مرت منذ عدة أسابيع الذكرى السادسة والثلاثون لوفاة الموسيقار السوري-المصري الكبير فريد الأطرش، أمير الطرب وأمير العود، وأحد أهم المجددين في العزف على آله العود، أعرق الآلات الموسيقي العربية على الإطلاق.
ولد الأمير فريد ابن الأمير فهد فرحان اسماعيل الأطرش في القريا جبل العرب يوم 19 تشرين الأول/أوكتوبر 1910، وهو يتنمي إلى إحدى أهم العائلات وأبرزها من بني معروف وسكان جبل العرب.
والده الأمير فهد كان أحد الثوار المشاركين في الثورة العربية الكبرى أما والدته فهي علياء المنذر من حاصبيا بلبنان التي هربت بعائلتها المكونة من فريد وفؤاد وآمال (التي أصبحت بدورها مطربة شهيرة تحت اسم اسمهان) إلى مصر هرباً من بطش الفرنسيين، واستقر المقام بالعائلة في القاهرة حيث التحق الفتى فريد بإحدى المدارس الفرنسية بعد أن اضطر إلى تغيير اسمه لكي يتم قبوله فيها، لكن بعد أن اكتشفت المدرسة هويته الحقيقة طردته من المدرسة.
تقطعت السبل بالعائلة في القاهرة ولم تصلها أخبار عن الأب الغائب الذي تبين أنه قضى نحبه ودفن قرب مدينة السويداء، مما اضطر الوالدة التي كانت تتمتع بصوت جميل إلى الغناء في قصور الأمراء والوجهاء المصريين يرافقها ابناها فريد وفؤاد.
وعلى الرغم من رغبة الأميرة علياء أن يكمل فريد تحصيله الأكاديمي لكن موهبة الموسيقار الفذة أقنعتها بضرورة التحاقه بالمعهد الموسيقي في مصر حيث تم قبوله، واضطر إلى دخول سوق العمل إلى جانب الدراسة من أجل المساهمة في إعالة عائلته، ونجح في التعرف على بديعة مصابني التي أعطته مكاناً في الفرقة التي تردد الأغاني وراءها، لكنه نجح فيما بعد أن يكون مغنياً منفرداً في مسرحها.
طرد فريد الأطرش من المعهد الموسيقي بعد سنة إثر فشله في تقديم امتحان بسبب مرضه، لكن باباً آخر فتح له حيث نجح في فحص إذاعة القاهرة وعين مطرباً فيها، ومن طرائف الأقدار أن نفس اللجنة الفاحصة التي طردته من المعهد كانت المسؤولة عن قبوله في الإذاعة، وكان يغني في الإذاعة مرتين أسبوعياً، وفي إذاعة القاهرة سجل أولى أغانيه "يا ريتني طير لطير حواليك"، لتكر بعدها سبحة أغانيه التي وصل عددها إلى أكثر من 220 أغنية لكبار الشعراء العرب أمثال: (أحمد رامي – الأخطل الصغير – بيرم التونسي – بديع خيري – الأمير خالد الفيصل – كامل ومأمون الشناوي... وغيرهم).
دخل فريد الأطرش عالم التمثيل السينمائي عام 1941 وشكل مع كل من سامية جمال وعبد السلام النابلسي شراكة فنية تعتبر الأنجح في تاريخ السينما المصرية والعربية في منتصف القرن العشرين، وظهر فريد الأطرش في 31 فيلماً كان آخرها عام 1975، ومن أشهر أفلامه: (انتصار الشباب مع شقيقته أسمهان، حبيب العمر مع سامية جمال، عفريتة هانم مع سامية جمال، ما تقولش لحد مع سامية جمال، لحن الخلود مع فاتن حمامة، ودعت حبك مع شادية وإخراج يوسف شاهين، نغم في حياتي مع ميرفت أمين... وغيرها).
وبالإضافة إلى كونه ممثلاً ومغنياً كان فريد الأطرش عازفاً بارعاً على العود، أعاد إلى هذه الآلة الموسيقية الكثير من الاعتبار حيث كان يصر على تقديم وصلات منفردة من التقاسيم على العود قبل بداية كل أغنية في حفلاته الموسيقية وتسجيلاته، وقد أدخل الكثير من التطويرات والتحسينات على تقنية العزف على هذه الآلة آثرت بشكل كبير في أعمال العازفين الذين تلوه، وقد حصل على جائزة ملك العود عام 1964 في مسابقة عالمية للعزف في تركيا.
كما كان فريد الأطرش ملحناً وموسيقاراً لحن جميع أغانيه وأعطى الكثير من الألحان لغيره من المطربين أمثال: (شقيقته أسمهان، شادية، فايزة أحمد، صباح، وديع الصافي، عصام رجي، نور الهدى، وردة الجزائرية، فهد بلان، محرم فؤاد... وغيرهم).
كانت حياة فريد الأطرش الشخصية مليئة بالأحداث الدرامية والتقلبات من الفقر والمعاناة إلى الشهرة والغنى، وعلى رغم اشتهاره بالرومانسية إلى أنه ظل دائماً يسعى وراء الحب الضائع الذي لم يستطع إيجاده يوماً فمضت أيام عمره دونما العثور على شريكة حياته فمات أعزباً لم يتزوج، كما ارتبطت حياته بالمآسي، موت والده المبكر، ووفاة شقيقته أسمهان المفاجئة في حادث سيارة وهي في عز نجاحها وتألقها، ومن الغريب أنه لم تتصدى إلى الآن أي جهة إنتاجية لإخراج مسلسل عن حياته الغنية إسوة بغيره من مشاهير زمانه أمثال شقيقته أسمهان والسيدة أم كلثوم والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وليلى مراد واسماعيل ياسين... أفلا تستحق الأجيال الشابة أن تعرف قصة حياة ومعاناة ونجاح هذا الموسيقار الخالد؟
