تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حسن م. يوسف: عندما يكون الإعلام ذيلاً

 

محطة أخبار سورية

استوقفتني جرأتها ونزاهتها منذ أن التقيت بها لأول مرة، فهي أستاذة جامعية تكتب عموداً مقروءاً في واحدة من أهم الصحف السعودية. أكثر ما استوقفني في كتابتها أنها لا تستسلم لما يدعى بالمسلمات، وأنها رغم هواها العروبي الواضح، لا تمالئ العرب بل تنتقدهم، دون أن تستثني نفسها، شأنها في ذلك، شأن من يريد لقومه أن يتخلصوا من ممارساتهم السالبة كي يرتقوا ويغدوا أشد منعة وأكثر قوة.

 

وباعتباري عضواً في القائمة البريدية لميسون الدخيل فقد صرت أنتظر مقالاتها بشوق، لاعتقادي أنها لا تُعِير رأسها لأحد، ولا تستعير أفكارها من أحد، وما عزز متابعتي لها أنها كانت منذ بداية الأحداث في سورية، تطرح الأسئلة الصعبة، وتحاول التوصل لاستنتاجاتها الخاصة بعيداً عن الرائج والمروَّج، وهذا من شأنه أن يسبب لها صداعاً مزمناً، لأن استنتاجاتها لم تكن لتنسجم غالباً مع الموقف غير المعلن لبلادها.

 

ولأنهم اتهموها «بعدم الواقعية» قَرَّرَتْ أن تقف على أرض الواقع، وأن تكتب عما تراه بنفسها، لا ما يراه الآخرون لها، لذا جاءت إلى دمشق في مطلع الأسبوع الماضي. وعندما علمت بمجيئها، انتظرت ما ستكتبه بلهفة، لأنني أثق بنزاهتها وحسن تقديرها.

 

أعترف لكم أنني لم أفاجأ عندما قرأت العبارة التي عَنْوَنَتْ بها ميسون الرسالة الموجهة للمشاركين في قائمتها البريدية: «مقالتي التي رُفِضَ نشرها» فمن الطبيعي أن تتناقض توجهات الكاتب مع مصالح الناشر، بين وقت وآخر، وهذا ينطبق عليَّ وعلى كثيرين، لكنني عندما قرأت المقالة صدمت إذ لم أجد فيها أي شيء يبرر منعها!

 

تحت عنوان «من دمشق... أحدثكم». كتبت ميسون الدخيل عن العلاقة الروحية التي تربطها بمدينة دمشق ذات العبق المختلف، والتي لا تزال على حد قولها «تطرب الأعين بمعالمها القديمة، وتلاعب أوتار القلوب بمآذنها».

 

تتساءل ميسون: «لماذا دمشق، وفي هذه الفترة بالذات».؟ وتجيب: «لأن ما يشاهده المواطن العربي من خلال أغلبية القنوات التي تنطق للأسف بلغة الضاد، صورت هذه المدينة، بل سورية بأكملها، كأنها أصبحت ساحة حرب وخراب، الذاهب إليها مفقود والخارج مولود».

 

بعيداً عن السياسة ركزت ميسون في مقالتها على الإنسان. أوردت كلام سائق سيارة أجرة «... طمأنني بأن ليس هنالك خوف من التجول بعد منتصف الليل». وتوقَّفَتْ عند كلام ربة منزل أبلغتها أنها تحررت من الرعب بعد أن «اكتشفت الفبركة والتزوير عندما أعلنوا عن قيام تظاهرة أمام منزلها، وحين خرجت إلى الشرفة لم يكن هناك «لا هابوب ولا دابوب»، أوْجَزَتْ حديثها مع بائع الخضار، ومع أحد الفلاحين، ومع بائع عجوز في سوق الحرف اليدوية، وفي النهاية أجملت ميسون الدخيل كل ما سمعته خلال اللقاءات التي أجرتها بقولها:

 

«... الرسالة كانت واحدة: بلدنا بخير ونحن بإذن اللـه سوف نحافظ على لحمتنا الوطنية تحت سقف وطن واحد اسمه سورية. فلترقص أميركا وأوروبا في أروقة الأمم المتحدة، أما نحن وبجميع طوائفنا وأعراقنا.. فسنصلي ولن نزداد إلا صموداً واتحاداً. لقد صدق سعيد عقل حين قال: قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب... شآم ما المجد؟ أنت المجد لم يغبِ».

 

لقد منع رئيس التحرير رسالة المحبة التي نقلتها ميسون الدخيل من قلب دمشق، وعن أرض واقعها، في حين نشر في العدد نفسه عدة رسائل سوداء عن سورية، لا يستند كتابها إلا للهواء الفاسد الذي تبخُّه فضائيات التحريض. وهذا مؤشر مؤسف على ما يمكن أن يؤول إليه الإعلام عندما يكون ذيلاً لتجار سياسة، يتبارون في النجاسة.

 

*- حسن م يوسف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.