تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تجار الدين يسمسرون بالاسلام من أجل كرسي السلطة

 محطة أخبار سورية

الاسلام في علاقته بالسياسة موضوع متشعب القضايا ومترامي الأبعاد، لا نروم فتحه من أجل توجيه أصابع الاتهام إلى شريحة اجتماعية معينة أو بغاية النبش في الانتماءات الدينية أوالعرقية، بقدرما يهمنا الوقوف عند بعض الظواهر الشاذة التي نحب ان نحفظها ولا نقيس عليها، ولنؤكد على سماحة الاسلام وترفعه عما يلصق به  من تهم باطلة ومن فتاوى تخدم مصالح بعض الزنادقة الذين يتسترون برداء الاسلام من أجل الوصول إلى أغراضهم.

وهم المسؤولون الأوائل عن تشويه تعاليم ديننا الحنيف والصاق التهم به، الذي هو مترفع عنها ومنزه عن أغراضها البغيضة، وهنا نريد أن نفصح القول ونفتح أعين مجتمعاتنا على أولئك الذين يحاولون إدخال البلبلة في صفوف أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد لأسباب واهية أبعد ما تكون عن الاسلام وهم تجار الدين الذين كانوا بالأمس ومازالوا يعتاشون من بلاطات الأنظمة الديكتاتورية ويبيحون لها ما حرم باسم الدين، وساهموا في تسطيح المجتمع ودفعه إلي مزيد من التخلف والتعصب تحت تأثير شهوة السلطة والثروة والشهرة.

واني لاتحدث عن هذا الموضوع وأستحضر صورا في خيالي للرئيس التونسي بن علي الذي كان بالنسبة لشعبه خليفة منزها وملاكا طاهرا، اسمه يدوي في المساجد وأفعاله وخصاله تلصق بخصال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تقوم صلاة ولا خطبة في أي مسجد الا وحضر فيها بالقوة واكتسح فيها الأرجاء حتى لكأن الناس يصلون لزين العابدين "ربهم الأوحد" وليس لله سبحانه وتعالى !.

هذا الوضع هو الذي جعلنا نعيش على امتداد عقود من الزمن وعلى أعيننا غشاوة سميكة لم تكن لتزول لو لا نور ثورة 14 جانفي 2011 التي أشرقت في  عقولنا المظلمة والمكبلة وجعلتنا نبصر كل الحقائق عارية ومنها حقيقة فئة تجار الدين الموجهين سياسياً.. الذين مازالوا يسعون إلى الضغط على المشاعر بالعزف على وتر الدين ليصلوا إلى كرسي السلطة.

ما أكثر هؤلاء المدعين في الدين معرفة والمتضلعين في التفسير والاباحة والتكفير، العالمين بخبايا القرآن وبأسرار الكتاب.. الكل يفتي والكل يروي ويفسر، فبات المفهوم الروحي للدين وسيله لكسبهم الدنيوي والركوب على ظهر الدين من أجل السلطة. ولعل سياسة بن علي في هذا المنحى خير دليل على ذلك فقد تعمد تضليل الشعب عن حقيقته المثقلة بالآثام بالاكثار من بناء المساجد وباحداث إذاعة للقرآن (الزيتونة) وبالمواظبة على جميع المناسك الدينية.

ما أبعدنا اليوم عن الدين الاسلامي الحنيف وعن سماحة تعاليمه، وما أبغض ما يدور في بلداننا العربية من صراعات وتطاحن ونزاعات، من أجل كراسي السلطة، بالأمس كانت القاعدة الوحيدة لدى المسلمين هي العمل في الأرض وأفئدتهم مشدودة الى السماء، زادهم الإيمان والتقوى، ومقاصدهم العافية والعيش الحلال، وحتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتغير حال المسلمين، فعندما خلف أبو بكر الصديق الرسول اعتبر السلطة نيابة عن النبي، والنائب مؤتمن ينفذ تعاليم المنيب، وسار عمر بن الخطاب على نفس  الدرب النبوي، وحافظ على مفهوم  أن السلطة أداة خدمة للعباد لا أداة للتسلط، وانقضى الشطر الأكبر من عهد الخلفاء الراشدين، في كنف التوازن والانسجام بين المسلمين والخلافة.

