تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مي زيادة (1886 – 1941)

ولدت ماري زيادة في مدينة «الناصرة» مركز منطق «الجليل» بفلسطين في 11 شباط/فبراير 1886 وكانت ابنةً وحيدةً لأب من لبنان هو «الياس زخور زيادة» من قرية شحتول في كسروان وأم فلسطينية هي «نزهة معمر» من الجليل، وقد قامت ماري بتغيير اسمها إلى اسم عربي عريق وهو مي.

تلقت الطفلة مي دراستها الابتدائية في الناصرة حيث دخلت مدرسة الراهبات اليوسفيات في الناصرة عام 1892 وظلت فيها لغاية 1899، وانتقلت العائلة بعدها إلى لبنان عندما كانت مي في عامها الرابع عشر حيث التحقت بمدرسة راهبات «الزيارة» في عينطورة. واستمرت هناك لغاية 1903. وفي عام 1904 انتقلت من مدرسة عينطورة الى مدرسة الراهبات «اللعازريات» في بيروت.

عام 1908 انتقلت العائلة الى العاصمة المصرية القاهرة بعد أن قرّر والدها ترك مهنة التدريس والعمل في المجالات الثقافية ولا سيما الصحافة حيث أصدر جريدة «المحروسة» وهو أحد ألقاب القاهرة، وهناك التحقت مي بجامعة القاهرة ودرست فيها الفلسفلة واللغة العربية وآدابها.

عام 1910 بدأت مي أولى تجاربها الادبية حين قامت بنشر ديوان بالفرنسية تحت عنوان Fleurs de Rêve) ازاهير حلم) تحت اسم مستعار هو (إيزيس كوبيا (Isis Copia، وانتقلت بعدها إلى مجال الترجمة حيث قامت بترجمة قصة        «رجوع الموجة» للكاتب الفرنسي برادا ونشرتها مسلسلة في جريدة المحروسة، ولم تكتف مي بإجادتها اللغة العربية والفرنسية بل أخذت تدرس الألمانية والانكليزية، وأثناء قضاء أجازتها الصيفية في لبنان عام 1911 انصرفت الى ترجمة قصة «الحب الألماني» لماكس ملر عن الألمانية ، ونشرتها أيضاً متسلسلة في جريدة المحروسة تحت اسم        «ابتسامات ودموع».

ولم تنقطع مي طيلة هذا الوقت عن الكتابة في الجرائد والمجلات، ولا سيما الخواطر التي بدأتها بخاطرة تحت عنوان «السانحة الأولى» وقد نشرتها فيما بعد في كتاب تحت عنوان «سوانح فتاة»، وقامت كبريات الصحف والمجلات المصرية في ذلك الزمان مثل: (المقطم – الأهرام – الزهور – الهلال - المقتطف) بنشر مقالات وأبحاث مي.

والى جانب النشاط الصحافي والأدبي الذي كانت تقوم به مي، من كتابة مقالات وترجمة وتأليف الكتب، كانت تشارك في الحركة النسائية على اختلاف جوانبها الثقافية والاجتماعية والسياسية ولم يقتصر نشاط مي على الكتابة بل تصدرت المنابر خطيبة ومحاضرة فألقت خطباً ومحاضرات عديدة، من أشهرها محاضرة عن «غاية الحياة» التي ألقتها في الجامعة المصرية في 29 نيسان/ابريل عام 1921 اجابة لطلب جمعية « مصر الفتاة» كما باشرت بنشر مقالات تحت عنوان «المساواة» في المقتطف تناولت فيها المواضيع التالية: الطبقات الاجتماعية – الاستقراطية – العبودية والرق- الديمقراطية- الاشتراكية- السلمية- الفوضوية- العدمية .

عام 1922 زارت مي سوريا ولبنان وكانت محط اهتمام ورعاية الأوساط السياسية والفكرية والنسائية فأقيمت لها عشرات الحفلات التكريمية وتبارى الخطباء والشعراء والكتّاب في تناول نتاج مي الأدبي وعبقريتها وكان لهذه الاحتفالات من الأهمية لدرجة ان مجلة «المرأة الجديدة» أصدرت بعد سنتين كتاباً في وصف الحفلات التكريمية التي أقيمت لمي أثناء زيارتها لبنان سنة 1922 وما قيل فيها نظماً ونثراً تحت عنوان «مي في سوريا ولبنان».

