تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تركيا.. والدور الغائم!؟

خاص/ محطة أخبار سورية

بديع عفيف

<<يحذر البعض أن ثلاثة أشياء في تركيا يجب أن لا تأمن عليها؛ طقسها وعملتها ونساءها. وربما يمكن إضافة شيء رابع وهو سياستها>>.

اعترف أنني كنت ممن تفاءل وفرح وهلل لتحسن العلاقات التركية السورية، وأنني كنت اعتبر ذلك إنجازاً إستراتيجياً بين البلدين قلب حالة العداوة إلى تحالف إستراتيجي له أهميته الكبيرة والتاريخية، وما زلت أتمنى أنني كنت مصيباً. ولكنني كنت دائماً أشعر بالقلق دون أن تكون لديّ معلومات أو أسباب واضحة. فما الذي دفع الموقف التركي للتغيّر من التعامل سورية والعودة للنغمة السابقة والعمل على إنهاء شهر العسل بشكل مفاجئ!؟ ما الذي حصلت تركيا عليه مقابل هذا التغيير؟ أم أن تركيا تقود سياسة ضبابية للاحتفاظ ببعض المكاسب الغربية!؟ أسئلة كثيرة ومتناقضة يمكن طرحها، لكن الإجابة قد لا تكون واضحة، بل غامضة غموض الموقف التركي وأسبابه!!

أولا، من المفيد التذكير أنه أثناء وخلال وبعد الحرب الغربية على العراق عام 2003، استقبلت سورية أكثر من مليون ونصف لاجئ عراقي في ربوعها، ولكنها لم "تتسول" المساعدة ولم تطلب العون الدولي ولم تُحضِر وسائل الإعلام ليروا هؤلاء، ولم يستعرض وزير خارجيتها بين صفوف اللاجئين كما فعل وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو على الحدود السورية التركية، في المخيمات التي نصبتها تركيا (وهذا مؤشر مهم) قبل أن تكون هناك أصلاً أية أحداث على حدودها أو حتى بالقرب من كلّ تلك المنطقة.

ثانياً، تتعامل تركيا منذ بداية الأحداث في سورية بشكل عدائي في إعلامها وفي تصريحات مسؤوليها الإستعلائية وتضع الجداول الزمنية... وكأنها كانت تبحث عن ذريعة لاستفزاز سورية وفض الشراكة معها، مع أن هذه الشراكة هي التي فتحت لها البوابة للدخول إلى المشرق العربي، وقد استفادت تركيا من تحسين علاقاتها مع سورية أكثر مما استفادت سورية نفسها. وهذا السلوك التركي لايمكن تفسيره بالمنطق الدبلوماسي والعلاقات بين الأصدقاء، ولا حتى بلغة المصالح. وإذا كان الصديق عند الضيق، فقد أثبتت تركيا أنها ليست كذلك، وربما أسوأ من هذا؛ فالموقف التركي الواضح حتى الآن من الأحداث في سورية، يوحي وكأن تركيا كانت تتحيّن الفرصة للانقضاض على سورية. فما تفسير ذلك!؟

ثالثاً، يرى البعض إن الموقف التركي بدأ بالتغيّر منذ الهجوم الإسرائيلي في 31أيار العام الماضي على أسطول الحرية والسفينة التركية مرمرة التي كانت متجهة إلى غزة. فقد أراد الغرب إيصال رسالة عبر إسرائيل بأن على تركيا أن تتوقف عن الإبحار شرقاً وأن تتذكر أنها عضو في الحلف الأطلسي، مع أن أوروبا نبذتها وما تزال ولم تقبلها في النادي الأوروبي. ولعلنا نذكر الإهانة التي وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما تراجع عن تعهداته بشأن الملف النووي الإيراني، وهو ما اعتبر آنذاك ضربة للموقف التركي المتنامي على الصعيد الدولي.

وعلى صعيد تأكيد تغير الموقف التركي، فمن المؤكد أن الضغوط الغربية وتحديداً الأمريكية منها، قد اتضح تأثيرها في منع أردوغان بعد مكالمة هاتفية مع أوباما، مشاركة السفينة مرمرة في أسطول الحرية2. فكيف يمكن تفسير حماسة أردوغان للمشاركة في الأسطول الأول وامتناعه عن المشاركة في الأسطول الثاني بالاعتماد على القيم الأخلاقية التي يتستر بها.

رابعاً، ومن ملامح التغيّر أن أردوغان يسعى من تحت الطاولة ومن فوقها إلى استعادة علاقاته مع إسرائيل رغم الصفعات المتلاحقة التي وجهتها له ولبلاده في مناسبات عديدة، ومنها رفضها الاعتذار عن الهجوم على السفينة مرمرة في عرض المتوسط.. فهل يحاول أردوغان الباحث عن دور عالمي العودة إلى التحالف القديم مع إسرائيل على حساب العلاقات الحديثة مع سورية؟ وإذا كان الأمر هكذا، فما هو الثمن الذي قبضه أو سيقبضه مقابل ذلك، وما هو الدور الذي قام به أو المهمة التي أوكلت إليه ليقوم بها ثمناً لذلك؟

فمن البديهي أن أردوغان ونظام حكمه لا يحق لهما تقديم الدروس والنصائح والبكاء على ما يجري في سورية. فروائح المجازر التركية لم تذهب بعد والنظام التركي هو أكثر الأنظمة اضطهاداً للأقليات في العالم، ولا نريد الخوض في تفاصيل هذا الشأن فهي مخزية. ثم، هل يبني رئيس الوزراء التركي مواقفه وتصريحاته حول الوضع في سورية طبقاً لما تورده قنوات مثل الجزيرة والعربية والـ بي بي سي والفرنسية!؟ وإذا كان كذلك، فأين العلاقات الوثيقة التي يقول إنها تربطه بالرئيس الأسد؛ لم يتخذ أي موقف منذ بداية الأحداث في سورية يساهم في تهدئة هذه الأحداث، بل بدا مشاركاً في تصعيدها في كثير من الأحيان، ويصبّ الزيت على النار. فهل كان ينتظر سقوط النظام في سورية كما لازال يأمل بعض العرب؟؟

خامساً، كالفيل الأعمى، تبدو تركيا في هذه المرحلة بينَ بينْ، تماماً مثل موقعها الجغرافي؛ الغرب يرفض أن تكون أوروبية، والشرق يتهرب من حمل وزنها ومن ثقلها وضغوطها، وهي تتخبط هنا وهناك بين الرفض الأوروبي والتهرب المشرقي والضغط الأمريكي. فهل تسمع تركيا وتعي كلام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي بدأت تتحدث عن حدود متفجرة بين تركيا وسورية!؟ أم أن تلك التصريحات تطربها وهي سعيدة بها وتجد آذاناً صاغية في الدولة التركية!؟

بالطبع يعرف العقلاء في تركيا أن سورية "قطب الرحى" في المنطقة، وأن أي اهتزاز لها أو لدورها، سوف يهزّ المنطقة بأكملها ويزعزعها، وأول المتأثرين ستكون تركيا التي قرأت بالتأكيد عن المخططات الغربية لتقسيمها.. وربما هذا هو الهدف الحقيقي للغرب؛ التخلص من سورية ومن تركيا وإشعال المنطقة بأيدي أصحابها بدلاً من توسيع استقرارها وزيادة رخائها وتقدمها وفتح حدودها نحو مزيد من التطور والازدهار!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.