تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عمر المختار أسد الصحراء وشيخ الشهداء

 

ولد عمر المختار يوم 20 آب / أغسطس عام 1861 في قرية جنزور الشرقية في منطقة بئر الأشهب الواقعة في بادية البطنان شرق مدينة طبرق في منطقة برقة الحدوية مع مصر، وينتمي عمر المختار إلى بيت فرحات من قبيلة بريدان وهي بطن من قبيلة المنيف.

تربى المختار يتيما، حيث وافت المنية والده المختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبته زوجته عائشة والدة عمر، تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد أحد مشايخ الحركه السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام محمد المهدي السنوسي قطب الطريقة السنوسية الصوفية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وقد قال عنه شيخه "لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم". وتولى بعد انتهاء تعليمه مسؤولية مشيخة زاوية القصور السنوسية بالجبل الاخضر.

اختاره السنوسي رفيقا له إلى السودان الأوسط (تشاد) عند انتقاله إليها وقد شارك عمر المختار في الحرب الليبية الفرنسية. وبعد انتهاء الحرب أصبح شيخاً لزاوية (عين كلكه) معلماً للقرآن ومبشراً في تلك الأصقاع النائية من أفريقيا.

في 29 أيلول / سبتمبر 1911م أعلنت إيطاليا الحرب للسيطرة على ليبيا وانسحب الجيش العثماني منها سنة 1912م ووقع الباب العالي "معاهدة لوزان" مع إيطاليا متنازلاً عن ليبيا، ووقع عاتق مقاومة المحتلين على الشعب الليبي وقائده عمر المختار، وشهدت تلك الفترة بعض أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي، وتمكن المجاهدون من صد كافة محاولات الغزاة الإيطاليين للتوغل في الداخل، وتوقفت المعارك بعد نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 واكتفى الطليان بالسيطرة على المدن الساحلية فيما بقي الداخل الليبي حراً تحت الإدارة السنوسية.

لكن هذا الوضع تغير بعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا الذي قاده بنيتو موسوليني  في تشرين الأول / أكتوبر 1922، وعادت إيطاليا إلى ممارسة سياستها العدوانية جامعة بين قسوة الاستعمار الكولونيالي ووحشية الفاشية العنصرية، وغادر السنوسي إلى المنفى في مصر عاهداً بقيادة الأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار.

نظم المختار المقاومة ضد العدوان الإيطالي عام 1923 حيث قسم ليبيا إلى ثلاث مناطق عسكرية (أدوار المجاهدين كما كانت تعرف باللهجة الليبية) وتولى القيادة العامة.

هاجمت القوات الإيطالية التي كانت متفوقة كثيراً على المجاهدين الليبيين بالعدد والعدة "أجدابيا" مركز الثوار حيث نجحت في الاستيلاء عليها، وبدأت بفرض سيطرتها على الجبل الأخضر، وشنت بعدها هجوماً على منطقة الجغبوب، وفي بداية عام 1928 حاول الإيطاليون الإستيلاء على إقليم فزان لكن المجاهدين قاوموهم لثلاثة أشهر ليتمكنوا بعدها من إلحاق الهزيمة الكاملة بهم يوم 22 نيسان / إبريل 1928، وكانت هذه فاتحة لسلسة من الانتصارات التي حققها المجاهدون والتي قوضت السيطرة الإيطالية على الداخل الليبي والجبل الأخضر مما اضطر حكومة الاحتلال الإيطالية لطلب وقف إطلاق النار وعقد محادثات لتوقيع معاهدة سلام مع الثوار الليبيين.

بدأت المفاوضات في 20 نيسان / إبريل  1929، وتم عقد لقاء بين عمر المختار وكبار قادة الثوار والحاكم الإيطالي الاستعماري بادوليو قرب قرية سيدي أرحومه، وقد قدم الإيطاليون لعمر المختار أحد حلين اما مغادرة البلاد إلى الحجاز أو مصر أو البقاء في برقة وانهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، وقد رفض المختار كل تلك العروض وعمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

عينت إيطاليا أكبر جنرالاتها الماريشال غراتسياني حاكماً لليبيا وكلفته بمهمة إنهاء ثورة المختار وقد وضع غراتسياني خطة قمع وحشية تعتمد على سياسة العقاب الجماعي والعزل داخل مخيمات اعتقال كبيرة لأبناء القبائل وقد وصف غراتسياني نفسه خطوات خطته التي اتبعها في كتابه "برقة المهدأة":

1.      قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر.

2.      إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930 وإعطائها صلاحيات واسعة للتنكيل بالثوار.

3.      فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية ونصب المشانق في كل جهة.

4.      تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال واحتجاز لأبناء القبائل.

5.      العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.

في 11 أيلول / سبتمبر 1931 بينما كان عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، في زيارة ضريح الصحابى الجليل رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء تم رصدهم من وحدة استطلاع إيطالية، وإثر اشتباك في أحد الوديان جرح حصان عمر المختار فسقط إلى الأرض وتم أسره، وتم استدعاء أحد القادة الطليان الذي سبق أن فاوض عمر المختار للتثبت من هوية الأسير. وبعد أن التقطت الصور مع البطل الأسير، نقل عمر المختار إلى مبنى بلدية سوسة، ومن هناك على ظهر طراد بحري إلى سجن بنغازى. ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.

وقد صف غراتسياني لقائه مع عمر المختار:

"غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة لفاشستية ؟

أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.

غراتسياني: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟

فأجاب الشيخ: لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.

غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.

فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شيء … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح".

أصرت الحكومة الفاشستية الإيطالية على "محاكمة فورية والإعدام بصورة صاخبة ومثيرة" بحق عمر المختار، وعقدت للشيخ الشهيد محكمة صورية في 15 أيلول /سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.

في صباح اليوم التالي للمحاكمة في 16 أيلول/ سبتمبر 1931 احضر الآلاف من الأهالي لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم، فيما كانت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم.

وسبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الإعدام، لكن إمرأة ليبية حرة اسمها "فاطمة داروها العبارية" أطلقت الزغاريد وندبت فجيعة الوطن عندما شنق المختار، وقد وصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".

كانت اخر كلمات المختار: "نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والاجيال التي تليه... اما أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي."

وقد جسد المبدع الراحل مصطفى العقاد عام 1981 ملحمة نضال عمر المختار واستشهاده في فيلمه "أسد الصحراء" باللغة الإنكليزية أدى الأدوار الرئيسية فيها النجم العالمي أنطوني كوين بدور عمر المختار وأوليفر ريد بدور غراتسياني والنجمة اليونانية إيرين باباس بدور فاطمة العبارية، وقام بدبلجته بالنسخة العربية الفنان المصري الراحل عبد الله غيث.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.