وبالإضافة إلى نشاطاتها المتعددة هذه قامت مي زيادة باستضافة صالون ثقافي يعد من الأشهر في العالم العربي وهو صالون الثلاثاء الثقافي الذي استضاف كبار الوجوه الثقافية في مصر والعالم العربي في ذلك الزمان أمثال:

«أحمد لطفي السيد - مصطفى عبدالرازق - عباس العقاد - طه حسين - شبلي شميل - يعقوب صروف - أنطون الجميل - مصطفى صادق الرافعي - خليل مطران - إسماعيل صبري – أمين الريحاني»، ولم يكن نشاط مي منحصراً في الأدب بل كانت تولي الموسيقى اهتماماً خاصاً نعرف ذلك من معاصريها كالدكتور فؤاد صروف الذي ذكر ان مي كانت موسيقية بارعة تتقن العزف على بعض الآلات الموسيقية .

لكن العلاقة الأشهر في حياة مي زيادة كانت التي جمعتها بجبران خليل جبران، كانت بداية معرفة مي بجبران عام 1912 عندما قرأت له مقال «في مثل هذا اليوم ولدتني أمي» ومن يومها تتبعت مي كتابات جبران. وكأنها لم تكثف بما قرأته منها للتعرف عليه فكتبت له وأجابها جبران وكانت رسائل متبادلة أرخت لإحدى أشهر قصص الحب عبر المحيط الأطلسي بين عقلين وعبقريتين وموهبتين فذتين لم يكتب لهما اللقاء قط.

المجد الذي عاشته مي في العشرينيات من القرن المنصرم لم ينتقل إلى العقد التالي حيث بدأ بوفاة والدها عام 1930 بعد معاناة مع المرض، لتتوفى والدتها بعدها بسنتين، كما توفى جبران عام 1931، ودفعت الأحزان مي إلى السفر حيث زارت فرنسا وانكلترا وإيطاليا.

عام 1935 جلب مأساة من نوع آخر في حياة مي. اذ قام بعض أقاربها بتدبير مؤامرة عليها اتهموها فيها بالجنون للاستيلاء على أموالها وتم وضعها في مصحة عقلية وبقيت فيها لسنتين. لكن الصحافة تبدأ بإثارة قضيته وتتبنى جريدة المكشوف قضيتها وتتابعها مرحلة مرحلة الى ان تصل قضية مي الى القضاء الذي يأمر بإخراجها من المصح، وفي مساء          22 آذار/مارس عام 1938 تلقي مي محاضرة في قاعة وست هول في الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان «رسالة الأديب الى الحياة العربية» تضع حداً للشاكين والمشككين بجنونها.

عاشت مي سنواتها الأخيرة في قرية الفريكة اللبنانية مسقط رأس أمين الريحاني وبعدها في القاهرة حيث لفظت أنفاسها الأخيرة صباح 19 تشرين الأول/أوكتوبر 1941.

من أشهر أعمال الأديبة والباحثة والمترجمة مي زيادة: (كتاب المساواة - باحثة البادية - سوانح فتاة - كلمات وأشارات -  غاية الحياة - رجوع الموجة - بين الجزر والمد - الحب في العذاب - إبتسامات ودموع - ظلمات وأشعة - وردة اليازجي - عائشة تيمور - نعم ديوان الحب).

ونختم ببضعة أسطر من كتابات المبدعة مي زيادة: «كل إمرىء يحيا حياتهُ وعليه أن يجد طريقهُ بين متشعب المسالك، وهو مسؤول عن كل عملٍ يأتيه ويتحمل نتاجه، إن فائدة وإن أذى، فالفتاة التي اعتادت الإنقياد لآراء والديها وعجزت عن إتيان عمل فردي تدفعها إليه إرادتها بالإشتراك مع ضميرها، ما هي إلا عبدة قد تصير في المستقبل "والدة" ولكنها لا تصير "أماً" وإن دعاها أبنائها بهذا الإسم. لأن في الأمومة معنى رفيعاً يسمو بالمرأة إلى الإشراف على النفوس والأفكار والعبدة لا تربي إلا عبيداً. ولا خير في رجالٍ ليس لهم من الرجولة غير ما يدعون, إن هم سادوا فعلوا بالقوة الوحشية وهي مظهر من مظاهر العبودية. أولئك سوف يكونون أبداً أسرى الأهواء وعبيد الصغائر الهابطة بهم إلى حيث لا يعلمون، إلى الفناء المعنوي، إلى الموت في الحياة».

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.