تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جان جاك روسو... والعقد الاجتماعي

رغم أن تعبير "العقد الاجتماعي" أصبح شائع حالياً في مفردات الحياة السياسية المعاصرة إلا أن هذا المصطلح السياسي لم يعرف النور قبل القرن الثامن عشر حيث أطلقه الفيلسوف والكاتب السويسري من أصل فرنسي "جان جاك روسو" في كتابه الشهير الذي حمل عنوان "العقد الاجتماعي" عام 1762.

ويمكن تلخيص فكرة العقد الاجتماعي بالجملة التي كتبها جان جاك روسو في كتابه حيث قال: "يمكن التعبير عن لب فكرة العقد الاجتماعي ببساطة: كل فرد منا يضع شخصه وسلطته تحت التوجيه الأعلى للإرادة العامة، والجماعة تستقبل كل فرد كجزء لا يتجزأ من المجموع".

ورغم أن جان جاك روسو هو من صاغ مصطلح العقد الاجتماعي إلا أن بذور هذه الفكرة  موجودة في عصور سابقة لزمنه بوقت طويل، حيث يمكن تتبع أولى جذور فكرة العقد الاجتماعي في حوارية "كريتو" للفيلسوف الإغريقي أفلاطون (347-424 ق.م) ومبادئ الفيلسوف الإغريقي إبيكوروس (341 – 260 ق.م).

كما عرف العرب أول وثيقة مكتوبة في التاريخ يمكن اعتبارها بمثابة عقد اجتماعي ممثلة  بصحيفة "المعاقل" التي كتبت في المدينة المنورة بعد هجرة النبي العربي محمد بن عبد الله (ص) إليها حيث تعاقد أهل المدينة من أنصار ومهاجرين ويهود على أسس تحكم الحياة السياسية في الدولة الناشئة، كما يمكن اعتبار نظام المبايعة نوعاً من العقد الاجتماعي الذي يتجدد مع تولي كل خليفة.

وقد بدأت العناصر المكونة لنظرية العقد الاجتماعي بالظهور في كتابات الفلاسفة الأوروبيين مع "هوغو غروتيس" عام 1625 الذي أظهر فكرة الحقوق الطبيعية للأفراد، أما فكرة التعاقد فظهرت في كتاب "ثوماس هوبز" "ليفيثان" عام 1651 حيث قال أن حدوث التعاقد يتم عندما يجتمع الأفراد ويقومون بالتنازل عن بعض حقوقهم الشخصية مقابل قيام الآخر بالمثل، أما "جون لوك" (1689) فقال أن الطبيعة البشرية تحتم على الأفراد التجمع من أجل تشكيل دولة، ليأتي جان جاك روسو ليقدم نظريته في العقد الاجتماعي القائم على السيادة الشعبية اللامحدودة.

 

من هو جان جاك روسو:

وُلد روسو في مدينة جنيف بسويسرا في 28 حزيران/ يونيو 1712 وكانت أسرته من أصل فرنسي، وتوفيت أمه عقب ولادته مباشرة، حيث عاش فترة مع والده حتى عام 1722م، حين اضطر والده إلى مغادرة جنيف فتولى عمه مسؤولية تربيته.

في عام 1728 غادر روسو جنيف، وحاول في بادئ الأمر احتراف الموسيقى التي كان يعشقها، ومن ثم تعرف على سيدة فرنسية تدعى "لويز دي وارنز" تكبره سناً باثني عشر عاماً حيث أقام معها في سافوي  التي كانت جزءاً من إيطاليا آنذاك ردحاً من الزمن وكان لها تأثير كبير على تشكيل شخصيته قبل أن يفترقا عام 1740.

انتقل روسو إلى باريس عام 1742، حيث حاول احتراف الموسيقى وابتكر نظاماً جديداً للعلامات والرموز الموسيقية وقدمه إلى أكاديمية العلوم لكنه أثار قدرًا ضئيلاً من الاهتمام، وتعرف في باريس على من مشاهير كتاب وفلاسفة ذلك العصر منه الفيلسوف "ديدروت" والعلامة "دالامبرت" الذي أسس أول موسوعة وشارك روسو في تحرير تلك الموسوعة بكتابة بعض موادها، وحصل روسو على وظيفة سكرتير للسفير الفرنسي في البندقية وسافر معه إلى المغرب حيث تعرف على الحضارة العربية وعلى الدين الإسلامي كما قع في غرام فتاة مغربية تدعى "حميدة" كتب عنها في مذكراته التي أصدرها لاحقاً.

عام 1749 قدم روسو بحثاً إلى أكاديمية ديجون الفرنسية تحت عنوان "بحث علمي في العلوم والفنون" حمل فيه على العلوم والفنون لإفسادها الإنسانية، وقد حصل بحث روسو على جائزة الأكاديمية وأثار جدلاً واسعاً وأكسبه شهرة كبيرة، وكتب بعده بحثاً ثانياً عام 1755 تحت عنوان "خطاب حول مصدر وأسس اللاعدالة بين الناس"، الذي عزز من شهرة روسو وأثار أيضاً جدلاً واسعاً، كما كتب روسو في تلك الفترة ولحن أوبرا "عراف القرية" التي مثلت بحضرة ملك فرنسا لويس الخامس عشر الذي أعجب بها إلى درجة أنه قرر منح روسو راتباً مدى الحياة، لكن روسو رفض المنحة الملكية.

ألف روسو بعدها رواية "جولي" التي عرفت رواجاً كبيرة، وبعدها كتابه الأهم في الفلسفة السياسية "العقد الاجتماعي" عام 1762، الذي أثار لغطاً واسعاً وانتقادات حادة حتى من بعض أصدقاء روسو الذين ألفوا كتباً يضحدون فيها نظرية العقد الاجتماعي، وقد ساعدهم روسو في إيجاد ناشر لتلك الكتب، لكن روايته الثانية "إميلي" التي تتناول تربية الأطفال أثارت موجة استياء واسعة وخاصة الفصل الذي خصصه للحديث عن الدين، حيث أكد فيه أن جميع الأديان صحيحة ومتساوية ما دامت تدعو الإنسان إلى الفضيلة مما أدى إلى إحراق كتبه في جنيف وفي فرنسا وإصدار أمر باعتقاله دفعه إلى الهرب من فرنسا عام 1765 حيث استقر به المطاف أخيراً في انكلترا وبقي فيها عامين قبل أن يعود سراً إلى فرنسا عام 1767، وبعد رفع الحظر عنه عام 1770 بدأ روسو بكتابه اعترافاته الشهيرة لكن الشرطة أمرته عام 1771 بالتوقف عن كتابتها، وألف بعدها حوارية تحت عنوان "روسو يحاسب جان جاك" عام 1776، وتوفي جان جاك روسو يوم 2 تموز/ يوليو 1778

ونختم بإحدى أشهر عبارات رائد عصر التنوير وسيادة العقل جان جاك روسو: "الحرية صفة أساسية للإنسان، وحق غير قابل للتفويت، فإذا تخلى الإنسان عن حريته فقد تخلى عن إنسانيته وعن حقه كإنسان، والحرية تعني تمتع الفرد بجميع حقوقه السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية في إطار قانوني".

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.