تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ميسلون24تموز 1920–ميسلون 24 تموز2011

محطة أخبار سورية

رغم أن تاريخ وقوع الأحداث الجسام ثابت إلى أن الظروف التي تعود فيها ذكراها في كل عام متغيرة، مما يجعلنا نقرأ تلك الأحداث التاريخية الغابرة بمنظار جديد مع تغير الظروف التي نعيشها اليوم.

 

تمر في 24 تموز من كل عام ذكرى معركة ميسلون التاريخية، تلك المعركة التي وصفها الصديق الباحث الموسوعي الراحل برهان بخاري بأنها "معركة خاسرة عسكرياً ورابحة تاريخياً"، والتي أسست لموقف لنضال التحرر الوطني المباشر عسكرياً وسياسياً ضد الاحتلال الفرنسي والذي لم يهدأ طوال سني الانتداب الـ 25، وانتهى بالجلاء التام للقوات الأجنبية عن سورية في 17 نيسان 1946.

 

اليوم تعود ذكرى ميسلون المعركة الملحمية الخالدة التي تعد نقطة فاصلة ومفصلية شكلت مسيرة تاريخ سورية بعد الاستقلال عن السلطنة العثمانية، تمر الذكرى وبلادنا تمر بامتحان يدفعنا إلى العودة إلى التاريخ لنعيد قراءته لنستند إلى حكمة الآباء والأجداد حين واجهوا ظروفاً مشابهة، ولنتعلم منهم كيف نكون واعين وعارفين ما يجري ... رافضين ومقاومين أي مساس بوحدة الوطن والمواطنين.

 

لقد كان بطل ميسلون يوسف العظمة أحد رواد الوحدة الوطنية في سورية عبر التأكيد على إلزامية وشمولية الجيش العربي الذي أسسه وتولى تدريبه لجميع أبناء الوطن بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الطائفي أو المناطقي، ليكون المصهر الذي تمتزج فيه روح الأمة في وحدة وطنية متناغمة من النسيج الاجتماعي المتعدد والمتلون والمتناغم. وقد يبدو هذا الكلام أمراً طبيعياً اليوم لكن يجب التأكيد أنه في تلك الفترة كانت الجيوش تعتمد إما على المرتزقة من الأجانب بالدرجة الأولى، أو على طبقة معينة من الناس دون البقية أو فئات محددة.

 

لقد كان العظمة يدرك أن هذه الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى للدفاع عن البلاد، أما الأسلحة التقليدية فتبقى قطعة من المعدن، وقد أثبتت معركة ميسلون وما بعدها صحة هذا الكلام، فحين عجز السلاح عن منع الجيش الفرنسي من احتلال سورية، نجحت الوحدة الوطنية في منع فرنسا من تقسيمها إلى دويلات طائفية ومناطقية.

 

لقد زرعت معركة ميسلون التاريخية الفكر المقاوم في سورية والمنطقة العربية، هذا الفكر الذي يؤمن بأن عدم تكافؤ القوى لا يعني الرضوخ والاستكانة والاستسلام، وأن الشعوب التي ترضخ وتنصاع للمحتل الأجنبي بدون قتال ينساها التاريخ وتموت، بينما الشعوب التي تأبى أن تسفك حريتها بدون قتال – ولو كان معركة غير متكافئة تماماً وخاسرة حتماً من المنظور العسكري كمعركة ميسلون عام 1920 – فأنها تبقى حية والزمن سيحمل لها حتماً الانتصار الحرية والاستقلال لإبقاء جذوة النضال حية في نفوس أبنائها تغذوها مآثر أبطال كيوسف العظمة في أحداث ومواقف كواقعة ميسلون، ومن هنا نفهم معنى أن تكون المعركة الخاسرة عسكرياً أحياناً معركة رابحة تاريخياً.

 

وقد تطرقت لهذا الموضوع مفصلاً في الكتيب الذي أصدره اتحاد الناشرين السوريين عام 2010 ضمن حملة خذ الكتاب بقوة والذي عنوانه (معركة ميسلون والشهيد يوسف العظمة .. زراعة الفكر المقاوم).

