تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

يا سارية: الجبل.. الجبل

 

 

 

 

 

أنقذت صيحة الخليفة الراشدي العادل عمر بن الخطاب «يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم». جيش المسلمين الذي كان يقوده سارية بن زُنَيم بن عبد اللـه الدؤلي لقتال المشركين على أبواب نهاوند في بلاد الفرس عام 645 ميلادية 23 هجرية.

 ولعل صيحة مفتينا الشيخ أحمد حسون بأن المستهدف ليس سارية ورفيقه بل الوطن هو المذبوح الثاني تسهم بإنقاذ بلدنا المتعطش لخلاص يكون على خير لسورية.

 تقول مرويات التراث: إن الخليفة عمر خرج عن سياق خطبة الجمعة وصرخ: «ياسارية: الجبل» وكررها مرتين ثم عاد فأكمل خطبته..

 سمع الجيش الموجود على بعد آلاف الكيلومترات، صوتاً يقول: «يا سارية.. الجبل!»، فعملوا بالنصيحة ولجؤوا إلى الجبل وقامت معركة بعدها فحماهم الجبل وانتصروا.

 صرخ مفتينا وهو يستقبل جثمان سارية: تعالوا لكلمة سواء يا أبناء وطني.. عودوا إلى رشدكم وتوبوا من دماء بعضكم.. ألا يعصم الوطن دماء أبنائه؟ ألا تشفع الأرض لمن نبت فيها وغرس؟ ألا تنفع القرابة والخبز والملح الذي تتقاسمناه؟!

 أين ضاعت قلوبكم؟ أين فقدتم عقولكم؟ أين ذهبت تربيتكم؟ لا أفجعكم اللـه بعزيز.

 تعتبر هذه الحادثة المشهورة في يومنا هذا مثالاً تاريخياً عن القدرة على التخاطر عن بعد.. فالخليفة عمر القائد الأعلى كان قلقاً جداً على هذا الجيش فدفعه قلقه لصرخته «من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم».

 ومن قلق عمر على دماء جنوده أنه كان يطلب دائماً تفاصيل كاملة عن الأوضاع الجغرافية والتضاريس الطبيعية ففي كتابه إلى سعد بن أبي وقاص يقول: «أكتُب إليَّ أين بلغك جمعهم، ومن يلي مصادمتهم، فإنه قد منعني من بعض ما أردت الكتابة قلّة علمي بما أنتم عليه، والذي استقر عليه أمر عددكم، فصف لنا منازل المسلمين والبلد الذي بينكم.. واجعلني بكتبك إلي كأني انظر إليكم، وأعطني من أمركم الجلية».

 وهذه التعليمات ليست جغرافياً فحسب بل تقع في باب الإستراتيجيات كما فعل عندما منع معاوية بن أبي سفيان والي الشام من عبور البحر وأيضاً منعه عمرو بن العاص واليه على مصر من تجاوز حدود مصر الحالية.

 كان مفتينا قلقاً خائفاً باكياً ليس على شهادة ابنه بل على مكانها.. كان يريد أن يستبدل طريق إدلب– حلب بطريق القدس والمسافة ليست بعيدة.. ولكن هناك من فقد بوصلة فلسطين فوجه المسدس نحو سارية وأطاح بحلمه ووصية أبيه أن يصلي بالقدس.

 عرفت سماحة المفتي مذ كنت يافعا أدرج مع أبي نحو جامع بانقوسا لحضور درس الشيخ عبد اللـه سراج الدين أو نحو جامع إقيول «اغير» كما يلفظها الحلبيون لحضور درس الشيخ محمد أديب حسون والد سماحته.. ثم كان لي شرف مقابلته تلفزيونيا عشرات المرات مذ كان مفتيا لحلب وخبرته شجاعا كريما ذكيا منفتحا لماحا وقبل ذلك تستطيع أن تتعامل معه بكل أريحية.

 لكني لم أدرك معدن المفتي كما في خطبة سارية.. تفوق المفتي على جراحه الشخصية وعلى فتاوى الزور والفتنة وشماتة الشامتين وحقد الحاقدين متجاوزاً دماء سارية بالمسامحة بالحب والقول الفصل: المحاجة أمام اللـه.

 يليق بمفتينا أن يكون مفتياً لسورية بكل طوائفها ومذاهبها وتنوعها.. كما يليق بسارية أن يعصمنا بالجبل.

                                                                                                            أنس أزرق   

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.