لكن لما انتزع معاوية بن أبي سفيان الخلافة بقوة السلاح والمال والبراعة السياسية، أصبحت السلطة أداة للتسلط والتنكيل والجبروت.. وحاد المسلمون عن التوجه الحقيقي للدين الاسلامي الذي أصبح يشكل وفق المصالح المرجوة ويوظف لخدمة الأغراض الشخصية مثلما هو الحال اليوم الذي بات فيه الاسلام  أداة تتاجر بها قوى الردة والراكبون على ظهر "الربيع العربي" والمتحججون بالديمقراطية.

يرتبط إحقاق حقوق الإنسان بالإصلاح الاجتماعي، فلا إحقاق للحقوق في ظِلِّ الفساد والإفساد القائم على الجور والظلم، ولذلك فإن الشريعة الإسلامية قد أقرَّت المقاصد الشرعية لتحقيق الإصلاح الاجتماعي القائم على إنصاف الإنسان وإعطائه كامل حقوقه في ظلِّ العدل والمساواة، وبناءً على ذلك تتطابق نتائج حِكْمَةِ الْحُكم وعلته، ويتجلى ذلك في المقصد الذي ترمي إليه الأحكام من خلال درء المفاسد، وجلب المصالح لجميع المخلوقات.

إن المقاصد الحقيقية للشريعة الإسلامية هي حماية الكون، وفي مقدمة ذلك إنصاف الإنسان، وتحريره من الظلم، وفرض أحكام الحلال والحرام، وإقرار فقه الحقوق الإنسانية العامة والخاصة عملا بقاعدة "لا ضرر ولا ضرار". ومَن يستقرئ أصول الأحكام الشرعية وفروعها يجد توافقاً عقلياًّ وشرعياًّ على ضرورة توفر الشروط الخاصة بكل حُكم، والشرطُ العامّ هو توفر الأهلية باعتبارها مناط التكليف الشرعي القائم على الأمرِ بالطاعةٍ، والنهي عن المنكر.

وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال ملح يبحث عن إجابة شافية وهو هل أن كل من يدعي في الدين الاسلامي حكمة وفتاوى مؤهل لأن يكون قائد الأمة؟

إن  الوضع الراهن لعالمنا المعاصر يؤكد وبوضوح وجود حراك وجدال في مختلف المجالات الثقافية والتشريعية والسياسية.. وكلُ منتسب لفريق  يعتبر أن بيده الحل السحري لمعضلات الناس جميعا، وهو الضامن لمختلف الحقوق على اختلاف مشاربها، ويرى في نفسه الأجدر والقادر الأوحد على ضمان الديموقراطية التي في باطنها تخدمه هو قبل أن تخدم غيره هذا من ناحية. أما على الجانب الآخر من حلبة الصراع فنجد بعض المجادلين الناقمين على الإسلام المعادين لغيرهم بسبب التعصب الذاتي، معتبرين أن الشريعة الاسلامية خطر على حقوق الإنسان.

وسبب الادعاء هو أن ذلك الْمُدّعي في تعاليم الاسلام معرفة جاهل بالتراث الشرعي الإسلامي، ويهاجم بدوافع الحقد والكراهية، والأحكام المسبقة.

بعد كل هذه الأقواس التي رمنا فتحها نعود مرة أخرى لنؤكد على أننا فتحناها لا بغاية التنكيل أو التشهير لا بهذا ولا بذاك بل هي دعوة صريحة وملحة لإعادة تنظيم العلاقة بين الدين والدولة وفضح جميع أولئك الملتفين على الدين  الاسلامي لتمرير أغراضهم الشخصية، حتى نضمن صلابة الركيزة الأساسية التي من المفروض أن ينبني عليها النظام الديمقراطي في أي دولة وفق نظام الاختلاف والالتقاء من أجل المصلحة العامة لأن الاختلاف في نهاية المطاف لا يفسد للود قضية.. ونظن أن الوقت قد حان لحشد جهودنا والخروج بأوطاننا من المأزق الحالي ارتكازا إلى ثوابتنا الوطنية التي أرساها شهداء الثورة التونسية وهي هدف ومطلب عقول وقلوب الجميع.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.