخر أغلب الأحايين إلا أنه لا يحل مشكلة الفقر والذي  ليس عيباً كما يقولون ... ومثل جميع أبناء الفقراء على مساحة الوطن كان الانتماء الى نشاط اجتماعي أو حزب سياسي أو تنظيم نقابي حلماً يراود المخيلة ويمنح الروح الشابة انتماءاً يوحدها مع الآخر مهما اختلف مشرب هذا الآخر وقوة انتمائه الاجتماعي .. ففي جلسة نقابية أو اجتماع حزبي كان الجميع يتساوون وتضيق تلك الفوارق خاصة مع انتشار التوجه نحو توحيد طرز (فورمات) الملابس المستورد من بلاد الاشتراكية فالعمال لهم بدلاتهم والطلاب كذلك وهكذا .. وهذا كان ملجأً لتوحيد قسري يقضي على الفوارق بين فئات المجتمع ولو شكلياً ... أما غنى الثقافة والمعرفة فكان سبيلاً مثالياً لإظهار إمكانات وقدرات  تغطي على رقعة في بنطال عملت عليه الوالدة تصغيراً أو تكبيراً أو ترقيعاً ليحافظ على شكله المقبول أمام الآخرين ويخفي أن أصله بدلة عمل (كما كانت تسمى بفخر في تلك الأيام) ...

أسوق هذا الكلام لأقول أن الانتماء إلى الأحزاب والمنظمات والنقابات يبدأ به الناس في شبابهم ويصبح ملازماً لكرياتهم البيضاء والحمراء .. وليس بيدهم تغييره فمن شبّ على شيء شاب عليه ... قد يبتعد البعض عن التنظيم أو يختلف مع من بقي فيه لكن عيناه تلمعان حزناً ... أو فرحاً كلما ذكّر بالمبادىء (السامية) التي ما زالت تجري في عروقه.

كنا جميعاً في تلك السنوات نشعر بانتمائنا الى فكرة سامية تسكن هناك في أعالي روحنا وهي الانتماء الى وطن كبير ..هو الاعلى و الاسمى والأغنى وكلنا وهذا الأهم ...فيه  واحد ...وأكاد أقول لا فرق بين هذا وذاك إلا بما يقدم ويعمل ويناضل ... وكم كانت كلمة النضال ذات وقع  في النفوس جعلت الكثيرين من أبائنا يطلقها على أبنائه فكانوا أبو نضال و أبو جهاد و أبو ثائر وأبو .... وليس أبو فادي وأبو سامر كما هو الحال هذه الأيام ... إن الانتماء والايمان بالبعث فكرة سامية لم يكن ترفاً  أُخذنا إليه في صبانا لأننا نفتقر الى ما نتسلى به في أوقات فراغنا ، بل كان منهج فكر وثقافة ومبادىء تعلو بالروح وتفتح مجالاً أمام طاقات الصبا والشباب لتكون في خدمة الناس والمجتمع والوطن, هذا ما آمنا به وسرنا عليه مثل الكثيرين من أبناء سورية ممن ولدوا وعاشوا والشعارات الوطنية والقومية تتراءى لهم في كل زاوية من زوايا سورية  الستينات والسبعينات وما بعدها.... نعم أصبح الايمان بالفكرة والمنهج أكبر من أي شيء ولا يقتصر هذا على البعث فالشيوعيون والقوميون السوريون واليساريون على ألوانهم ... وغيرهم ممن آمن بالفكرة وسمُوها بقي على إيمانه لا تغيره الظروف والتغييرات ... فما سكن الروح والعقل لا يمكن أن يغيره إلا انتهاؤهما من الوجود ...

