تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هكذا يريدنا الغرب أن نفكّر.. وهكذا يريدناأن نتصرّف

خاص محطة أخبار سورية

 

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ومعه منظومة حلف وارسو، كثر الحديث عن العدو المقبل الذي سيستخدمه الغرب لتبرير بقاء واستمرار حلف الناتو الذي يفترض أن مسؤولياته وواجباته قد خفّت أو تبدلت. جرى الحديث عن الصين وشيوعيتها، وعن الهند والباكستان وغيرهما. لكن العدو الأول الذي حاربته أمريكا في العقدين الماضيين وسخّرت الجهود العالمية لهذه الحرب، كان الإرهاب؛ الإرهاب العابر للقارات غير الواضح المعالم وغير الواضح المفهوم وغير المحدد بكيان أو هيئة أو دولة أو شكل.

لكنّ هذا الإرهاب تم ربطه بشكل أو بآخر بالإسلام، وبشخصيات مسلمة ومنظمات مسلمة وبدول إسلامية. وبمعنى أوضح بدأ الإسلام يحتلّ الصدارة في سلّم أولويات الغرب دولاً ومواطنين كعدو محتمل، ولاسيما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول. فكانت الحرب المعلنة والمباشرة أو المستترة على الإسلام والتعاليم والقوانين الإسلامية وبالتالي الدول الإسلامية، ولاسيما تلك التي تتخذ مواقف وتتبنى سياسات وطنية وقومية تضعها في مواجهة الغرب وسياساته ومخططاته.

في أوروبا، مثلاً، يجري التضييق على المسلمين وعلى المرأة المسلمة التي ترتدي حجابها، وقد تم منع ارتداء الحجاب في عدة دول أوروبية. لكنّ الحرب على الإسلام والمسلمين اتخذت منحى أكثر عمقاً وتطوراً، ولذلك جرى البحث عن وسيلة لجعل المسلمين يتقاتلون بين بعضهم ليقوموا بالحرب نيابة عن الغرب ولتحقق الحرب غاياتها دون كلفة لهذا الغرب، ودون تدخل منه. فكانت عدة خطوات يمكن تلمسها بشكل أو بأخر:

أولاً، الحديث عن هلال شيعي في الشرق الأوسط، يمتد من إيران إلى العراق فسورية ولبنان. تحدث أحد الملوك العرب قبل عدة أعوام عن قيام مثل هذا الهلال، لكن تبيّن فيما بعد أن صاحب الفكرة هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.و تم الترويج كثيراً لمثل هذا التكتل السياسي الديني، ولكن قيامه واقعياً مستبعد وغير ممكن لألف سبب وسبب. ولكّن تأثير هذه المقولة كان كبيراً في الشارع العربي في منطقة الشرق الأوسط، واستجلب الحديث عن فكرة مضادة تتحدث عن قيام "بدر سني" مقابل، مركزه في السعودية. وهذه المقولة لا تقلّ عن سابقتها خطورة وتأثيراً في عقل المواطن العادي في المنطقة التي تتعرض لكّل وأشد وأخطر أنواع التضليل الإعلامي. بمعنى آخر، فإن الحديث عن قيام هلال شيعي أو بدر سني يستولد الحديث عن تقاتل إسلامي ـ إسلامي بين محورين تقودهما السعودية وإيران، يمتد من المغرب إلى الباكستان وأبعد من ذلك.

ثانياً، ولتسهيل قيام هذا التقاتل الإسلامي ـ الإسلامي، يمهّد الغرب لخطوة أخرى ويحاول بهدوء وصمت تفريغ المنطقة العربية من أهم عناصر غناها وتنوعها؛ الوجود المسيحي. ففي العراق وبعد الاحتلال الغربي لهذا البلد تم تهجير معظم المسيحيين منه. وفي مصر يجري التضييق على المسيحيين واختراع حرب بينهم وبين المسلمين، رغم أنهم يعيشون معاً منذ وجود المسيحية والإسلام ولم يكن هناك تقاتلاً، فلماذا الآن!! وفي زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي الأخيرة إلى فرنسا قبل أسابيع، تم الحديث عن دعوة وجهها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للمسيحيين في لبنان وسورية للهجرة إلى أوروبا التي "تستطيع أن تستوعب مليونين منهم"، أي ما تبقى من المسيحيين في شرق المتوسط، وكأن هؤلاء مستوطنين وليسوا أهل الدار وأصحابها!! وبقطع النظر عن صحّة هذه المعلومات من عدمه، فإن الواقع العملي يبيّن أنّ الأمور والسياسات الغربية تسير بهذا الاتجاه. وليت ساركوزي يدعو الثلاثة ملايين من اليهود في فلسطين للعودة إلى أوروبا بدلاً من ذلك، لأنهم هم الغرباء والمحتلين والمستوطنين، ولكنه بالطبع لم ولن يفعل!!

وإذا ما دقّق المرء في تفريغ شمال العراق وشمال شرق سورية من المسيحيين، فهذا يعني ببساطة خلق منطقة كردية خالصة تقريباً وهذا يعني ما يعنيه في الواقع الجيوسياسي. وإذا ما تذكرنا قيام دولة مسيحية في جنوب السودان إحدى أولى اهتماماتها قيام علاقات لها مع إسرائيل، نتساءل هل يمكن قيام دولة مسيحية أخرى في مصر تضمّ قرابة /12/مليون مسيحي مصري؟ ألا يلخص كلّ ذلك اللعب الغربي بالوضع الديموغرافي للمنطقة العربية وإعادة رسم "خرائطها" على أسس ومعايير جديدة؟؟

ثالثاً، الثورات العربية التي بدأت تتضح أسرارها وأن أيدي الغرب لم تكن بعيدة عنها وعن إشعالها وإيقادها. صحيح أن معظم الأنظمة العربية كانت شبه متآكلة وقديمة وتحتاج إلى التغيير، ولكّن الذي جرى ويجري، يبيّن أن هذه الثورات أو الحركات صممت لتستمر ولتبقى، ولتولّد حالة مستمرة من عدم الاستقرار، تسهّل مهمة الغرب في التدخل الاستعماري ولكن على أيدي العرب وبدعوة فريق منهم ولصالح فئة ضدّ فئة أخرى، وتحت شعارات ثبت أنها لم تكن يوماً الهدف.

وإذا ما نظرنا إلى الواقع العربي بعد الثورات المشتعلة من دولة إلى أخرى من المحيط إلى الخليج، وجدنا أن المعركة انتقلت لتدور على الأرض العربية وبين أبنائها، وأن الدول العربية تحوّلت من دول تمارس دورها وتدافع عن حقوقها وحقوق مواطنيها، إلى دول يتم التقاتل عليها وعلى حسابها وعلى دورها ووجودها وأرضها وخيراتها وثرواتها.

إن نظرة بانورامية على أوضاع المنطقة، تبيّن الأخطار التي تتهدد وجود الأمة العربية ومستقبلها والمخططات التي ترسم لها والتي يهلل لها البعض العربي غافلاً أو متغافلاً، ويسير في ركابها البعض الآخر، طمعاً بتحقيق مصالح آنية ومحدودة. لم تكن المنطقة العربية يوماً بحال أسوأ مما هي عليه الآن، ولكّن تبقى هناك مساحة للعقل والعقلاء في كلّ زمان ومكان، وعلى وجود هؤلاء ودورهم نأمل غداً أفضل.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.