تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

"الكوجيتو" التونسي يتفوق على الديكارتي

 
 
ان أقل ما يمكن ان توصف به الثورة التونسية انها "عظيمة"، تستحق أن نفخر بها ونتباهى. وان لم تينع ثمارها بعد ولم يحن قطافها فإنها قد أحدث رجة في أفكارنا، انه "كوجيتو" جديد لكن ليس للفيلسوف الفرنسي ديكارت، بل هو لشباب تونس الذي قلب العالم رأسا على عقب. المنجز الأساسي للفلسفة الديكارتية كان إعادة المعرفة للإنسان بوصفه منتجا لها. والمنجز الأهم للثورة التونسية أنها أعادت تصحيح ما كنا نعتقد أنه حقائق بديهية.
ان استشهادنا بالفيلسوف الفرنسي لم يكن اعتباطيا ابدا بل أردنا من خلاله ان ندخل أسوار بلد الأنور وحقوق الانسان، ونسلط الضوء على قضية باتت أحلك ما يكون. انها قضية المهاجرين غير الشرعيين وما بدا من فرنسا وإيطاليا من موقف سلبي ينم عن سياسة عنصرية مازالت تنخر في عقول ساسستها، فرنسا الغنية بثرواتها الطبيعية تقفل مآويها في وجه عدد ضئيل جدا من المهاجرين غير الشرعيين وإيطاليا تنهال عليهم بالعصي، نعم هذا هو الحل الذي جاد به هذين البلدين بعد تلكؤ وحجج واهية تصب جميعها في إطار سياستمها العنصرية المعهودة التي باتت كأخرق ما يكون لحقوق الانسان . هناك دلائل دامغة تشير الى تراجع الحريات في هذا فرنساعلى نحو مؤسف ومخيف في آن واحد، ففرنسا التي وضعت أسس الكثير من الحريات عبر مبادئ الثورة الفرنسية المعروفة، آخذة في التهاوي نحو درك العنصرية، ودون أن يثير هذا التراجع الخطير حفيظة المفكرين والاحرار في فرنسا او أوربا إلا ما ندر، وكأن ما يحدث أمر طبيعي لا يبعث على الأسى او القلق الانساني.
ان نعت فرنسا بالعنصرية ليس تجنيا عليها فالحجج على ذلك اقوى ما يكون، ففي السنة الفارطة أصدرت عديد القرارات بترحيل الغجر الذين جرى إزالة أكثر من 40 مخيما عشوائيا لهم.
بالإضافة الى تهجيرها عديد السكان الذين يحملون الجنسية الفرنسية بعد سحبها منهم بسبب ادعائها قيامهم ببعض الإعمال التي تضر مصلحة وامن البلد
قد لا ننسى تلك المقولة الخالدة لأحد أبرز المفكرين الفرنسيين"، أنا أخالفك في الرأي ولكنني أقاتل من أجل أن تقول رأيك"، لكننا نستغرب أن يتحول شعب مثل فرنسا الى بؤرة من المشاحنات والتعنصر والتخوّف من الآخر.
انها لمفارقة كبرى أن تضخم فرنسا والبلدان الأوروبية هذا الموضوع في الوقت، الذي أعطت فيه تونس صغيرة المساحة التي تواجه صعوبات اقتصادية وتحديات جمة عقب الإطاحة بالرئيس بن علي، دروسا كبيرة للعالم  في كرمها ووقفتها الإنسانية مع اللاجئين فقد فتحت حدودها وبيوتها لاستقبال كل من وفد إليها من ليبيا" وافرغت خزائنها واستنزفت قوت ابنائها لاطعام ضيوفها.استقبلت تونس منذ اندلاع المواجهات في ليبيا في فيفري أكثر من مليار شخص ينتمون إلى 106 جنسيات.
سخر الشعب التونسي كل ما لديه من إمكانيات لإغاثة هؤلاء النازحين فتتالت قوافل الإغاثة على الجنوب وبادرت الحكومة مع بداية الأزمة بتشكيل لجنة وطنية لرصد ومتابعة الأوضاع بالحدود التونسية الليبية وأنشات المخيمات وركزت المستشفيات واستقبلت العائلات التونسية مثيلاتها من ليبيا وآوتها في مساكنها.. لكن كل ما فعلته فرنسا والبلدان الأوروبية مع المهاجرين غير الشرعيين ينم عن هيستريا وشعبوية بعض المواقف السياسية للبلدان الأوروبية.
وإذا كانت عنصرية النازي (أدولف هتلر) قد كانت الشرارة الأولي لتفجير الحرب العالمية الثانية بعد أن أوهم شعبه بتفوق الجنس الآري علي باقي الأجناس فالاتجاه الآن في أوروبا في التعامل مع المهاجرين لا يختلف كثيرا وإن لم تتبناه حكومات بعينها.
فهل وصل العالم الغربي إلى طاقته القصوى في التسامح مع الغرباء؟ وبعبارة أخرى هل صارت فكرة قبول العالم للمتعبين والفقراء مجرد فكرة مثالية غريبة بعد حقبة طويلة من التسامح في الماضي؟.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.