 

في يوم ميسلون نستذكر الوزير، الشهيد، البطل يوسف بن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة الذي ولد في حي الشاغور بدمشق يوم 9-4-1884 لأسرة دمشقية عريقة، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي العسكري في دمشق وأتمه في اسطنبول وتخرج عام 1901 كضابط في سلاح الفرسان، ليكمل بعدها دراسته الحربية العالية ويصبح برتبة ملازم أول عام 1905، ومدرسة أركان حرب ليحصل على رتبة نقيب بالإضافة إلى وسام المعارف الذهبي لتفوقه عام 1907.

 

التحق يوسف العظمة بالحكومة العربية في دمشق برئاسة الأمير فيصل بعد نهاية الحرب العالمية الأولى واختاره فيصل كمساعد عسكري له، وعينه بعدها معتمداً عربياً في بيروت التي كانت تحت السيطرة الفرنسية، وكان له نشاط بارز في الدعوة القومية مما حدا بالسلطات الفرنسية للمطالبة بسحبه، انضم إلى بعد ترقيته إلى رتبة عميد إلى حكومة           الأمير زيد بن الحسين في 26-1-1920 حيث تولى منصب رئيس أركان الجيش العربي، وبعد صدور قرارات مؤتمر سان ريمو بخصوص فرض الانتداب الفرنسي على سورية تم تشكيل حكومة دفاع وطني برئاسة هاشم الأتاسي في     13-5-1920 وأصبح العظمة وزيراً للحربية فيها.

 

في يوم ميسلون الآن نستذكر كيف كان العظمة من أشد المدافعين عن فكرة مقاومة الانتداب الفرنسي بالوسائل المسلحة، رغم إدراكه الفرق الشاسع بين إمكانيات الجيش الفرنسي الذي كان يعتبر وقتها أقوى جيش بري في العالم والإمكانات المتواضعة للجيش العربي الذي لم يكن عمره يتجاوز الشهور، لكنه فضل المقاومة على الاستسلام، ولما بدأت القوات الفرنسية بالتقدم لاحتلال دمشق قاد الوحدات المتفرقة والمبعثرة من الجيش العربي - الذي حلته الحكومة استجابة لإنذار الجنرال الفرنسي غورو - ومن انضم إليها من المتطوعين المدنيين وخاض معركته الأخيرة في ميسلون حيث استشهد برشقات من إحدى الدبابات الفرنسية في الساعة العاشرة و25 دقيقة صباح يوم 24-7-1920 ليكون أول وزير دفاع في التاريخ يستشهد في الخطوط الأمامية للمعركة وهو يقود قواته.

 

في يوم ميسلون نستذكر كلمات يوسف العظمة الأخيرة قبيل ذهابه إلى القتال: "إني أعرف ما يجب علي وسأقوم بواجبي، ولست آسفاً على نفسي، بل أسفي على الأمة التي ستظل سنوات كثيرة أو قليلة هدفاً لكل أنواع المحن والمصائب، وإني مطمئن إلى مستقبل الأمة لما رأيته وخبرته بنفسي من قوة الحياة الكامنة فيها، وواثق من عطف أصدقائي على طفلتي (ليلى)، فسأذهب مستريح البال مطمئن القلب في طريق الواجب المفروض علي".

 

وما زال الشاهد على أهمية الدور الذي تحتله معركة ميسلون في قلوب السوريين موجوداً حتى اليوم في نقش على مدخل الجامعة السورية (مبنى كلية الحقوق في جامعة دمشق اليوم) الذي يقرأ: "ثأر موقعة ميسلون ذكرى دخول القوات العربية دمشق 24 تموز 1945".

 

نريد أن تبقى ذكرى ميسلون أبداً في نفوس السوريين الذي هم أعز وأقوى وأوعى من أن يسمحوا لجيش أجنبي محتل آخر أن يدخل عاصمتهم دمشق ... قلب العروبة النابض وعاصمة الأمويين الذين ألحقوا الدنيا ببستان هشام.

 

ونختم ونحن نردد أبيات الشاعر عمر أبو ريشة في يوم ميسلون:

كم لنا من ميسلون نفضت             عن جناحيها غبار التعب

شرف الوثبة أن ترضي العلا         غلب الواثب أم لم يغلب

 

وأبيات من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي:

سأذكر ما حييت جدار قبر            بظاهر جلق ركب الرمالا

مقيم ما أقامت ميسلون                 يذكر مصرع الأسد الشبالا

وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين... والمواطنين.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.