تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تحديات جديدة

هدد رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بحجب شبكات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» وغيرها، كما سرت أخبار عن إمكانية توقيف خدمة هواتف «بلاكبيري»، لقدرة النظامين الأول والثاني على تجاوز الرصد الأمني وتكوين شبكات اجتماعية متخصصة تتحرك ميدانيا بسرعة شديدة.
 
جاءت التهديدات بعد أحداث الشغب والاحتجاج التي شهدتها لندن في الأسبوع الماضي التي طالت ثلاث مدن وقتل فيها خمسة أشخاص.
تهديد كاميرون، في أعرق ديمقراطيات العالم يعيدنا تقريباً إلى المعادلة التي دعت ابن خلدون يوماً ما لكتابة مقدمته في السياسة والحكم وما تلاها من نظريات حول العقد الاجتماعي المثالي لتنظيم العلاقة بين الشعب والسلطة.
ربما يكون الاعتقاد أن أعتى ما تواجهه النظم على اختلافها حالياً هو الأزمات الاقتصادية المتراكبة، خاطئ. فما هو مؤكد الآن أن التهديد الحقيقي بات يستهدف سلطة الدولة ونظمها، عبر سلطة الشعب التي تأتي متفرقة في جماعات قد لا تكون مصلحتها متوافقة تماماً ودوماً مع مصلحة البلد كله.
ففي أيام قليلة هددت الحكومة البريطانية بالاستعانة بالجيش وعرقلة الاتصالات وممارسة رقابة واعتقلت 1500 شخص وفقاً لوسائل الإعلام، وأقفلت متاجر لندن لأيام تلت تحسباً. والأمر ذاته مرشح في أكثر من دولة أوروبية تعاني سياسة التقشف نتيجة الإنفاق غير المدروس وسوء الإدارة. لقد صنعت الثورة في الاتصالات تجمعات خفية تتمركز بين السلطة والعموم، تمنح أي فرد انتماء إن أراد، وتتيح له تكوين انتمائه المصلحي والترويج له أيضاً. لم يعد بمقدور الدولة أن تتنبأ بالاحتجاج، ولا بشرارته. لم يعد بمقدور أجهزة الأمن على تنوعها الاستناد إلى المعلومة المخزنة للاحتراز المسبق. صار الحديث عن تدخلات الجيش في مكان ملاذاً يواجه الاحتجاج أو التخريب باستعراض السلاح الثقيل أو حتى استخدامه.
هل فعلاً دخلنا نطاق بحث عقد جديد من العلاقة بين الشعب والسلطة؟ هل يبرر وجود «مليون» مؤيد لـ«مصر إسلامية» في ميدان التحرير منذ جمعتين «إسلامية الدولة في مصر؟» هل يتحدد مستقبل البلد- كل بلد- في عدد القادرين المنظمين على احتلال ميدان أو شارع؟ هل أقلية منظمة قادرة على تحديد قدر أغلبية متشرذمة؟
والسؤال معكوس: هل يحق للدولة التي واجهها مليون متظاهر في التحرير، أن تتعالى بحجة بقاء 80 مليوناً في منازلهم؟ هل يحق للدولة بحجة تأمين الأمان إقصاء أقلية محتجة؟ هل يحق للدولة أن تشعر بالتهديد... من فئات الشعب؟ هل يحق لدولة أن ترتاح لتقسيم «المليون» إلى مندسين ومأجورين ومتسلقين... إلى آخر السلم؟
إن أساس العلاقة بين الطرفين- السلطة والشعب- وفق فلاسفة القرن الماضي والقرن الذي سبقه، تقوم على «خضوع الإرادة الحرة الفردية للإرادة العامة» وهو ما ينظم في قواعد «يتوافق عليها الجميع يتنازل بموجبها الفرد عن حريته المطلقة مقابل الأمن والاستقرار والنظام». لقد اهتزت هذه المعادلة مؤخراً. والواقع الجديد، يجعل التنبؤ بالمستقبل ليس في دولنا فقط، بل حتى في الغرب مستحيلاً.
لقد توافرت المقدرة لدى الجميع الآن لتحويل الأفكار إلى أفعال تستطيع تسجيل انتصارات سريعة في جمع المؤيدين، وجرهم خلفها.
على عرش هذه الانتصارات تتربع شبكات التواصل التي تجعل مفهوم «التجمع أو
grouping» ميزتها الأساسية في العمل السياسي والاجتماعي. وبما أنها ليست إلى زوال بل إلى تقدم، على السلطة أن تجد المخارج وتطور نفسها، وبينها وبين ذلك قليل من الوقت. يقول أحد الفلاسفة الاجتماعيين: «الحضارات لا تموت قتلاً. وإنما تموت انتحاراً». ربما ما زال تجنب الانتحار ممكناً.

 

                                                                                                                                    زياد حيدر 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.