ولكن ...(هذه الكلمة الملعونة)  أين نحن اليوم مما آمنا به .. أين أحزابنا ومنظماتنا ونقاباتنا هل يعقل أنها ضاعت جميعها وأننا كنا نقبض على الرمل وأن هذا كله سراب... وأن هناك من ضحك علينا وسرق منا شبابنا وآمالنا وايماننا بالفكرة والمنهج ؟؟  أين هي تلك الأحزاب التي حملنا أفكارها في روحنا وعقلنا ؟؟ أين البعث ؟؟ أين القومي السوري ؟؟ أين الشيوعي ؟؟ أين ؟ وأين ...؟

هل يعقل أن كل ما آمنا به تحول الى وسيلة أخذها الآخرون وحولوها أدوات تحقق أهدافهم وغاياتهم الشخصية على حساب تلك الجموع من البشر المؤمنين بالفكر والنهج وما قدمته الجماهير من جهد وعرق ودماء ... هل يعقل أن يختصر أشخاص آمالنا وطموحاتنا في بناء وطن آمنا به الى غايات يحققونها لأنفسهم... وتتحول رموز ذلك الايمان الى مكاتب وسيارات وطقوم فاخرة تلمع صافعة روحنا... مستغبية عقولنا بأن ما تحملتم لأجله وسعيتم إليه أصبح شعارات تعلق على الحيطان أما على الأرض فها هي الفيلات والأراضي والممتلكات والسيارات ... حصل عليها من وصل الى مبتغاه راكباً موجة النضال ...وظهور الرفاق ...

هل يعقل اليوم أن حزباً مثل البعث بتاريخه ونضاله ودوره يتحول الى مكاتب وسيارات و أشخاص في قيادات تحركهم غاياتهم ورغباتهم الشخصية وما يحصلون عليه من مكاسب ... هل يعقل أن هذا البعث الذي ظهر من بين الناس بحاجة إلى حماية لقياداته من الناس ؟؟

وهذا (حتى لا نغرق في جلد ذاتنا) ليس حال البعث فقط بل هو حال جميع الأحزاب والهيئات والمنظمات الأخرى فهاهم الشيوعيون والقوميون وغيرهم انقسموا وانشطروا في تنظيمات تدعي جميعها ايمانها بالمبدأ ..والاختلاف على كل التفاصيل ...

 كل ما ذكرته آنفاً يتداعى الى ذهني مرة واحدة كلما قادتني الحاجة الى عبور شارع طيب الذكر والمناضل العربي (وكم كنا نحب المناضلين!!) المهدي بن بركة بدءاً من ساحة أجدادنا الأمويين ..ففي بداية الشارع يطالعك جنود يعتمرون قبعات حمراء ويمتشقون سلاحهم حراساً لمبنى أركان الجيش والقوات المسلحة حماة الديار .. هناك حيث يقف الفارس الشجاع النبيل البطل... الذي تعجز كل الألقاب عن وصفه يوسف العظمة والذي أتمنى أن يقدم تمثاله من خلف السور ويأخذ مكانه في ساحة الأمويين ليراه ويترحم على روحه كل من يمر من جانب مبنى الأركان ...ونعود الى طريق المناضل المهدي بن بركة لأنك لو تابعت صعوداً في الشارع لوجدت المكان الى يمينك زاخراً بالحواجز والمطبات والاشارات الحمراء  والحرس لحماية مقر الرفاق في قيادة حزب البعث .. نعم الحزب الذي ظهر من بين الناس ومن أجل الناس.. يحتاج الى عشرات الجنود لحماية  قيادته .. في داخل مبناه ...

انا البعثي الذي آمن بالبعث مبدءً ونهج حياة تكاد الزفرة تخنقني لأسأل .. هل يعقل أن هؤلاء في الداخل بمكاتبهم وسياراتهم وطقومهم "السينية" يحتاجون الى كل هذه الحراسة ؟؟ وممن ؟؟ من الشعب الذين يدّعون انهم يمثلون مصالحه ويعملون على خدمته وتحقيق آماله وطموحاته ... هذه الصورة لوحدها قد تكون جواباً على كل إشارات الاستفهام والتعجب التي وردت في ما كتبت أعلاه.

والحديث لم ينته لأن جرح الوطن الذي ينزف جعلنا جميعاً نبق البحصة ونبلع  أو "قد نبصق" ...ما في فمنا من ماء ...

 

                                                      ابن البلد

 

    

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.